مذ ألقى البحر بجثة الطفل "آلان" الكردي على الشواطئ التركية، بدا وكأن حمى التعاطف مع السوريين اللاجئين انطلقت، ألم يكن السوري يموت ويقتل منذ أربع سنوات ونيف؟ ما الذي جرى حتى يستيقظ ضمير العالم اليوم؟ وهل استيقظ حقا؟ أم ثمة "مخطط" يهدف لاقتلاع السوري من أرضه وتشجيعه على اللجوء؟ وهو ما أوحى به الشاعر السوري "أحمد الأحمد" إذ قال: "القوارب المحمَّلة بالسوريين، تغرق بفعل فاعل".
صورة آلان:
لم تكن صورة الطفل الكردي "آلان" الأولى ولن تكون الأخيرة بين الضحايا السوريين الذين لم يتوقف موتهم لحظة أمام مرآة العالم، إلا أنها كانت "الأكثر" حظا (وهل هناك حظ في الموت؟) حين صادفها مصوّر ما في لحظة كانت تتفاعل فيها قضية اللاجئين السوريين عالميا داخل دول الاتحاد الأوربي بين مؤيد ومعارض، ليتوازى الأمر مع قصة عائلة الطفل التي رفضت كندا طلب لم شمل كانت تقدمت بها إحدى قريبات العائلة، لنكون أمام "حدث" توافرت كل شروط شهرته، فنقل الموت السوري من ضفة المنسي إلى ضفة الضوء تحت أشعة إعلام وعالم يحب الضوء، ويشيح بوجهه عمن يموت في العتمة، التي قدم منها "آلان" وعاد إليها، مشيعا إيانا ومذكرا لنا، بأنه طفل عالمي بغض النظر عن جنسيته أو قوميته، إذ كتب الكاتب اللبناني "ربيع بركات": "الطفل السوري الذي نام على الموج٬ إيلان كردي.هذا حنظلتنا اليوم٬ بكل ما يرمز إليه. قبل أن يغفو عن العالم٬ أدار ظهره لنا جميعاً... واحداً واحداً"، في حين كتب الإعلامي السوري "عروة الأحمد": "لا مشكلة لدي أن يكون الطفل فلسطينيا أو من أي جنسية أخرى..ولكن لماذا تزيف الواقع؟ لماذا لا تتقصى عن الحقيقة قبل النشر حتى لو أخر ذلك سبقك الصحفي الملفق؟!"، في رد على بعض الإعلاميين والنشطاء الذين نشروا معلومات خاطئة عن الطفل السوري، بحيث بدا الأمر متقصدا من قبل البعض، وهو ما رأى فيه البعض محاولة للتغطية على كردية الطفل.
لم يتردد السوريون لحظة في التعاطف مع الطفل "آلان"، إذ وجد كل منهم فيه ابنه، وكأن على السوري أن يجرب كل أشكال الموت، أن يكون مشروع ضحية، ومعتقل، وشهيد تحت التعذيب، وغريق.. إذ كتب المعارض السوري "لؤي حسين": "أجفّ أمام صورة الطفل السوري الغريق"، في حين كتبت الروائية "مها حسن": "من منكم نام البارحة دون أن يشعر بجسد أيلان البارد مستلقٍ في البرد، على الشاطئ؟".
إلا أن هذا التعاطف الدولي والتضامن السوري، عكرته بعض الأصوات التي شمتت بالطفل السوري وأهله، خاصة من المؤيدين للنظام، ما دفع الفنان "فارس الحلو" للكتابة: "ما أقبحكم من متطرفين سفلة تنهشون بالطفل السوري الغريق بأنيابكم الدينية والقومية المتكسرة".
من السبب؟
مقتل الطفل كان سببا لاندلاع سجال بين السوريين، مؤيدين ومعارضين، عن السبب الذي يدفع السوريين نحو اللجوء، إذ رأى الموالون أن في الأمر مؤامرة تنفذها القوى الغربية التي تريد إفراغ سوريا من أهلها، وبالتالي فكل من يستجيب للهجرة ويترك وطنه في ظروف صعبة لا يجوز التعاطف ولا التضامن معه، وذلك في تماهي مع قول الأسد أن سوريا ليست لمن يولد فيها فحسب بل لمن يدافع عنها، وهو ما رأت فيه المعارضة تغطية من النظام على التواجد الأجنبي الذي يقاتل إلى جانب النظام من سوريين وإيرانيين، بغية تفريغ البلاد من أهلها المعارضين الذين يضطرون للهجرة خوفا من الموت أو الاعتقال أو بحثا عن أمان بات مفقودا في البلاد السورية.
