رغم أن المكتب الإعلامي الذي عمل معه، خسر ستة عشر "شهيد إعلامي.. كانوا يرسمون ألواناً بكاميراتهم المتواضعة"، إلا أنّ هذا لم يمنع الفنان "محمود سليمان" صاحب صفحة "عدسة ابن البلد" من متابعة التصوير الذي احترفه أثناء الثورة التي "جعلتنا نصوّر ونستكشف قرى ومناطق جديدة ونشاهد هموم الناس وكل ما يمرون فيه من أحداث ومصاعب" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
الفنان الذي بدأ التصوير منذ بداية الانتفاضة ( 2011) "بشكل سري بعيدا عن مراقبة النظام" بدأ عبر كاميرا موبايل عادية جدا، مدفوعا بهدف نقل الحقيقة الحاصلة في بلده عبر الصورة، التي تمكنت من كسر احتكار سردية النظام لما يحصل في البلد، حيث استمرت هذه الحالة لمدة خمسة أشهر إلى أن قدّم أحدهم كاميرا متخصصة للمكتب الإعلامي الذي يعمل معه، فبدأ الجميع يستخدمها و منهم الفنان الذي تابع رحلة بحثه لالتقاط الحقائق المغيّبة في سوريا، سعيا لنقل "صورة أوضح ليكتمل المعنى عسى أن يدرك العالم جزء من معاناة الشعب السوري" كما جاء في تقديم "عدسة ابن البلد" عن نفسها على الفيسبوك.
هذه الرحلة الطويلة مع امتداد زمن الثورة والصراع في سورية جعلت الفنان يرى سوريا كما هي، في لحظة وجعها القصوى، إذ كانت "الجولات التصويرية" التي يقوم بها بمثابة جواز سفر إلى وجع الناس وأفراحهم الصغرى وسط هذا الواقع الصعب، لتختزن ذاكرته مشاهد لا تنسى، يكثفها بـ "مشهد أحد الأطفال الذي فرح في يوم العيد وهو يحمل 10 ل.س ويريدني أن أصوّره وهي في يده، و مشهد لعائلة فقدت والدها في الصراع واليوم الأم تبيع أدوات منزلهم من أجل أن تربّي أطفالها، ومشهد الطفلة فاطمة التي عرفت صورتها باسم الموناليزا، و مشهد لطفل فقد يده والآن هو يبيع الوقود ليستمر في الحياة".
تركز عين الفنان على اقتناص لحظات الهامش من الثورة التي تحوّلت اليوم صراعا مسلحا معقدا، إذ تركز على آثار الحرب على البشر والحجر والعمران، مؤكدة صمود العشب أمام الدبابة، والمكتبة أمام الصاروخ، وضحكة الأطفال أمام الموت، فهاهم يسبحون في بحيرة "مزيريب" لتبدو الصورة لمن لا يعرف سوريا وكأنه في بلد لا صراع ولا حرب فيه، لنكون أمام صورة تعكس قدرة السوريين على كسر الحرب حتى في لحظة جنونها القصوى.
تتنقّل كاميرا الفنان بين لحظة الحرب بجنونها المدّمر ولحظة الحياة المنبثقة عنها، من ضحكة الأطفال البريئة إلى مقاومة الناس لتأمين سبل العيش في زمن الدمار، لنكون أمام صورة أمل تقتنص الفرح الهارب من أتون الموت، لتقول أن ثمّة شعب احترف الحياة رغم كل الموت. هذا الموت الذي قنص عدد من رفاق الفنان في رحلة البحث عن الصورة.
هؤلاء الجنود المجهولون لازالوا يحفرون في روح الفنان الذي يدعو كل من يستطيع المساعدة لأن " يساعدوا الجنود المجهولين ( وهم الإعلاميين ) بأن لا يبخلوا عليهم" لأنهم حماة الحقيقة الضائعة في سوريا، وشهودها الساعين لتوثيقها عبر صورة لا تقبل الجدل.
الفنان محمود سليمان، صاحب "عدسة ابن البلد"، يتابع عمله اليوم في مدينة درعا رغم كل اليأس والدمار، ورغم كل الاتهامات التي يتلقاها من هنا وهناك خاصة بعد تعب الناس من طول الصراع، مصرّا على اقتناص الفرح والأمل والألم والحقيقة، مؤمنا بأنّ لصورته دور فعّال.
وهي كذلك حقيقة.