بقليل من الأمل وكثير من الخيبة والتمني والحدة، ودع السوريون عام 2014 غير متحسرين عليه، فهو العام الأسوأ على الإطلاق: انكشاف الأوهام واستعصاء الصراع وتمزق البلد وضمور السلمية وتقدّم السلاح، بقاء النظام بعد انتخابات هزلية بينّت لهم مدى الفارق الواسع بين أحلامهم وما هم فيه حقيقة، وهو ما عبرت عنه رسوماتهم وكتابتهم، إذ كتب الكاتب "سربست نبي": "هل سيتبرأ العام الجديد ٢٠١٥ من نسبه القذر والسافل ٢٠١٤ ؟ هل سيتبرأ من أفعاله الدنيئة ويعلن القطيعة معه؟ هل سينحاز لأحلامنا؟ سأذكّره بهذا الكلام عند نهايته، في مثل هذا اليوم وفي هذا الميقات"، في حين قالت الناشطة "خولة دنيا": "ما عندي مشكلة مع ال ٢٠١٤ بس كانت سنة حزينة .. كانت سنة نزوح جديد .. كانت سنة سجن وانتظار وخوف".
رغم تقدم اليأس، فإن التمني بأن يكون العام القادم أفضل وأن تتوقف الحرب الدائرة، كان القاسم المشترك بين أغلب ما كتبه السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال الباحث ومدير مؤسسة "مواطنة" حسان عباس: "عساه يكون عام الخروج من النفق الجهنمي الذي تتخبط فيه بلدنا، وعام بداية بناء سورية الجديدة، سورية المواطنة. فـ "لا حل إلا المواطنة"، في حين تمنى المحامي ميشيل شماس أن "يكون العام الجديد مدخلا باتجاه بداية النهاية للمأساة السورية حيث تصمت وإلى الأبد أصوات المدافع والرصاص. ونتفرغ لبلسمة جراحنا ودفن أحقادنا ولبناء سوريا الجديدة بلا استبداد من أي نوع كان وبلا إقصاء أو إكراه وبلا تهميش أو تكفير أو تخوين"، وهو ما عبرّت عنه لوحة الفنان منير الشعراني التي تضمنت عبارة "لسوريا: الخلاص، السلام، الحرية".
ولكن لم يكد يجف حبر ما كتبه شماس فوق، حتى عاد وكتب "متل ما ودعنا لاقينا. اشتباكات عنيفة بمختلف صنوف الأسلحة بما فيها صواريخ أرض في محيط الدويلعة باتجاه حي جوبر. مازالت مستمرة منذ الصباح الباكر في أول يوم من أيام السنة الجديدة"، ليدل على أن السفينة السورية تسير عكس ما يشتهي السوريون حتى اليوم، حيث الخيبة لا تزال عنوانا، وهو ما نلمحه ضمنا في لوحة الفنان "عمر عبد اللات" حيث صوّر بابا نويل حزينا لعجزه عن تحقيق حلم طفل سوري يطلب منه" أريد وطنا!
الفنان السوري "فارس الحلو" اختار زاوية مغايرة وملفتة ليودع العام من خلالها، إذ اختار صورة قديمة لطفل سوري زوّر بطاقة إعانة ليحصل على مساعدات، قائلا له: "كل سنة وأنت سالم أيها الجميل. طفل سوري صنع بطاقة إغاثة بنفسه ليعيل أهله"، وكأنه يريد أن يذكر بطريقة غير مباشرة بما يعيشه ملايين اللاجئين السوريين من أوضاع إنسانية سيئة، وهو ما عبر عنه الفنان "موفق قات" بلوحة ترسم مجموعة من الأطفال السوريين يحتمون بقبعة بابا نويل التي أصبحت خيمة لجوء، في حين رسم الفنان "كانيوار زيدان" أطفال سوريا في العيد وهم موزعون بين مخيم وحرب ومعتقل.
السياسة والنظام كان لهما حصتهما أيضا من تعليقات السوريين وسجالاتهم، خاصة أن الدكتاتور أقدم على زيارة حي جوبر على أطراف العاصمة دمشق مما أشعل سجالا حادا سنتوقف عنده في مادة خاصة، حيث ركزت أغلب بوستات المعارضين في هذا السياق على أن الأسد راحل في نهاية المطاف، إلى درجة أن الخيار بين الفوضى والأسد كان للفوضى، كما كتب الكاتب عبد الله الحلاق: "إذا كنا مخيــّرين تاريخياً بين بشار الأسد والفوضى، فإنني أتمنى أن يكون عام 2015 عام الفوضى التي لا تبقي أحدا "منهم" ولا تذر"، الأمر الذي يعكس مدى القطيعة مع النظام وحدتها، في حين أصرّ الموالون على أن الأسد باق وللأبد أيضا!
الفنانون السوريون كعادتهم كانوا نقطة مضيئة وسط هذا اليأس والظلام السوريين الدامسين، إذ جاءت لوحاتهم لتلتقط نبض الشارع ومأساته وأماله، معبرة عنه بلوحات تستمد مادتها من الوجع لتخلدها في لوحة تقاوم تهافت الزمن، حيث اختار الفنان "هاني عباس" مبدأ إشارة المرور ليعبّر عن سوريا الجديدة، راسما بداخلها حذاء بابا نويل مع إشارة المنع وحذاء عسكري، في دلالة أن سوريا مغلقة بوجه الفرح والأعياد طالما أن البسطار العسكري يتحكم بها، وهو ما كان موضوع لوحة الفنان "ياسر أحمد" حين صوّر بابا نويل متعرضا للقصف.
بابا نويل والعيد بمواجهة العسكر، هي تيمة تضمنتها أغلب اللوحات السورية، حيث صوّر الفنان "مصطفى يعقوب" في أحد لوحاته شجرة الميلاد على هيئة طائرات حربية، وفي أخرى صوّر بوطا عسكريا يحتوي على حلوى وألعاب، مبيّنا التناقض الجوهري بين حكم العسكر والميلاد، فلا ميلاد في ظل العسكر، لأن وجودهم يعني استمرار المأساة التي عبّر عنها الفنان بلوحة بالغة الدلالة ومكثفة التعبير حين رسم لاجئين سوريين يعبرون على روزنامة من عام 2014 إلى عام 2015 وخلفهم آثار الدماء.
رغم كل هذا اليأس بقي الأمل موجودا، إذ أطلق مجموعة من السوريين مع بداية العام الجديد ما أسموه مظاهرة الكترونية، حيث دعت المخرجة "هالا العبد الله": "في منتصف الليل بتوقيت دمشق ستنطلق على صفحاتنا مظاهرة اليكترونية بهذه الجملة : " 2015 حرية لسوريا"، وهو ما استجاب له عدد من السوريين الذين نقلوا العبارة، ساعين لفتح باب الأمل الذي ترافق مع صورة تم تداولها كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي لسوريين يرفعون الورد مع عبارة حرية سوريا 2015، ساعين "لتكن سنتنا الجديدة ثورة على عجزنا وشعورنا بفقدان الأمل" كما كتبت الناشطة خولة دنيا، متابعة:
2014 سنة سقوط الوهم.
2015 سنة بناء الأمل (هذا هو الأمل)