الخلاف حول سبب هجرة أو تهجير السوريين لم يتوقف عند السوريين فقط، بل هو سجال عالمي، بين من يرى داعش هي الخطر الأهم فينسب تهجير السوريين لها، ومن يرى الاستبداد هو الأخطر فينسب الأمر له، إذ كتب "دارا عبد الله": "في المقهى الآن، امرأتان ألمانيّتان، تتحدّثان عن الطفل السوري، سألت الأولى: "ليش هرب الطفل". أجابت الثانية: "هرباً من داعش". فوراً تدخّلتُ وقاطعت النقاش والحديث، وقلت أنَّ الطفل لم يهرب من داعش، هرب من نظام آل الأسد".
هذا الأمر يشير إلى إشكالية نظرة الغرب لما يحدث في سوريا، ومدى فهمه ما يحصل بعمق، إذ كانت قضية موت الطفل وقرار بعض دول الاتحاد الأوربي بفتح الأبواب أمام اللجوء فاتحة لبدء نقاش معمق حول هذا الأمر، بين من شكر الأوربيين على قرارهم هذا، وبين من رآه متأخرا، وبين من رأى أنه يهدف لأجندة أخرى.
أول الاتهامات التي وجهت للغرب من هذا الباب، أنه يصمت عمدا عما يحصل في سوريا، ولا يحرك ساكنا إزاء المجزرة السورية، إذ إن ما يقوم به تجاه اللاجئين يشبه أن تعطي مريضا بالسرطان حبة مسكن، إذ قال " Amr Al-Faha": "لست بحاجة إلى تعاطف مع بعض الصور، وأنتم من قتلتم السوري بإهمالكم وقلة دعمكم وتعليقاتكم الجارحة وتخوينكم وتجريحكم.لا تشفقوا.. فشفقتكم غير مقرونة لا بفعل ولا بعمل ولا بتعديل قوانين ولا بمساواة ولا بتحريك جيوش ولا بإيقاف حرب".
مخطط ينفذ:
البعض رأى أن تزامن فتح أوربا لأبوابها أمام السوريين مع التدخل الروسي العسكري في سوريا وانطلاق عجلة التسوية، بعيدا عن أخذ أمر النظام السوري المستبد وتصرفات إيران في سوريا أمرا مقصودا لإفراغ سوريا من العرب السنة أو بداية مشروع التقسيم، إذ تعمل إيران أمام أعين العالم على خلق مناطق صافية لها في سوريا بمساعدة حزب الله، ولعل ما تسرب من المفاوضات بينها وبين حركة أحرار الشام حول مدينة الزبداني، إذ طلبت إيران بتفريغ الزبداني من أهلها السنة مقابل السماح بنقل أهالي الفوعة وكفريا الشيعيتين في الشمال يشي بذلك، حيث قال المفكر المعارض "برهان غليون" في مقال له في صحيفة العربي الجديد: "تزداد المخاوف عند قطاعات واسعة من الرأي العام من أن تكون سياسة الانفتاح الأوروبي المفاجئ على اللاجئين وسيلة للتغطية على التراجع السياسي، والانضواء، في النهاية، تحت سقف المقترحات الروسية المؤيدة لبقاء الأسد. وهذا ما أوحت به، أيضاً، التصريحات الأخيرة لبعض وزراء خارجية الدول الأوروبية التي دافعت عن إمكانية، أو حتى ضرورة، الحديث مع الأسد".
