مع تحولات الثورة السورية وانقسام السوريين بين معارضين للنظام وموالين له بدأت حرب الشعارات والرموز. من العلم إلى الجيش والرمز والإشارات والغرافيتي وأسماء الشوارع والساحات، حيث بات لكل فريق رموزه الخاصة به، إذ يسعى الذين تحرروا من هيمنة النظام وهم يسعون لإسقاطه إلى تدمير كامل الفضاء الرمزي لإنهاء "السيطرة الغامضة" التي حكمهم بها الأسدين طيلة عقود، ساعين لخلق رموزهم المعبّرة عنهم والتي تمثلهم لتأكيد انفصالهم النهائي عن جسد الاستبداد، في حين دأب المؤيدون للدكتاتورية إلى التمسك بذات الرموز التي أرادها الاستبداد وسيلة حكم له، من العلم الذي بات بالنسبة للمؤيدين رمزا للسيادة الوطنية و "أبو عيون خضر" في حين اختار المعارضون علم الاستقلال عن الانتداب الفرنسي إلى التغني بالجيش السوري في حين يتغنى المعارضون بالجيش الحر، إلى أن وصلت الأمور نحو نقطة باتت أشد تعبيرا عن ديدن الاستبداد الذي لا يرضى بأقل من تحويل البشر إلى مسخ، وهو ما تجلى بجعل المؤيدين من البسطار العسكري رمزا لهم، إلى درجة التصوّر معه ووضعه فوق رؤوسهم والاحتفاء به عبر نشر الصور معه على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أكثر من ذلك وصل الأمر حد إقامة نصب تذكارية له في ساحات المدن التي لم يزل يهيمن عليها النظام، في عملية تعكس الشعور بالخطر، فحين "تصبح الأجهزة العسكرية والأمنية سوط يجلد به كل (من تسول له نفسه العبث... وغيرها من العبارات الممجوجة ) يتحول المعنى السامي - الشرف والإخلاص - إلى شعور أدنى وأدنى وأدنى ويتم التحول والانحراف إلى نوع من ( الفيتشية ) وهو انحراف معروف أشهره التعلق بالقدم وفي حالة العسكر التعلق بالبسطار. نوع من النشوة تصيب الواقعين بهذا الهوس. فيضعون الحذاء على رؤوسهم أو يصنعون النصب التذكارية (الحذائية ) الاستبداد الطويل يؤدي إلى تماهي الضحية مع جلادها" كما يقول الفنان "سعد حاجو لـ حكاية ما انحكت".
ولكن طالما الصراع بين طرفين، ولكل منهما قوته العسكرية ألا يحق لكل طرف أن يكون له رموزه بعيدا عن السخرية، خاصة أن الموالين يتغنون بالجيش هنا كرمز للسيادة الوطنية كما يقولون؟
هنا يتابع الفنان حاجو قائلا: "تبدأ العلاقة بين الكريات الحمراء والكريات البيضاء وتبدو كعلاقة طبيعية. فالحمراء تقوم بوظيفتها المعتادة وحين تهاجم الجسم الفيروسات تبدأ البيضاء بعملها وهو الدفاع عن الجسم. أما استمرارها بالتكاثر والسيطرة على الجسم يؤدي إلى استشراء المرض الذي قد يؤدي إلى الموت. حينما يتحول الجيش من مهمة الدفاع عن الحدود لصد الأخطار المحدقة إلى ضرب الطوق الأمني على المواطنين ومنعهم من العيش بشكل طبيعي"، يصبح الأمر خطرا على البلاد والعباد، في حين اعتبر الفنان هاني عباس لـ حكاية ما انحكت أن "البسطار بمفهومه المجرد هو حذاء الجندي الذي يدافع عن الوطن. و لكن في ظل الأنظمة العسكرية الحاكمة و الدكتاتورية أصبح رمز البسطار يعبّر عن مفهوم قمع الشعب و الدوس عل المواطنين و التحكم بالمدنيين، ورمزاً مكروهاً لدى الأحرار. يسجن بداخله آلاف المعتقلين و ربما كل الوطن. بينما يراه عبيد السلطة العسكرية و المرضى النفسيين المازوشيين". وهو ما جسده الفنان عمليا في لوحة له تمثل منازل مأهولة داخل بسطار عسكري، في حين عبر في لوحة أخرى عن أن الدكتاتورية ترفض حذاء بابا نويل الذي يضج بالفرح وتقبل حذاء الدكتاتور الذي يبث الموت.
وانطلاقا من ذلك كان للفن باعتباره الراصد الأول لتحولات البشر وقراءتها بصمته الخاصة ورؤيته بالظاهرة عبر قراءتها والتعبير عنها فنيا، حيث كان لكل فنان زاوية نظره لما فعل الاستبداد بالمدافعين عنه، ففي لوحته "رقص" استعار الفنان وسام الجزائري لوحة شهيرة للفنان"هنري ماتياس" ليعيد العمل عليها، جاعلا من الراقصين يتحلقون حول حذاء عسكري، في حين صور في لوحة أخرى البسطار العسكري وهو يسحق وردة غياث مطر الحمراء التي قدمها للجندي.
الفنان "همام السيد" سخر من الموالين على طريقته حين رسم مجموعة من الموالين وهم يلبسون في رؤوسهم قبعات على شكل حذاء، فرغم أن اللوحة جاءت تحت عنوان "تحيا مصر" بعد وصول السيسي إلى السلطة مجددا إلا أنها تنطبق على الحالة السورية. وهي نفس الفكرة التي جسدها الفنان "جواد" حين صوّر رأس جندي على شكل حذاء، دون أن يكتفي بذلك بل ذهب في السخرية إلى الأقاصي حين صوّر في لوحة ثانية السماء وهي تمطر بساطير، بما يذكر بالبراميل الهابطة من السماء، وفي ثالثة الشجرة وهي تثمر أحذية عسكرية!
الفنان "أنور العيسى" ربط بين البسطار والحزب الحاكم، عبر لوحة تمثل حذاء يحتفى به، مشبها الاحتفالات بميلاد الحزب الذي فرض على السوريين كغيره من الأشياء التي ابتلعت حياتهم كما ابتلعها البسطار الذي صوّره الفنان سعد حاجو بعدة أشكال منها على شكل جندي ينفخ الصابون لتتشكل فقاعات على شكل بوط، أو يشكل كلمة لجنة.
السخرية المقرونة بالتحدي تجلت في لوحة "الحذاء الأخير" للفنان "ياسر أبو حامد" حين بين بذكاء أن عبادة البسطار هي التي ستنهي النظام في نهاية المطاف، مصورا الدكتاتور جالسا على حذاء يتمايل للسقوط، مبينا أن عقلية التفكير هذه هي ما يقود الشعوب للثورة ضد طغاتها.
السخرية لم تتوقف عند حدود اللوحة، بل وصلت حد أن يتساءل الفنان "حاجو" عن سبب "استعمال فردة حذاء عسكري واحدة لا اثنتان ولطالما تساءلت لماذا فردة حذاء واحدة لا اثنتان ولم أعثر على الجواب بعد. هل تم الاحتفاظ بالفردة الثانية لاستعمالها كرمز للفاشية الدينية التي ظهرت لتبقى وتتمدد؟!".
كما كان الفن الصادق دوما بجانب الشعوب، يفعل فنانو سوريا اليوم، معتبرين أن لوحاتهم جزء بسيط من مشاركتهم في فضح الدكتاتورية، إذ يعتبر "عباس" أن "البسطار العسكري كرمز للوحشية و الدكتاتورية يستخدم في كثير من الأعمال الفنية للدلالة على القمع و السخط من استخدام العسكر في قمع الناس و تهديد حياتهم " في حين يرى حاجو أن الاختيار بين الحذاء العسكري والداعشي يجعله يفضل العودة حافيا " بدلا من العودة بخفي حنين (قد يكون حنين -في إشارة للمثل الشعبي المعروف :عاد بخفي حنين"بضم الحاء") ﻷننا قد نكتشف أن حنينا هذا يرتدي حذاء عسكريا ؟"