مع دخول الثورة السورية عامها الخامس يطغى كثير من التفاؤل الحذر والأمل الممزوج بخيبة ما، إذ على الرغم من الإصرار على استمرار الثورة، ثمة ندبات وجروح في القلب والروح لا تخفى.
ألم على من رحل شهيدا، وحزن على من لا يزال في عتمة معتقل مجنون. والألم الأشد على الكلفة الكبرى التي دفعها ويدفعها السوريون دون أن يحظوا بشيء من أحلامهم، وكأن نضالهم لم يثمر بعد، ولذا هم يواصلون ويواصلون الصعود نحو الله أو الحرية.
ولكن لكي تستمر الثورة حقا، عليها أن تبدأ من مراجعة المسار لمعرفة أسباب تأخر النصر وقدرة النظام على الفتك بجسدها وتشتيتها بين جبهتي الإرهاب والاستبداد، علّه يسود.
بات واضحا للعيان أن العسكرة التي أريد لها إسقاط النظام قد تحولت إلى محض حرب بلا جدوى ولا أفق، ناهيك عن غرقها في صراعات داخلية واستقطابات دولية إقليمية، باتت أكبر من الثورة بحيث طغت على شعاراتها المدنية العلمانية، وصوت الديمقراطيين السوريين الهادفين حقا للوصول إلى بلد ديمقراطي حر محكوم بدولة القانون.
أمام هذا الواقع المر، يبدو أن هناك انسداد ما، فلا الثورة تتقدم ولا النظام يربح، ولا العسكرة حققت شيئا ما ولا المظاهرات قادرة على كسر النظام أو العودة بزخمها الأول، ولا باب السياسة مفتوح لندخل مسار سياسي يفكك أسس الاستبداد، الأمر الذي يجعل من سؤال: ما العمل؟ محوري اليوم.
حقا ما العمل لفتح ثغرة أمل حقيقي وليس كاذب أو حذر؟
ينبغي العمل على ثلاثة مسارات متكاملة، غياب أي منها وعدم تكامله مع الأخر يعني الموت والأثمان المجانية.
الأول يقوم على تخفيف آثار العسكرة تدريجيا لصالح عودة النشاط المدني السلمي، وهنا قد تشكل مبادرة ديمستورا مدخلا حال جرى استثمارها بشكل صحيح، عبر تفعيل النشاط المدني في المناطق التي قد يتم التوافق على وقف الحرب فيها، ليشكل المجتمع المدني من خلال ذلك عامل ضغط على المفاوضين حين تحين ساعة الحسم.
الثاني: إحياء المسار السياسي بحيث يكون ناتج أو محصلة قوى: القوى العسكرية الحقيقية في الثورة والقوى المدنية الفاعلة.
الثالث: إيجاد آلية واضحة لمحاربة التطرف والطائفية، فالفكر الطائفي المتغلغل في النسيج الاجتماعي والذي ازداد تغلغلا في الفترة الأخيرة، ليس نتاج نظام الاستبداد فحسب وإن لعب دور بارز في رعايته وصناعته، لأن الطائفية نتاج مجتمع مأزوم وتراث ديني يحظى بكثير من اللامعقول والعنف، الأمر الذي يجعل من محاربة التطرف مرهونة بالعمل على المجتمع، بما ينزع الورقة من يد داعش والنظام في آن.
ليس للسوريين اليوم ترف العمل على مسار واحد دون الأخر، ولا معنى لأي عمل إن لم تتكامل المسارات الثلاث مع بعضها البعض، لأن العمل على مسار ما مفصول عن الآخر لا يعني سوى تشتيت الجهود المشتتة أساسا.
الثورة مستمرة: نعم.
ولكن تحتاج الكثير من الجهود والعمل والإخلاص والمراجعة والنقد وتصحيح المسار حتى تنتصر، مع الإدراك بأن المسار طويل لأننا لا نواجه سلطة مستبدة واحدة، بل استبدادات إقليمية وحدت نفسها حين سمعت الشعوب تصرخ: حرية.