يُكرّس الإعلام المحلي والدولي مساحة لا بأس بها لتناول قضايا النساء السوريات في سياق الصراع السوري. لكن الجزء الأكبر من تغطية الإعلام لقضايا النساء السوريات خاصة اللاجئات يُشوّه الواقع المعاش للغالبية العظمى من هذه النساء، حيث يتم إظهار اللاجئات السوريات في الإعلام كضحايا سلبيات للحرب بدون أي دور فاعل في الأحداث. ففي القسم الأكبر من التغطية الإعلامية وحملات الناشطين\ات السوريين\ات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي يتم التركيز فقط على المرأة والطفلة السورية كضحية للزواج الإجباري والزواج المبكر.
يهدف هذا المقال إلى تقديم اقتراحات حول الكيفية التي يتوجب بها على الإعلام تغطية قضايا النساء السوريات في إطار الصراع الحالي وإلى تبيان دور التغطية الإعلامية في التأثير على تدفق المساعدات الإنسانية وفي عملية تحقيق العدالة الانتقالية.
يتوجب على الإعلام أن يغطي قضايا اللاجئات السوريات ضمن سياق تاريخي واقتصادي واجتماعي. فمثلاً قضية هامة كالزواج المبكر يتم تناولها من قبل الإعلام التقليدي والاجتماعي خارج سياقاتها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية. يُركز الإعلام التقليدي على قصص مثل كيف تُجبر الأسر السورية اللاجئة بناتها على الزواج المبكر؟ أو كيف تبيع الأسر السورية اللاجئة بناتها في زواج إجباري لأغنياء الخليج؟
وفي إطار مشابه كثير من الحملات الإعلامية الاجتماعية السورية تنادي بإيقاف الزواج المبكر والإجباري للفتيات السوريات اللاجئات. ولكن ما الذي يغفله الإعلام التقليدي والاجتماعي عند تناول هذه المشكلة خارج سياقاتها؟
أولاً: الزواج المبكر تقليد شائع في سوريا خاصة في المناطق الريفية في درعا وحمص وإدلب لأسباب تتعلق بالفقر وببنية الاقتصاد الريفي ولم تنتج هذه الظاهرة عن اللجوء. بالطبع اللجوء فاقم هذه الظاهرة بسبب ازدياد حدة الفقر والعوز. فمثلاً في مخيم الزعتري في الأردن تلجئ بعض الأسر السورية إلى تزويج بناتها مبكراً بسبب نقص المساعدات الإنسانية وغياب فرص التعليم والموارد المالية. لكن هذه الممارسة هي إحدى استراتيجيات النجاة المقتصرة على فئة من المجتمع اللاجئ. هناك بالطبع حاجة ماسة للحد من ممارسة الزواج المبكر، لكن مجمل الجهود الإعلامية حول هذه الموضوع لن تثمر ما لم يتم التركيز على السياق والترويج لحل المسببات الكامنة لهذه المشكلة.
ثانياً: هناك الكثير من الأسر اللاجئة التي لا تمارس الزواج المبكر والإجباري لبناتها رغم الفاقة والشدة. تهميش قصص هذه الشريحة والتركيز على مشكلة الزواج المبكر والإجباري خارج السياق التاريخي والاقتصادي والاجتماعي لظاهرة الزواج المبكر، يُفقد الجمهور المتابع لمشكلة اللجوء السوري التعاطف مع اللاجئين\ات السوريين\ات.
في مقابلات مع عدة نشطاء سوريين في المجال الإنساني في الأردن ممن يعملون مع النساء اللاجئات، اشتكى النشطاء من هذه الرسائل الإعلامية التي تُهمّش معاناة شريحة كبيرة من النساء والفتيات السوريات، حيث أكد النشطاء أن التركيز فقط على هذه المشاكل وتهميش المشاكل اليومية للشريحة الأعم من اللاجئات السوريات يُعزز الصور النمطية عن الرجال والنساء من سوريا ويُفقد تضامن الكثير من الجهات الإنسانية والأفراد مانحي التبرعات مع الأسر اللاجئة.
هذه الصور النمطية تُشتت انتباه الجهات المتبرعة عن معاناة ونضال الشريحة الأكبر من اللاجئات السوريات ضمن بيئة سياسية ظالمة. رغم النية الطيبة لمعظم الإعلاميين\ات والقائمين\ات على الحملات الإعلامية حول الزواج المبكر والإجباري والرغبة الحقيقية في التغيير الاجتماعي، فإن نتائج هذا النوع من التغطية الإعلامية تُلقي اللوم - دونما قصد- على الأسر السورية بوصفها المسبب الأكبر لمعاناة النساء السوريات وكأن النساء كائنات منعزلة عن البيئة التاريخية والاقتصادية والسياسية المحيطة بهن، بدلاً من أن تساهم هذه التغطية الإعلامية في إلقاء اللوم على الأنظمة السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية الظالمة للقضية السورية. مما يؤدي إلى عزوف بعض الجهات الإنسانية والأفراد مانحي التبرعات عن إرسال تبرعات للأسر اللاجئة.
لتجاوز الواقع الإعلامي السابق يجب على الإعلام التقليدي والاجتماعي أن يُساهم في إخبار القصص المتنوعة للنساء السوريات اللواتي يخضن تجربة النزوح واللجوء.
تُسيطر على التغطية الإعلامية لقضايا النساء السوريات اللاجئات نموذجان: إما المرأة الضحية السلبية لظلم وتخلف أسرتها والمجتمع أو المرأة الناشطة المتعلّمة المنتمية لوسط نخبوي. في الإعلام المرأة الضحية لا صوت لها والمرأة الناشطة المتعلمة النخبوية ذات الصلات مع الأوساط الثقافية ذات صوت عال يُهمش الأصوات المتنوعة الأخرى لباقي النساء.
ليكسر الإعلام هذه الثنائية، عليه أن يركز على إظهار تنوع تجارب النساء اعتماداً على عوامل كالطبقة الاقتصادية، والمستوى التعليمي، والمنطقة، والعمر لهؤلاء النساء. فمثلاً إذا أخذنا تجارب النساء السوريات اللاجئات في الأردن وفقاً للعوامل السابقة فهناك قضايا متعددة وعلى مستويات مختلفة يمكن للإعلام أن يتناولها:
أولاً: على مستوى مخيم الزعتري. هنا تقيم شريحة كبيرة من النساء الأكثر فقراً. معاناة النساء هنا تشمل قضايا مثل الحصول على التدفئة، الحصول على أدوات النظافة الشخصية، الحصول على طعام صحي حيث لا تشمل وجبات الأمم المتحدة أي خضروات أو فواكه أو لحوم، الأمان والحماية من العنف، الحرمان من التعليم والزواج المبكر لبعض الفتيات، ومشاكل نفسية جرّاء ويلات الحرب.
ثانياً: على مستوى القرى والضواحي الفقيرة في الأردن. في هذه المناطق تسكن شريحة فقيرة من النساء السوريات ولكن أكثر يسراً من الشريحة التي بقيت في الزعتري. هذه الشريحة كانت تمتلك قسطاً من المال ساعدها على تدبير الخروج أو الهروب من الزعتري. وتتمثل المعاناة الأساسية لقسم كبير من هذه الشريحة في حقيقة أنها وبسبب هروبها من الزعتري خسرت الأوراق الرسمية وبطاقة التموين الصادرة عن الأمم المتحدة. قضايا أخرى تعاني منها نساء هذه الشريحة تتضمن أمثلة كتأمين عمل، تأمين أجار البيت، الوصول للطبابة، الحصول على المساعدات الإنسانية، العنصرية من بعض المجتمعات المضيفة، الحصول على فرص تدريب وتعليم، غلاء الأسعار، التحرش، والأمراض النفسية كالاكتئاب.
ثالثاً: على مستوى أحياء المدن الراقية. هنا تقطن نساء إما من طبقات اقتصادية ميسورة أو من مستوى تعليمي عال وخبرات مهنية رفيعة المستوى. معاناة النساء هنا تشمل قضايا مثل الحصول على عمل لائق، التحرش، الضغوط النفسية، التأقلم مع المجتمع الجديد، والعنصرية.
رغم أن المستويات الثلاثة السابقة تمثل وضع اللجوء السوري في الأردن فإن ذلك مشابه للوضع في دول اللجوء الأخرى كلبنان وتركيا. كما تم الإيضاح في الأعلى معاناة النساء اللاجئات مختلفة في الكثير من الأحيان بسبب الطبقة الاقتصادية، والمستوى التعليمي، والمنطقة، والعمر. ولكن بنفس الوقت هناك تشابهات وتقاطعات عندما يتعلق الأمر بالرأي السياسي فكثير من اللاجئات من مستويات وطبقات متعددة شاركن بالتظاهرات في سوريا واعتقلن وعذبن. وبشكل عام كلما كانت المرأة من طبقة اقتصادية أقل كلما كانت درجة التعذيب التي تتعرض لها في المعتقل السياسي أكبر لأن النظام السياسي يعلم أن أصوات هذه النساء مهمشة ولا تتوفر لديهن العلاقات للوصول للإعلام التقليدي أو المال للتواصل عبر الإعلام الاجتماعي والانترنت. أيضاً الناشطات في المجال الإنساني لسن فقط ذوات التعليم العالي والحالة الاقتصادية الميسورة، كثير من النساء الفقيرات ينخرطن في العمل الإنساني داخل الزعتري كمثال ويتطوعن في المنظمات الإنسانية لكن نادراً ما نقرأ أو نسمع عن هكذا مساهمات. هذه الأبعاد الطبقية والسياسية قليلاً ما يتناولها الإعلام الذي يستعيض عن هكذا مواد بتغطيات سهلة ترتكز على الصور النمطية.
إن أهمية التركيز الإعلامي على تنوع مساهمة النساء السوريات في الصراع السوري وفي تجربة اللجوء تتمثل أولاُ: في إعطاء صورة دقيقة وعادلة عن مساهمات واحتياجات النساء المختلفة، ثانيا: في المساعدة على زيادة تدفق المساعدات الإنسانية بما يتناسب مع احتياجات اللاجئات المتنوعة، ثالثاً: في حشد الدعم لمشاركة النساء بشكل كبير في عملية المفاوضات وعلى تمثيل النساء سياسياً في أي عملية انتقال سياسي وعدالة انتقالية في سوريا.
وأخيراً إنّ تسليط الإعلام الضوء على معاناة النساء المختلفة من النزاع المسلح يساهم في حشد الرأي العام لدعم عمليات تعويض وجبر ضرر عادلة للنساء تتوافق مع حجم المعاناة التي رافقت كل شريحة منهن.