ميركل بين السوريين والعرب:
القرار الذي اتخذته المستشارة الألمانية "ميركل" بفتح حدود بلادها أمام السوريين، لقي سجالا واسعا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة قولها: " يوما ما سنخبر أحفادنا كيف هرب العرب عبر مراكب الموت إلينا على الرغم أن مكة وبلاد المسلمين أقرب إليهم!"، إذ فتح الأمر سجالا قارن من خلاله السوريين بين ما تقدمه أوربا للسوريين وما تقدمه الدول العربية، وخاصة الخليجية التي أغلقت أبوابها في وجه السوريين، وترفض تحسين أوضاعهم والسماح لهم بحرية العمل والتجنيس وغيرها من الحقوق، إذ كتبت الفنانة "مي سكاف" ساخرة: "نعم. يا سيدة مركل. نعم إن مكة ودبي ومسقط وعمان أقرب من برلين وكبنهاغن. نعم هؤلاء قبلوا بمساعدتنا وألحوا على أن يساعدونا وحتى الكثير منهم قد زارنا في مخيمات اللجوء، وأكثرهم من الستين عام فما فوق وكثير من الشباب الذين بعثوا ممثلين وممثلات عنهم ليطلبوا منا أن نقبل المساعدة. لكنا رفضنا يا سيدتي فقط لأننا سورين أما عن شروطهم لمساعدتنا ؟؟؟؟؟( أن نعطيهم بناتنا وخواتنا وحتى نسائنا لكي يقضوا معهن ليالي ملاح، ومنهم من أرادهن كجاريات ومنهم من أرادهن كخادمات لكن ممن "ماملكت إيمانكم فلا جناح عليكم").. ولهذا يا سيدتي قد فضلنا البحر والموت غرقاٌ أو الموت بالشاحنات المغلقة، لعلنا نصل إلى بلدكم الذي يعامل البشر كبشر بقض النظر عن عرقه أو دينه ..نشكرك يا سيدتي، ونشكر شعبكم الذي لم يطلب منا كفيل أو تأشيرة دخول أو كرت زيارة أو حجز بفندق 5نجوم أو.."، في إشارة واضحة إلى قرارات بعض الدول العربية لمواجهة تدفق اللاجئين.
ولكن البعض رأى في هذا الكلام نكرانا للجميل بحق بعض الدول ودول الخليج خاصة، إذ كتب المعارض الإعلامي المقرب من الائتلاف الوطني "أحمد كامل" أن :"عدد السوريين المقيمين في دول الخليج العربي كبير، يزيد عن مليون نسمة..تحويلاتهم إلى سورية وأهلهم تبلغ ما يزيد عن 7000 مليون دولار سنوياً. هذه التحويلات كانت مصدراً هاماً للدخل في سورية طوال عشرات السنين، وهي الآن المصدر الوحيد ذو القيمة والمؤكد والثابت للسوريين"، وهو ما رأى فيه البعض محاولة للدفاع عن دول الخليج التي تموّل الائتلاف والفصائل المسلحة في سوريا، الأمر الذي دفع "نبيل شوفان" للرد: "اسمح لي بمخالفتك في وجهة النظر هنا، فهؤلاء السوريين يقدمون للخليج أكثر مما ينالون، والخليج بحاجتهم والعلاقة بين السوري وشركة خليجية يعمل بها هي علاقة طبيعية وفائدة متبادلة، ويمكن القول إنها ندية وغير قابلة للتهديد، فهم ليسوا لاجئين، ومن حق السوريين انتقاد الموقف العربي السيء الذي وصل حدّ الإساءة إليهم ولمواقفهم وتضحياتهم"، وتابع "هشام سليم" قائلا: "لماذا دول الخليج لا تسمح بإمكانية العمل للسوريين وكسب الرزق؟ لأن هذه الدول عدد سكانها قليل ونسبة الأجانب كبيرة إلى درجة تهدد الأمن الوطني لها، ولذلك هناك ضرورة لوضع سقف لعدد المقيمين من كل جنسية، هناك سقف لعدد السوريين (وغير السوريين) لا يمكن تجاوزه"، في حين رد أحمد كامل على منتقديه بالقول: "يمكن طلب زيادة عدد السوريين في دول الخليج، ويمكن طلب زيادة مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، ويمكن طلب زيادة الضغط على أمريكا وروسيا لوقف دعم النظام، ويمكن طلب... لكن سب دول الخليج وشعوبها بعنصرية وحقد ولؤم لن يحقق شيء، وإنما يمكن أن يهدد السوريين الموجودين في دول الخليج"، في حين قال "علي الدرزي": "بستغرب كيف بتتبنى ثورة الحرية وعم تطالب العالم تسكت مشان خاطر الخليج. لو العالم بدها تسكت كانت سكتت لبشار الأسد و فرطت القصة من أولها".
