سوريا ومعايير المحاكمات العادلة


11 تشرين الثاني 2014

ميشال شماس

محامي سوري وناشط حقوقي في عدد من الملفات الحقوقية أبرزها: الدفاع عن المعتقلين السياسيين

الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان، وقد وضع المجتمع الدولي مجموعة بالغة التنوُّع من المعايير الدولية لضمان المحاكمة العادلة، وهي تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء احتجازهم قبل تقديمهم إلى المحاكمة، وعند محاكمتهم، وحتى آخر مراحل المحاكمة.

ويعتبر انتهاك هذه المعايير مبعث قلق كبير لمنظمة العفو الدولية وللمدافعين عن حقوق الإنسان، بصفتها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في حد ذاتها؛ ولأنها تؤدي إلى مزيد من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك الزَّجّ بالأفراد في السجون، لأسباب تتصل بالتعبير عن الرأي، واستخدام العقوبات القانونية بحقهم والتي ترقى إلى حد التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

لا يمكن أن تصبح المحاكمة عادلة، إلا إذا توافر لها شرطان أساسيان على الأقل. وهما أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها، من بدايتها إلى نهايتها، بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها المجتمع الدولي أولا. وثانياً أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتطبيق تلك المواثيق وتنفذيها.

لقد نص "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" بوضوح على الحق في المحاكمة العادلة، والذي يجب على كل دولة في العالم أن تراعيه في دساتيرها وقوانينها ومحاكمها. وتنص المادة العاشرة منه: "لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أيّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه. كما نصّت عليه أيضاً المادة 14 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية": "من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قِبَل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون". وينص العهد الدولي المذكور على الحقوق التي تكفل إجراء المحاكمة العادلة، مع مجموعة أخرى من المواثيق الهامة التي وضعها المجتمع الدولي.

وبمقارنة بسيطة بين ما هو مطبّق في المحاكم السورية وبين المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، نجد أن المحاكم السورية بعيدة كل البعد عن تلك المعايير ولاسيما في محاكم الميدان العسكرية التي تعتمد مبدأ السرية في جلساتها، وتمنع المحامي من حضور جلساتها، وتصدر قراراتها بشكل سرّي دون أن يتمكن المتهم أمامها من الدفاع عن نفسه.

ولا يختلف الأمر كثيراً في محكمة الإرهاب حيث تجري محاكمة المتهمين أمامها في ظروف غير مريحة وغالب الأحيان يجري الاستجواب بدون حضور محامي والمحكمة معفية من التقيّد بالأصول والإجراءات المتبعة أمام القضاء العادي، والأمر الأكثر خطورة ومأساوية يتمثل في طريقة التوقيف لدى الأجهزة الأمنية التي لا يتوافر فيها الحد الأدنى من الضمانات التي توجب على الجهة التي قامت بالتوقيف بإخطار الموقوف أسباب توقيفه وإخبار أهله بأنه تم توقيفه، ويتم التوقيف لمدد غير معلومة خلافاً للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2011 الذي أوجب إحالة الموقوف للقضاء بعد ستين يوماً.

إن سوريا الجديدة التي نطمح إلى بنائها من جديد يجب أن تقف على مسافة واحدة من بناتها وأبنائها، وأن يكون المواطن السوري كرامته فيها مصانة وحقوقه محفوظة، وأوّل خطوة في هذا الاتجاه هو التصديق على المعاهدات الدولية ذات الصلة، وينبغي على النظام الجديد أن يعمل على تعديل قوانين الدولة السورية بما يتفق وأحكام هذه المعاهدات، وأن يلتزم بهذه الأحكام في ممارسات رجال القضاء والشرطة وغيرهم من المسؤولين. والالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة وضمان تنفيذها بمؤيدات جزائية ويأتي في مقدمة تلك المعايير:

1- حق المواطنات والمواطنين السوريين في المساواة أمام القانون وفيه. بعيداً عن أي تمييز في الرأي والدين واللون والجنس والعرق.

