الثورة تدخل عامها الخامس قريبا، بعد أن دخلت سنة 2015 بلافتات رفعها المتظاهرون السوريون تقول: 2011،2012،2013، 2014 ومازلنا نريد الحرية، وما زال الشعب يريد إسقاط النظام؟!
من هؤلاء الذين لازالوا يصرون على الحلم والحرية في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل: التطرف بالثورة، المعارضة بالسلطة، المسلح بالمدني؟
من هؤلاء الذين لازالوا قادرين وسط هذا الضباب كله على القبض على جمر ثورتهم؟ وماذا يريدون؟ وهل حقا هم متفائلون؟
من هم أولئك الذين يرفعون بوجهنا تفاؤل الإرادة بوجه تشاؤم العقل ودون أن يقرؤوا غرامشي أو يعرفوا عنه شيئا ربما؟
في 24/1/2015 أقدمت ثلة من نشطاء مدينة داريا المحاصرة بكل أشكال الموت على القيام بمظاهرة وسط الأحياء المدمرة والبيوت المهدمة، رفعوا خلالها شعارات تقول: " لست مهزوما ما زلت أقاوم" و "من أراد أن يموت شهيدا فليحيا حياة الشهداء" و "لا تهزأ بجرح لم تذقه"، في رسالة موجهة للعالم تقول: "نعم بعد مرور أربع سنوات على بداية الثورة السورية المباركة وبعد تفشي القتل والحصار والجوع والتدمير, نقولها أو نجدد قولها : إن الشعب يريد إسقاط النظام الذي قتل ودمر كل شيء إلا إرادتنا وعزمنا وصبرنا .! بالنسبة لنا الثورة قائمة ما قامت السموات والأرض".
عن سبب إصرارهم وتمسكهم بجذوة الأمل وهم الساكنون وسط الردى، يقول أحدهم لـ حكاية ما انحكت، بكل بساطة: "نحن نناضل من بداية الثورة وقدمنا الكثير من الشهداء وكل ما نملك من أجل أن نحصل على الحرية والكرامة, فأحببنا من خلال هذه اللافتة أن نؤكد للعالم قبل الأسد أننا ماضون حتى نحصل على حريتنا ونصون كرامتنا"، مذكرين أن انقطاعهم عن التظاهر ليس لأنهم تخلّوا عن ثورتهم السلمية بل لأن عنف النظام كان أكبر، إذ قالوا "ما جعلنا نتوقف عن التظاهر هو القصف العنيف الذي تشهده مدينة داريا على مدار العامين ونيف من قبل كتائب الأسد, ولولا هذا القصف ما توقفنا يوماً عن التظاهر حتى نحقق هدفنا وهو إسقاط نظام الأسد ونيل الحرية والكرامة لكل أطياف الشعب السورية".
التغيّرات التي جرت بين بداية الثورة عام 2011 في المدينة التي طالما عرفت بسلمية ثورتها واليوم تبدو واضحة جدا في الصور، من خلال السلاح المرفوع إلى جانب اللافتة، في مسيرة تختصر وجع الثورة وتحولاتها، إذ يقول الناشط أن "السلاح وجد منذ البداية لحماية مظاهراتنا السلمية وحماية مطالبنا في نيل الحرية والكرامة, ومن افتعل هذه الحرب هو نظام الأسد كي يحوّل مسار الثورة من ثورة شعبية إلى حرب تخرج سوريا هي الخاسر الأكبر".
التحوّل الثاني الذي نشهده في التظاهرات هو بروز الشعارات الدينية من نوع " قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد" و " أيها المجاهدون: أيهما يحزن نبينا: رسومات المستهزئين أو تنازع المجاهدين" و "محمد رسول الله إنا كفيناك المستهزئين" في رد واضح أنه يستهدف الرسوم الكاريكاتيرية الأخيرة، الأمر الذي دفعنا لسؤالهم عما إذا كانوا يدركون أن رفع الشعارات الدينية قد يؤثر سلبا على الثورة خاصة في ظل تقدم داعش والنصرة وتقديمها مثالا سيئا عن الإسلام من جهة، والإضرار بالثورة من جهة أخرى ليقولوا: "إن نسبت جماعة ما أعمالها ومعتقداتها لدين الإسلام فهذا لا يعني بالضرورة أنها تمثل جميع المسلمين، وإنما تمثل نفسها وحسب، فإن كان اسمي محمد أو إسلام أو موسى أو عيسى فلا يعني هذا أني مسلم أو مسيحي أو يهودي فهذه أسماء تدل على أصحابها وليس على الديانة التي يعتنقونها. أما بخصوص التعاطف الدولي فهو لم يقدم لنا شيء خلال الأربع سنوات الفائتة ولهذا لم يعد يهمنا كثيرا..!"، الأمر الذي يعكس شعورهم بالخذلان من مجتمع دولي تناسهم طويلا ثم جاء اليوم ليحاسبهم على شعاراتهم أو وسمهم بالإرهاب مؤكدين أن قدوتهم هو "سيدنا محمد (ص) .. وليست تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) أو أي تنظيم آخر".
اختلفنا أم اتفقنا معهم، فهم المحاصرون وهم القابضون على جمر الثورة، وهم المكتوون بجراحها، وهم القائلون "لا تهزأ بجرح لم تذقه"، وكأنهم يتنبؤون أو يدركون أن ثمة من يختلف معهم فأجابوه قبل أن يسأل، ليؤكدوا له وهذا الأهم أن " الثورة مستمرة ما بقينا أحياء ضد نظام الأسد، وضد أي كيان يريد أن يصادر حرية الشعب السوري".
متظاهرو داريا لا يفعلون إلا استيلاد الأمل من قلب اليأس، مؤكدين أن ثمة ما يستحق الحياة التي يتشبثون بها بكل ما أتوا من حب لها، وما قيامهم بزارعة الأرض التي يقصفها الطيران بكل المواد القاتلة إلا دليل على ذلك، فهم كتبوا بجانب شتلة فليفلة بتاريخ 29/1/2015: "يظنون أن بلدي لم يعد يثمر. هذه الأرض باقية وتثمر بسواعد أهلها. لن يثنينا اليأس أن نزرع ونحصد. ومن اليأس نزرع أملاً لغدٍ مشرق".