رغم ذلك لم يتوقف النقد وأحيانا كانت التبريرات غير مقنعة، إذ قال أحمد كامل: "لا يوجد في دول الخليج شيء اسمه لاجئ ولا وضع لاجئ. إما مواطن وإما أجنبي عنده عقد عمل. ولأن عدد المواطنين قليل جداً (١٨ ٪ من السكان في الإمارات، و٢٠٪ في قطر فإن المواطن والدولة حذرين جداً وخائفين من الأجانب".
ولكن مقابل النقد المفرط لدول الخليج والدول العربية، كان هناك ثناء مبالغ فيه أيضا للأوربيين وللمستشارة الألمانية "ميركل" إذ كتب الطبيب المعارض "علي ملحم": "مملة هي البوستات التي لا تكف تكيل الثناء على شعوب أوروبا ، بقدر ما هي مملة عروض شعوب أوروبا باستقبال اللاجئين السوريين في بيوتهم. طيب ليش ما بيعطونا فيزا بدل ما يحطوك تحت رحمة المهرب و سياسة التهريب كلّها".
في حين انتقد "دارا العبد الله" الأمر من جانب آخر، إذ قال: "التعامل السوري العام على صفحات الفيسبوك مع مسألة اللاجئين في ألمانيا مخجل جداً، هنالك تأليه للمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، ومحاولة لجعلها بطلة في الإنسانيَّة والعدالة"، مؤكدا أن ألمانيا من أكبر الدول التي تبيع السلاح الذي يستخدم في الحروب التي تتسبب بلاجئين فيأتون إلى أوروبا ليدعموا الاقتصاد ما يعني أننا أمام "دورة اقتصادية تبيع أسلحة في مكان، تشكل لاجئين يأتون ليشكلوا يداً عاملاً لنفس الدورة الاقتصاديّة!.يعني بلد يتكوّن على أنقاض وحطام بلد آخر"، وهو الأمر الذي رد عليه الكاتب "أحمد حسو" إذ قال: "ألمانيا ليست جمعية خيرية؟ بس مع ذلك موقف الحكومة الألمانية من اللجوء واللاجئين السوريين تحديدا موقف مشرف وتشكر عليه رغم أنه جاء متأخراً بعض الشيء. .. ولا أظن أن الشعب الألماني بغالبيته يخطط ويفكر بأن اللاجئين السوريين دورة اقتصادية لبلاده"، في حين رأى آخرون أن الأولوية اليوم هي لإنقاذ ما يمكن من السوريين بعيدا عن أية تفاصيل جانبية.
أوربا والإسلام:
قرار بعض الدول باستقبال اللاجئين السوريين على المستوى السياسي، وقيام بعض مؤسسات المجتمع المدني وبعض الشعوب الأوربية بمظاهرات للضغط على حكوماتهم لاستقبال اللاجئين، وقيامهم بانتظار اللاجئين في المطارات ومحطات القطار، فتح إشكالية العلاقة بين الإسلام والغرب والكفر والإيمان، حيث رأى البعض أن الموقف الأوربي اليوم هو الإيمان بحد ذاته بعيدا عن الأديان، ففي الوقت الذي ترفض دولا إسلامية كثيرة اتخاذ موقف لاحتواء الأزمة الإنسانية في سوريا، فإن الدول التي يتهمها الإسلام السياسي بأنها "دول الكفر" تقوم بذلك، الأمر الذي جعل العديد من السوريين يؤكدون أن الدول والشعوب الأوربية بهذه المواقف تمثل الإسلام أكثر من حركات الإسلام السياسي، إذ كتب الإعلامي "صخر إدريس": "لن أستغرب بعد اليوم ولن أعتب على أي لاجيء يتمسك بأوروبيته وينسلخ عن قوميته العفنة، وعار كل العار على جبين أي تاجر دين يفتي بحرمانية السفر إلى بلاد "الكفر" وهو ينعم باستنشاق النسائم الأوروبية العليلة بين أحضان "العذارى"" بجانب صور لـ "جماهير أوروبية تقدر بأكثر من ٥٠ ألف شخص خرجت اليوم لنصرة اللاجيء في فيينا..أيٌ من هذه الجماهير في قلبه إسلام أكثر من أي تاجر دين ملتح".