2- حقهم في عدم التعرض للقبض عليهم بشكل تعسفي، وإبلاغهم حقوقهم قبل مباشرة التحقيق، وسبب القبض عليهم وتوكيل محامي وإبلاغ أسرهم بخبر القبض عليهم ومكان احتجازهم وحرية التواصل معهم، وعرضهم على القضاء بسرعة، والإفراج عنهم بكفالة.
3- حقهم في عدم احتجازهم بأماكن وأوضاع غير إنسانية وعدم التعرض للتعذيب، والتحقيق في مزاعم التعذيب وعدم الاعتداد بأقوالهم المنتزعة منهم تحت التعذيب، وعدم إجبارهم على تجريم أنفسهم.

4- حقهم في افتراض البراءة تطبيقاً لمبدأ "كل شخص متهم بجريمة يُعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه"، وسرعة البت في قضيته في محاكمة علنية. أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية منشأة بحكم القانون، وتوفير كافة ضمانات الدفاع وحضور المحاكمة والاستعانة بمترجم ومناقشة الشهود. وعدم محاكمتهم مرة أخرى بنفس الجرم.
5- أن تكون السلطة القضائية مستقلة وحيادية، أي أنّ القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة إليه. ويجب ألا تتعرض الهيئة القضائية ككل، وألا يتعرض كل قاضٍ على حدة، إلى التدخل في عمله من جانب أفراد بعينهم. ويجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استناداً إلى الحقائق الثابتة وبموجب القانون، بعيداً عن التدخل أو المضايقة أو التأثير من جانب أي فرع من فروع الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية.

ولا يكفي النص في الدستور والقوانين على تلك المعايير على أهميته القصوى ما لم يترافق ذلك كله بمؤيدات جزائية تردع المخالفين لها من الحكام أو المحكومين على السواء، وما لم يترافق أيضاً مع نشر روح الحرية واحترام القانون لدى الناس أجمعين، وجعل تلك الروح حيّة على الدوام في قلوب الناس، فما قيمة النصوص والقوانين إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون وحقوق الإنسان في قلوب الناس ..؟ هذه الحرية التي تعلو بالإنسان، ولا تحط من قيمته بالترهيب والتخويف.

ومن هنا تبرز ضرورة أن ندرك جميعنا أن أهمية العدل في حياة الأطفال هو أمر في غاية الأهمية من أجل تطوير فهم أفضل للحاجة إلى العدل في بلادنا التي عانينا فيها أطفالا وشبابا ونساء ورجالا وشيوخاً ومازلنا نعاني من الظلم منذ عقود طويلة.

وانطلاقاً من ذلك يجب أن نضغط جميعنا باتجاه تطوير مناهج التربية والتعليم في مدارسنا، وذلك بتقديم مواد تتدرج في أفق التربية على احترام القانون وحقوق الإنسان، وكذلك في إنشاء مقاعد في الجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان في بلادنا والعالم ، ولكن قبل ذلك علينا أن نقر نهائياً بأهمية تعليم أولادنا مبادئ مبسّطة عن حقوق الإنسان منذ الصغر، حتى عندما يكبرون يصبحون على معرفة بحقوقهم المتأصّلة وبأهمية كرامة الإنسان، ويكسبون المهارات التي يحتاجونها كي يتمكنوا من فعل شيء إزاء أيّة انتهاكات قد يتعرضون لها في حقوقهم، وهي المهارات التي تساعدهم على اتخاذ موقف مؤداه أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً لتغيير الأوضاع السيئة نحو الأفضل.

ومن الأهمية بمكان أن تكون حقوق الإنسان جزءاً من جميع الموضوعات المدرسية بدءاً من مراحله الأولى وحتى الأخيرة، وأن تتغلغل تلك الحقوق في الخبرة التعليمية للطلاب بأكملها، علّنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل..الخ، وجعله منطلقاً وأساساً في بناء وتطوير وبناء سورية الجديدة بعيداً عن العنف والإلغاء والتخوين والتكفير والإكراه والاستبداد بكافة أشكاله وألوانه.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد