على مدى مئتين وأربعة عشر يوما من الاعتقال الأول (11/11/2013) لزوجها الصحفي "عمر الشعار" لم تكف مجدولين يوما عن كتابة الرسائل له، إذ كتبت في آخر رسالة آنذاك: "إلى عمر الشعار في غيابه الرابع عشر بعد المئتين: راكضا عبر قمحي أراك، باسطا ذراعيك للريح. غدا تمضي الظلمة كضيف غير مرحب به. وقريبا وجدا (صوتك يضحك ملوى البيت يضوي ايامي ) الحرية لسوريا ولك ولكل المعتقلين في سجون الاستبداد" غير مدركة أنه سيعانق الحرية قريبا (15 يونيو 2014).
هذه الرسائل تسميها مجدولين "شكلا من أشكال مقاومتي لليأس والاستسلام، ودفعا له ( لعمر) على الصمود في ظل الظروف السيئة لاعتقاله فقد كان يعني وضعا صحيا سيئا اقترب به من الموت. كما كانت للتذكير بقضية المعتقلين وعدم نسيانهم أو تركهم جرحا مفتوحا، وللحصول على أوسع تضامن مع عمر ومع جميع المعتقلين" كما تقول لموقعنا "حكاية ما انحكت".
إلا أن عمرا لم يهنأ بالحرية طويلا، إذ أعادت السلطات اعتقاله في 31/10 2014 أثناء عودته من بيروت بعد مشاركته بورشة تدريبية أقامتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الأمر الذي دفع مجدولين لمعاودة كتابة رسائلها التي كان آخرها: "إلى عمر الشعار في غيابه الخامس والعشرين والإضراب الرابع بعد عشرين ومئة من الحرية: كنجمة زرقاء تطل من نافذة الروح فارسا في وطن لم يكتمل بعد. يا أيها المبحر في دمي تطّهر بالنور، ولا ترهبك دولة ملوك الطوائف فأرضنا شواطيء القلب"، لندرك أنها أعلنت إضرابا مفتوحا عن الطعام من قلب دمشق، مطالبة بإطلاق سراحه دون قيد أو شرط، إذ تقول: "يأتي إضرابي بعدما استنفذت كل الطرق لإطلاق سراحه. الإضراب وسيلة احتجاج سلمية وحق نصت عليه المواثيق الدولية. أريد أن اذكر بالطرق السلمية للاحتجاج وإعطاء دور فاعل ووازن للمنظمات الدولية والمحلية الحقوقية".
إذ رغم إدراكها أن " ليس لدي أمل كبير أن يستجيب نظام القهر لمطالبي ولا أن يرى في إضرابي سببا لإطلاق سراح عمر"، إلا أنها تريد من خطوتها هذه "إيصال رسالة إلى ذوي المعتقلين والمخطوفين والمغيبين قسرا لإعلان إضراب ولمعرفة مصير ذويهم وإطلاق سراحهم .. الإضراب آداة في يدي و سأستعملها".
يتزامن إضراب "مجدولين" مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي المرأة التي عانت قمعا مضاعفا طيلة مسيرة نضالها دون أن تستكين لإرادة سجانيها ومعنفيها، حيث اعتقلت مرتين، الأولى على "خلفية مشاركتي في مظاهرة المثقفين (تموز 2011)، لمدة أربعة أيام في الأمن الجنائي بباب مصلى"، والثانية في (كانون الأول 2012)، وذلك "على خلفية انتمائي لحزب العمل الشيوعي من قبل فرع الأمن العسكري بطرطوس".
وفي المرتين لم تستلم لسجانيها، إذ نفذت في الاعتقال الأول هي وزملائها إضرابا مفتوحا عن الطعام لمدة ثلاثة أيام ليخلى سبيلها في الرابع، بينما استمر إضرابها الثاني "لمدة 12 يوم احتجاجا على اعتقالي .. وحتى الآن ما زلت أعاني من آثار هذا الإضراب في عمل الكلى"، لتسقط التهمة عنها لاحقا "بالعفو الصادر في 2013 ولم تنفع كل رسائل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي أعمل بها إلى الخارجية السورية للمطالبة بإطلاق سراحي آنذاك"، في حين لا يزال إضرابها الثالث مفتوحا حتى الآن.
مقارعتها للدكتاتورية تعود إلى مرحلة ما قبل الثورة بكثير، حيث سخّرت عملها في المحاماة للدفاع عن معتقلي الرأي منذ إعلان دمشق ومن ثم إعلان دمشق بيروت، وعملت في المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، وساهمت في تشكيل ملتقى طرطوس للحوار الوطني الديمقراطي (2005)، وشاركت في لقاء دير الزور للمعارضة، وعملت مع راهبات الراعي الصالح في مناهضة العنف ضد النساء، وتطوعت للعمل كمستشار قانوني في مركز الثقة لضحايا العنف الأسري، و أسست بالمشاركة مع بعض الزملاء المركز السوري للمواطنة عام 2004، وشاركت في أول مؤتمر للمعارضة في الداخل السوري (مؤتمر سميراميس) الذي تصفه بأنه "لم يأت بالشيء الكثير، إلا بالتأكيد حينها أنّ في سوريا من يطالبون بالحرية ولا يخرجون من الجوامع".
هذه النشاطات "لم تعجب الأجهزة الأمنية فقاموا بمنعي من السفر من عام 2005 وحتى 2011 (فرع الأمن السياسي وأمن الدولة وفرع فلسطين) وتم استدعائي لمختلف الأفرع حوالي 36 مرة ابتداء من عام 1992 وحتى الآن".
تصف زوجها المعتقل بأنه "متطرف في سلميته" مؤكدة عدم انتمائه لأي حزب سياسي، إلا أنه "يعيش حلم التغيير"، مفسّرة اعتقاله من قبل السلطات بأنه "مقصود" بغية "إفراغ الساحة من النشطاء السلميين، لأن النظام كذب الكذبة وصدّقها أنّها ثورة التكفيريين الإرهابيين. وليس لديه من أدوات ليؤكد هذه الرواية إلا باعتقال وتغييب الناشطين السلميين المدنيين".
قبل أيام (19/11/2014) كتبت على صفحتها على الفيسبوك، وهي المقيمة في دمشق: " من نقابة المحامين وشطبتوني، ومن السفر منعتوني، واعتقال مرتين اعتقلتوني، وعمر مرتين اعتقلتوه. شو بعد فيكن تعملوا ؟؟! ياريت تقتنعوا إنني لن أستسلم ولن أتراجع ولن أهزم"، الأمر الذي دفعنا لسؤالها عن الخوف، وعمّا إذا كانت تشعر به، فقالت: "نعم إني أخاف الاعتقال وأنتظره. ولكن لن أغادر سوريا مهما حدث. هنا أرضي وحلمي الخوف من الاعتقال قائم في كل لحظة. متصالحة مع الفكرة وقد أخذت احتياطات كثيرة مع بعض الأصدقاء والرفاق ووضعنا خطة عمل في حال تم اعتقالي لينفذوها".
تصر مجدولين على أنها لن توقف إضرابها "حتى يعود عمر إلى المنزل حرا كما هو دائما"، مؤكدة أنها لن تتردد "في فعل كل ما من شأنه أن يساهم في إطلاق سراحه، ولن أتراجع عن طريقي الذي اخترته ولا عن حلمي في سورية دولة علمانية ديمقراطية، ومستعدة لأي ثمن من أجل ذلك".