أمام القحط الذي تعرضت له الحياة السياسية السورية طيلة عقود الاستبداد أراد السوريون أن تكون ثورتهم معبّرا لعودة المجتمع إلى السياسة وبدء عملية تشكيل الأحزاب لاستعادة الإرث السياسي الديمقراطي الذي تمتعت به سوريا خاصة في خمسينات القرن الماضي. إلا أن المسارات التي اتخذتها الثورة جعلت الحلم ينأى يوما بعد يوم، مما دفع مجموعة من الشباب السوري لبدء نقاشات مكثفة في عام 2013 كـ "حاجة من الحاجات في الحياة السياسية السورية المدحورة من قبل كل الأطراف المتصارعة"، لتتمحوّر حول الحياة السياسية للسوريين، وكيفية تفعليها بين من رأى ضرورة تشكيل حزب سياسي جديد، وبين رأى تشكيل مجلس حكماء يقدّم النصح والخبرة، وبين من رأى " أننا بحاجة للمعلومات والمعرفة قبل البدء بهذه الأمور"، ليولد من خضم هذا النقاش مشروع "مرقاب" الهادف لتفعيل الحياة السياسية في سوريا، عبر عدد من الإجراءات والفعاليات.
النقاش السابق، بيّن للمتحاورين أن سوريا اليوم ينقصها كل ما تداولوا بشأنه، الأمر الذي دفعهم لتحديد المشكلة بأنها تكمن "في عدم قدرة السوريين على مأسسة أعمالهم أو حتى تنظيم أنفسهم بما يخدم مصالحهم الوطنية أو مصالحهم كمجموعات" كما يقول أحد مؤسسي "مرقاب" لحكاية ما انحكت.
ولهذا قرّر الفريق أن ينطلق عملهم من جمع معلومات عما أسموه الخارطة السورية والتي تتضمن الأحزاب السياسية الموجودة والمجموعات الفاعلة على الأرض كخطوة أولى، على أن تكون الخطوة الثانية إنتاج معرفة خاصة بسوريا من خلال إعادة هضم وإنتاج ما تقدمه مراكز الأبحاث، لكي يتم التوجه بها نحو أكبر " قطاع ممكن من السوريين (نجمع المواد، نلخصها، نبسطها)"، وهو ما يقوم به عمليا موقعهم الالكتروني.
حينها يرى الفريق أنهم مؤهلون لولوج المرحلة الثالثة المتعلقة بأن يصبح مرقاب بمثابة شيء شبيه بمجلس حكماء مبني على الحرية والمعارف، ليقدم رأيه للمعنيين ولأكبر قطاع ممكن من السوريين بما يجب فعله، عبر تقديم الخبرة والمعرفة في كيفية إنشاء أعمال جماعية منظمة و مؤسساتية على كافة مستوياتها الحكومية وغير الحكومية، السياسية والمدنية الطابع، ليكون الهدف أن "نعلم الناس تنظيم أعمالها لتحقيق مصالحهم المشتركة من خلال عمل مؤسساتي ضمن دولة مؤسسات" كما يقولون لحكاية ما انحكت.
ويأمل الفريق أن يساعد عمله لاحقا في ولادة مؤسسات مدنية تغطي النقص الحكومي وتضغط بفعلها على الأرض؛ ومجموعات ضغط شعبية تضغط على ممثليها في المجالس المنتخبة؛ وأحزاب تنتظم ضمن المجتمع والدولة للدعوة لأن تكون ممثلة ومنفذة لرؤى معينة في إدارة الدولة؛ و تيارات وحركات؛ و مؤسسات تنفيذية تتعامل مع هذه الضغوط ومع توجهاتها حول إدارة الدولة، طامحين لأن يصلوا "خلال ٧ - ١٠ سنوات إلى ما تقوم به بعض كبريات بيوت الخبرة Think tanks العالمية" على أمل أن يساهموا في ملء "الفراغ بين مراكز البحث والدراسات السياسية من جهة والمجالس المنتخبة والمؤسسات التنفيذية السياسية من جهة أخرى".
ولأجل الحفاظ على مصداقية العمل ونوعيته، "فعلينا أن نكون مجموعة لا تهدف لتمثيل انتخابي ولا مركز تنفيذي، ولا أن يكون لدينا دافع الحصول على حصة من الحل لأننا لسنا بطبيعتنا منظمة يمكن أن يكون لها تمثيل سياسي أو حصة تنفيذية". وهذا أمر مهم كي يكون خطابهم قويا ومؤثرا، وهو أمر يحتاج أيضا لأن "نوجه خطابا للناس وليس فقط للعاملين في السياسة، لذا يجب أن نساهم في تبسيط المعلومات وجعلها مهضومة وليس فقط جمعها وإعادة إنتاجها".
يسعى مرقاب للتفاعل مع الناس من خلال "ديوانية مرقاب" التي تعرض نشاطات المنظمة من جهة، وتواصل المنظمة مع الخبراء والناس، لأن أعضاء "ديوانية مرقاب ليس لهم أي التزامات حقيقية تجاه بعضهم البعض سوى الاحترام ومشاركة الرأي ولو مرة واحدة بالسنة على الأقل. طريقة غير مكتملة لاستخدام الكراود سورس".
مرقاب: مؤسسة وطنية تأمل أن تكون مساهمة ورافعة في إنتاج مؤسسات أخرى، مدركة أن البناء يبنى من الأسفل إلى الأعلى، وأن دربها "طويل بطبيعته" وأن مشروعها بطيء، لذا هي تخطو خطوة السلحفاة التي تراكم جهدا إثر جهد، بدلا من أرنب يستعجل أضواء انتصارات وهمية.