"أوقفوا القتل": صوت المدنيين في دوما


27 آب 2015

هو شعار لم ترفعه هذه المرة، عرائس الحرية في ساحة هادئة، بل عرسانها المكتوين بنارها من أطباء ومسعفين وممرضين يعبرون عن لسان المدنيين. رفعوها وسط دمار وموت يلف أرواحهم، ويديهم التي لم تجف عنها دماء أحبتهم في مدينة دوما التي تتعرض لمجازر شتى تبدأ من مجزرة الحصار ولا تنتهي عند مجزرة القصف اليومي الذي يشتد وفقا لرغبة ونزوات الجزار.

"أوقفوا القتل".

بكل ما أثاره هذا الشعار من جدل بين السوريين ولا يزال، يأتي هذه المرة من ساحة ومكان أدماه الألم بحيث يصعب على أحد أن يوجه تهمة "التخوين" نحوهم، لأنهم أهل الشجاعة والكرامة والحرية التي اكتووا بنارها دون أن يقطفوا ثمارها، أليس دربها " مضرجا بالدماء" كما علمنا الشعر؟

ولهذا هم يواصلون شجاعتهم مطالبين "الأطراف المتصارعة ثم الدول الإقليمية والداعمة للدفع نحو الحل السلمي الذي يصون الدم السوري، ويعيد بناء الإنسان السوري ونشر روح المحبة والسلام" كما يقول الطبيب الميداني "عدنان" لحكاية ما انحكت.

ردا على المجزرة التي ارتكبها النظام في دوما وردا على الحرب التي تحولت حربا عبثية يذهب ضحيتها المدنيين من الطرفيين في ظل مراوحة عسكرية تحكمها موازين المستفيدين من استمرار هذه الحرب أكثر مما تحكمها موازين الحرية التي خرج لأجلها السوريون، تنادى مجموعة من الأطباء والمسعفين والممرضين العاملين في المدينة، والتي عجزت أيديهم وقلوبهم رغم كل ما بذلوه وقدموه عن إيقاف الأرواح من الصعود نحو سماء الله، لتنظيم اعتصام وسط المدينة بتاريخ 25 آب 2015، وهم يرتدون ثيابهم الطبية رافعين شعارات: "نريد هدنة إنسانية. نريد إيقاف إطلاق النار من الجميع"، و "أوقفوا نزيف دماء السوريين أيا كانوا"، بهدف "إيقاف قتل السوريين أينما وجدوا، ومهما كانت توجهاتهم في ظل هذه الحرب العبثية والوصول إلى هدنة إنسانية من شأنها لملمة الجراح وفك الحصار والتفاوض السوري السوري والترفع عن مشاعر الحقد والثأر لصالح إعادة بناء الوطن سورية".

صورة من اعتصام الكادر الطبي في مدينة دوما. المصدر: الإنسان في سوريا
صورة من اعتصام الكادر الطبي في مدينة دوما. المصدر: الإنسان في سوريا

 وكأنهم بذلك يواصلون مهمتهم النبيلة بإيقاف الموت ومنعه من الفتك بأرواح أحبائهم بطرق أخرى بعد أن عجزت أياديهم عن إيقافه، لا لضعف منهم بل لأن حجم الموت أكبر من مساحة دوما نفسها، وحجم الضحايا والمصابين أكبر من أن يحتوى بأدوات ومواد طبية بدائية وقليلة وتتوفر بصعوبة بالغة. ولعل بدء الاعتصام بعد انتهائهم مباشرة من  إسعاف الضحايا ليس  إلا دليلا على ذلك، فتحييد المدنيين عن هذا الصراع يستحق أن تتوزع الجهود بين غرف المشفى الميداني وساحات الاعتصام.

حين يعلن الطبيب الذي قرر منذ بدء الثورة أن يضع روحه على كفه ويبقى بجانب الضحايا إيقاف القتل والموت بطريقة الاعتصام، فهذا يعني أن الأمر أصبح أقسى من أن يحتمل، والوضع وصل حدا من الهشاشة بحيث تعجز اللغة نفسها عن إيجاد مرادفات لوصفه، وحين قالت الأمم المتحدة أن سوريا تعاني من أكبر كارثة عالمية اليوم فهي تجانب الصواب دون أن تبلغه أو تعبر عنه بدقة، لأن الواقع أفدح من ذلك، وما اعتصام الأطباء وصرختهم المليئة بالغضب والعتب والبكاء والتحدي أيضا، إلا دليلا على ذلك. بل إن تصميمهم على الاعتصام رغم معرفتهم الأكيدة بأن سهام الحرب ستوجه نحوهم "من كل تجار الدم وأمراء الحرب. بس اكتر من اللي وصلنالو ما رح نوصل، لذلك هي كلمة وهيك منرفع مسؤوليتنا التاريخية ادام الأجيال اللي رح تلعن كل مين دفع باتجاه استمرار هالحرب" كما يقول الطبيب "عدنان" لحكاية ما انحكت.

اعتصامهم هذا لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق لهم وأن نظموا وقفة منذ سنة ونصف، و "لكن ما كان المناخ مناسب وما لاقت قبول بسبب القصف من طرف واحد". ما يعني أن اعتصامهم هذا لم يأت من واقع يأس كما قال بعض المنتقدين، بل هو أمر مؤمنون به ويتابعون عملهم بناءا عليه، إذ يرون أن الواقع اليوم تغير إذ أصبح هناك "توازن جزئي بين الأطراف، ووصلت المعاناة لكل بيت سوري، ولو بنسب متفاوتة. بظن صار وقت تخرج صيحة وحدة من كل السوريين لإيقاف هالمهزلة" داعين السوريين لأن "لا نتفرق عند سورية مهما كان التمن" بعد أن "تفرقنا عند شخص" في البداية، إذ يدعو الطبيب عدنان الجميع للترفع عن الثأر والأحقاد الشخصية لأجل إنقاذ ما تبقى من البلد الذي لم يبق منه "شي على شي" وفق قوله، داعيا الجميع للتوقف قبل أن نصبح جميعا في عالم الأموات نبكي على حياتنا، مراهنا على أن حجم الألم الذي بات يوجع طرفي الصراع كافيا لدفعهم معا نحو التسوية التي تحفظ كرامة الناس.

أنتجت هذه المادة بالتعاون بين "حكاية ما انحكت" و"الإنسان في سوريا" و "سوريالي"

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد