الائتلاف الوطني: تمثيل للسوريين أم تمثيل عليهم؟؟


08 أيلول 2015

غيث الحلاق

(كاتب سوري مقيم في إيطاليا)

خمس سنوات مرت من عمر الثورة السورية، وحتى اليوم لا يزال موضوع تمثيل الشعب السوري من جهة المعارضة موضوعاً عصيّاً على الاتفاق.

بدايةً بالهيئات المحلية ولجان التنسيق ومروراً بالمجلس الوطني وانتهاءً بالائتلاف السوري الوطني، فقد فشلت هذه المؤسسات جميعها في كسب ثقة السوريين حتى اللحظة، التذبذب في المواقف والتقلبات والخلافات الداخلية، جعل أسهم الائتلاف تتراجع كثيراً لدى السوريين سواء في الداخل أو في الخارج، إضافة إلى  تراجع موقف الائتلاف بشكل ملحوظ مؤخراً لدى داعميه بدءاً بمجموعة أصدقاء سوريا وانتهاء بالدول العربية التي كانت السبّاقة إلى الاعتراف به كممثل شرعي للشعب السوري، والتي أعلنت بعضها مؤخراً كالإمارات وتونس أنها ستعيد فتح سفاراتها في دمشق كدلالة على سحب الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري وبداية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد في الوقت الحالي.

إن سحب اعتراف الدول العربية والمجتمع الدولي بشرعية نظام الأسد، والذي اعتبره أقطاب وأركان الائتلاف الوطني "إنجازاً" وقت حدوثه، قد بات اليوم إن صح التعبير حبراً على ورق، وما يظهر اليوم على أرض الواقع هو أن بساط الشرعية وتمثيل السوريين قد بدأ يُسحب من تحت أقدام الائتلاف من قبل السوريين أنفسهم، وفشل الائتلاف في وضع الكثير من الحلول لعثرات ومشاكل كثيرة للسوريين في الداخل أو حتى في بلدان اللجوء، أزاح القناع عن وجه الائتلاف ومن به، وأظهرهم على حقيقتهم المتمثلة في العجز والكلام دون أي فعل على أرض الواقع، ولعل أولى نتائج هذا العجز قد بدأ يظهر فيما يتردد مؤخراً عن إيقاف مجموعة أصدقاء سوريا كافة صلاتها وتعاونها مع الائتلاف ومتابعتها العمل بشكل مستقل.

النظام السوري لم  يبحث يوماً عن تلك الشرعية التي سحبت منه، فوجود داعمين كإيران وروسيا والصين كان كافياً لإغنائه عن أي اعتراف دولي، دون أن نغفل عن أن سحب هذه الشرعية كان صورياً فقط، فالنظام السوري حتى اليوم هو المتحدث باسم السوريين في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الدولية، وله ممثلوه ومندوبوه في كافة تلك المنظمات، في حين أن أكبر إنجاز سياسي استطاع الائتلاف الوطني السوري تحقيقه منذ تشكيله وحتى اليوم، هو القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات والتحدث باسم الشعب السوري في جنيف 2.
الائتلاف حتى اليوم لا يملك برنامجاً سياسياً واضحاً، كل ما قام به مسؤولو الائتلاف حتى اللحظة هو حضور الاجتماعات والمؤتمرات تحت عشرات التسميات، ودون أي بادرة تشير إلى نجاح الائتلاف في قدرته على فرض رأيه وصوته في المحافل الدولية المختلفة التي يحضرها تحت اسم تمثيل الشعب السوري الذي هو أساس تشكيل الائتلاف بكافة مكوناته. مع ذلك، لم يتم الوصول حتى اللحظة إلى بنيان قوي سواء في الائتلاف أو المجلس الوطني أو كافة الهيئات السورية الناطقة باسم السوريين.

الشرعية لا تهم النظام السوري دون أدنى شك بقدر ما تهم الائتلاف الوطني،  وفقدان هذه الشرعية لدى الائتلاف هي بداية النهاية خصوصاً وأن الحكومة الوطنية العاملة تحت لواء الائتلاف الوطني باتت عاجزة اليوم عن تقديم أي شيء للسوريين في الداخل والخارج، وهو ما دفع الفصائل المسلحة تحت راية الجيش الحر والمعارضة في الشمال عن سحب ثقتها من الائتلاف، بل وإصدار قرار بمنع دخول أي من مسؤوليه أو مسؤولي الحكومة المؤقتة إلى الأراضي السورية. فيما نجد كثيراً من وسائل الإعلام اليوم تبدي تراجعاً في الخطاب الإعلامي السياسي وتكسب النظام السوري بكل إجرامه ومجازره صفة الشرعية في أخبارها وتقاريرها، بينما يفشل الائتلاف حتى اللحظة حتى بالظهور بشكل مقنع أمام وسائل الإعلام المعارضة بل وحتى "المحايدة" إن وجدت.

المسألة الأخطر نلمسها اليوم، في ظل مؤشرات عديدة تفيد ببداية التخلي عن رأس النظام السوري وأركان نظامه من أهم الداعمين، إضافة إلى الانجازات العسكرية الملفتة التي تحققها الفصائل المعارضة  على مختلف البقاع السورية، ومع ذلك لا نجد حتى اللحظة برنامجاً سياسياً أو خطة عمل يقوم بطرحها الائتلاف في حال حدوث أي تغيير مستقبلي قريب أو بعيد، سياسي أو عسكري على الساحة، هذا الجهل أو التجاهل إن صح التعبير والاستمرار في النأي بالنفس عما يجري على الأرض والاكتفاء بالخطابات والتصريحات، وأخيرا وليس آخراً مد جسور التواصل مع ما يعرف بتيار بناء الدولة، ومن ثم هيئة التنسيق، اللذان بات ارتباطهما بالنظام السوري واضحاً، سيفقد الائتلاف آخر أوراقه التي لا زال يعوّل عليها وهي الأصوات الداخلية التي لن يتمكن من كسبها ما لم يتحرك بشكل سريع لتأمين الدعم ولغطاء الدولي للعمليات التي تقوم بها الفصائل المعارضة المسلحة على الأرض.
على الائتلاف الوطني السوري أن يوفر الظروف التي تجعله جزءاً حقيقياً أساسياً وفاعلاً في  فترة ما بعد الأسد ونظامه،  وإلا فإن الحل العسكري الذي سيحسم الأمور يوماً ما على الأرض سيكون كافياً للإطاحة بالائتلاف ورموزه من المستقبل السوري، ولا سبيل هنا أمام فصائل المعارضة المسلحة إلا البدء بتشكيل مجلسها الثوري الخاص بشقيه السياسي والعسكري في الداخل السوري، وتهيئته ليكون الممثل الأكفأ للسوريين في أي مرحلة قادمة انتقالية قد تحدث قريباً، فانتظار التحرك الفعلي من الائتلاف الوطني السوري أمر سيطيل تسوية الأمور في المستقبل سياسياً وعسكرياً، إلا في حال تدارك هذا الأخير موقفه وقام بما يجب عليه القيام به بشكل فعلي، بعيداً عن الخطابات الإعلامية الفارغة، وقريباً من طموحات السوريين الذين يتكلم باسمهم.

 الفساد والظلم كانا أول العوامل التي ثار عليها السوريون، ولن يسمح السوريون دون شك بالمتاجرة بكل تضحياتهم من أي جهة كانت، ائتلافاً أو غيره، وإدخال البلاد في حقبة جديدة من الفساد الذي بات واضحاً في صفوف الائتلاف اليوم. لا بد من هيئة سياسية عسكرية مؤهلة لقيادة المرحلة المقبلة، وحين نقول هيئة عسكرية فليس لأننا نريد قوة حكم قمعية دون شك، بل لأن وجود قوة عسكرية وطنية في مرحلة انتقالية أمر هام وتحتاجه البلاد لدرء أي مخاطر وعوائق تقف في وجه وصول البلاد إلى بر الأمان، وفي ذات الوقت تمهد الظروف التي تضمن مستقبلاً سورياً ثار لأجله السوريون وقدموا التضحيات في سبيله. وتكون سبيلاً لسحب بساط الفوضى القادمة ولا شك من تحت أقدام السوريين، وحتى وإن طال وصعب سحب ذلك البساط.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد