تحولات الحراك المدني: مظاهرة للمعارضة واعتصام للموالاة


20 أيلول 2015

حين انطلقت الثورة السورية كان الخصم واضحا، فعبارة "خاين يلي بيقتل شعبو" موجهة للدكتاتور الأسد الابن فقط، دون نسيان الأب الذي خصص له "يلعن روحك يا حافظ"، وظل الأمر على هذا الحال حتى بداية ومنتصف عام 2013 تقريبا، إذ بدأت تظهر الكتائب الإسلامية ومنها جبهة النصرة وتنظيم دولة العراق والشام المصنفتين على لوائح الإرهاب الدولي، إذ حاولت هذه الجهات فرض نموذجها الديني في مناطق معينة، الأمر الذي أدى إلى خروج مظاهرات ضدهما وضد كتائب أخرى، ما عنى أن ثمة تحوّل طرأ على الحراك الذي كان يواجه سلطة واحدة، فبات يواجه أكثر من سلطة، إذ بدأنا نشهد وبشكل متتالي ومتدرج تظاهرات ضد جبهة النصرة وداعش والجبهة الإسلامية.

وإذا كان المعارضون كسروا جدار الصمت ووضعوا أرواحهم على أكفهم مذ صرخوا ضد دكتاتورية الأسد، ما جعلهم أكثر تحسسا لمحاولة مصادرة حريتهم مرة أخرى من قبل من (من المفترض أنهم) ثاروا معهم في رحلة الحرية، فإن وصول الاعتصامات والاحتجاجات إلى مناطق الموالاة، ورفعهم شعارات مستوحاة من وحي مظاهرات المعارضة وإن بسقف منخفض، مثل شعار "الشعب يريد إسقاط المحافظ"، و"الشعب يريد إسقاط الحكومة"، فإن الأمر يضعنا أمام تحوّل جديد في سياق تاريخ الحراك المدني في سوريا، فأن تتعلم الكتلة المؤيدة للنظام التظاهر والاعتصام ورفع اللافتة فهذا انزياح هام في قدرة الثورة على إدخال مفاهيم وأساليب جديدة إلى فئة طالما اعتبرت أن الاعتصام والمظاهرة أمرا محرّما وتأتي بتوجيهات خارجية، وهو ما جعل عدد من المعارضين يشيرون إلى هذا الأمر بعبارات ومفردات تسترجع أيام المظاهرات الأولى وتسخر من مظاهرات الموالين، معتبرة إياها أنها متأخرة جدا ولا تستجيب لطموحات الثورة، في حين اعتبر البعض الأخر أنها مهمة جدا، لأن لكل منطقة حراكها الخاص وآليات تفعيله.

 

مظاهرات معارضة ليست ضد النظام:

كثيرة هي المظاهرات التي قامت بها كتل معارضة للنظام ضد كتائب أو أطراف أخرى غير النظام، وقد كنا في حكاية ما انحكت قد سلطنا الضوء على بعض منها، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت احتجاجات مكثفة وعلى مدى أشهر في بعض المناطق وإن في فترات متقطعة، ففي مدن دوما وسقبا وحمورية وعربين وكفر بطنا ومسرابا في الغوطة الشرقية، تظاهر الأهالي ( منذ أيار 2015 وحتى آب 2015 وبشكل متقطع) ضد سلطة قائد تنظيم الجبهة الإسلامية "زهران علوش"، وضد اقتتال الكتائب وصراعها فيما بينها على الاستحواذ على الأنفاق المحفورة على حساب لقمة الناس، وضد الحواجز والأفرع الأمنية التابعة لهم، والتي دخلت بصراع فيما بينها يذكر الأهالي بأجهزة الأسد، خاصة حين يتم اعتقال الإعلاميين والنشطاء المدنيين وقادة فصائل دون اللجوء للقضاء، وهو ما دفع القاضي العام في الغوطة الشرقية "خالد طفور" يقول في خطبة الجمعة: "لا يصح أن يقال للقضاء لا علاقة لك بالنزاع بين الفصائل بل ينبغي أن يكون القضاء هو سلطة فوق الجميع"، ليخاطب زهران بالقول: "إن  الناس الذين  يخرجون بالمظاهرات ضدك اليوم هم  ذاتهم من رفعوا اسمك في بداية الثورة مطالبين بك وببقية المعتقلين في سجون الأسد، فتواضع لهم ولا تتكبر عليهم .. من المعيب أن تحرك جيوشا لثقب في الأرض (قضية النفق) وأنت تستطيع فتح طريق من فوق الأرض بهذه الجيوش"، ليتبع كلام القاضي بمظاهرات طالبت بإسقاط "زهران علوش" في الغوطة الشرقية، بالتوازي مع إطلاق بعض النشطاء المدنيين اسم "الثورة الجديدة" على ما يحصل، والتي رؤوا فيها محاولة لاستعادة دورهم الذي فقدوه جراء طغيان السلاح، وهو ما أكدته مظاهرات امتدت من الثالث من آب 2015 حتى السابع منه حين تظاهر الآلاف من بلدات سقبا وجسرين وحزة وحمورية وكفر بطنا في مدينة سقبا، رافعين لافتات كتب على بعضها: "من استطاع أن يقف عاري الصدر بوجه بشار الأسد، لن يتردد في الوقوف بوجه كل ظالم من قيادات الثورة عاري الصدر"، و "القادة تملأ بطونها والأطفال جياع"، و "نعم الجوع أرهقنا ولكن الكرامة أولا"، و"القادة تملأ بطونها والأطفال جياع أرفقوا بحالهم"، و "لا تراجع لا استسلام"، و"زهران ما منريدو, السوري يرفع إيدو"، الأمر الذي دفع زهران علوش للرد عبر فيديو أظهره وهو يجتمع مع الأهالي، قال فيه: "إن اتهام جيش الإسلام بأنه ظالم ويجوّع المدنيين ويقمعهم وبأنه لا يفتح جبهات قتالية ما هي إلا أكاذيب تسوقها ماكينات إعلامية، وأن النظام هو المسؤول وحده عن حصار الغوطة وتجويعها..غير متمسكين بالسلطة، لكن على من يخرجون بمظاهرات ضده أن يجدوا بديلاً لضبط الغوطة إن أرادوا إسقاط جيشه"، ليتابع قائلا أن زهران يسقط لوحده ولا ينتظر أن يسقطه أحد، الأمر الذي دفع النشطاء للسخرية من كلامه مباشرة على صفحات الفيسبوك، معتبرين أن كلامه لا يفرق عن كلام الأسد الذي يردد دوما أنه لا يريد إلا ما يريد السوريون في الوقت الذي لا تتوقف براميله عن قصفهم وقتلهم!

https://www.youtube.com/watch?v=cJC0HPDXjH0

في 7/1/2015 خرج أهالي الرستن في مظاهرة شارك بها حوالي 500 شخص مطالبين بتأمين مادة الخبز، ومنددين بكل من يقف خلف رفع مادة الخبز ويتاجر فيها، حيث نقلت "زمان الوصل" عن الناشط "عبد الحميد الأشتر" قوله أن شعار المتظاهرين كان "تعددت الأسباب والموت واحد من قبل النظام ومن قبل تجار الدم"، في حين نقل موقع الرستن الالكتروني أن"أزمة انقطاع الخبز منذ ما يزيد عن الأسبوع دفعت الأهالي للانتفاض والخروج إلى الشوارع ليلاً تحت الأمطار الممزوجة بالثلج، مرددين هتافات منددة بانقطاع الخبز وغلاء ثمنه إن وجد".

وفي 11/1/2015 خرجت مظاهرة في مدينة عامودا تطالب حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري للنساء المعروف باسم الـ YPJ بإعادة الأطفال القاصرين الذين تم اختطافهم من قبل وحدات حماية المرأة وإجبارهم على الالتحاق بها، حيث رفع المتظاهرون صور الطفلة "همرين عيدي" البالغة من العمر 16عام والتي تم اختطافها من المدرسة وإلحاقها بوحدات حماية المرأة كما نقلت كلنا شركاء عن "شقيق الفتاة"، علما أن المدينة سبق وشهدت أكثر من مظاهرة واعتصام ضد ممارسات الحزب نفسه.

بدورهم تمكن أهالي بيت سحم  من دفع جبهة النصرة إلى الخروج من جنوب دمشق بعد تظاهرات كثيرة ضد تجاوزات جبهة النصرة ( اعتداء وإطلاق رصاص وقتل..) امتدت من كانون الثاني 2014 وحتى آذار 2015 في فترات متقطعة، ليتمكنوا في النهاية من إخراج الجبهة من المدينة بسبب تجاوزاتها الكثيرة.

مدينة كفر نبل بدورها لم تتوقف عن التظاهر يوما ضد النظام المستبد حتى تاريخ هذه اللحظة، لتكون من المدن القليلة التي لازالت تتظاهر ضد نظام الاستبداد بشكل مباشر، وإن كانت المدينة تظاهرت في عدة محطات ضد النصرة وبعض تجاوزات المسلحين فإنها بقيت محافظة على خطها العام بتصويب النار على الدكتاتورية دون أن تغفل عينها عن كل دكتاتورية تسعى للحلول محله، حيث يتظاهر أهلها كل أسبوع تقريبا بلافتات تحمل نكهة بات يعرفها كل متابع للثورة الثورية، حيث تتفاعل المظاهرة واللافتة مع الأحداث اليومية لتعلق عليها، إما سخرية مثل السخرية من الائتلاف ومجالس المعارضة أو مواساة كمواساتهم لأهالي السويداء بعد مقتل الشيخ البلعوس، ومن ثم مباركتهم لهم ثورتهم بعد إخراج النظام من المدينة، دون أن تنسى الدكتاتور لحظة واحدة، فكل اسبوع تقريبا ثمة لافتة جديدة تسخر من كل أفعال الدكتاتورية وتتحداها، إذ رفع في مظاهرة 15 أيلول 2015 رسما كاريكاتوريا يبين الأسد وهو يقتل السوريين بالبراميل في حين أن قائد تنظيم "داعش" يتقلهم بالسكين، في دلالة على أن القاتل واحد في نهاية المطاف، وذلك إلى جانب لافتات كتب عليها: " إلى كل هيئات الأمم المتحدة لنا! في سجون لبنان لنا أسرى يعذبون ويقتلون أثر التعذيب وأنينهم يقتل الانسانية فينا".

كاريكاتير مرفوع في مظاهرة في كفرنبل بتاريخ 19/9/2015. المصدر: صفحة الناشط رائد الفارس
كاريكاتير مرفوع في مظاهرة في كفرنبل بتاريخ 19/9/2015. المصدر: صفحة الناشط رائد الفارس

إن تأمل ما سبق يبين لنا الانزياح الحاصل في الحراك الثوري، من مواجهة سلطة واحدة في بداية الحراك إلى مواجهة سلطات متعددة بات الاستبداد الأقل حضورا بينها، ليس لأنه رحل بل لأنه انسحب تاركا المناطق للفصائل التي حاولت ملء الفراغ، فتصرفت بطريقة دكتاتورية لم يتحملها من دفعوا ثمنا غاليا للوصول إلى تلك اللحظة، فكان خيارهم المواجهة من جديد، ولسان حالهم يقول لم نطرد الدكتاتورية الكبرى لنرضخ لدكتاتوريات صغرى، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في تعليقات النشطاء  أو اللافتات المرفوعة، ففي مدينة عامودا التي تظاهر نشطاءها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، رفعت شعارات: "بناء الدول والأمم يحتاج إلى بناء المجتمع والإنسان وليس بتفكيكها" و"نريد التخلص من العبودية، وأنتم تجرونا إلى العبودية"، في حين قال أحد مواطني الرستن الذين تظاهروا لأجل الخبز: "قذائف النظام أو البرد لم تقتلنا بل قتلنا تجار الدماء ممن يحتكرون الطحين ويتاجرون بقوت الناس..هل نترك أطفالنا يموتون جوعاً ونبقى ساكتين، ألم تكن ثورتنا ثورة كرامة وحرية؟"، في حين نقلت صحيفة العربي الجديد عن أحد المتظاهرين ضد سلطة "زهران علوش" في الغوطة الشرقية: "ما نريده هو أن نعيش أحراراً بعد كل هذه التضحيات، ولن نقبل أن نعيش في كنف نظام أسد جديد".

إنها الحرية إذن، القاسم المشترك بين كل المظاهرات، وإن تغيّرت الجهة المستبدة أو الظالمة التي يثور الناس ضدها، ولكن ماذا عن اعتصامات وتظاهرات المناطق الموالية؟

اعتصامات  في المناطق الموالية للنظام:

تعيش المناطق الموالية للنظام منذ شهور عديدة على وقع سيارات الإسعاف التي تحمل جثامين عناصر الجيش السوري والميليشيات المرافقة له، إذ بات هذا المنظر يتكرر يوميا وبشكل تراجيدي في هذه المناطق حتى أصبح سمة من سمات الحياة اليومية. ولكن إذا كان البعض من الأهالي حظي برؤية جثمان ابنه، فإن الكثيرين منهم لم يحظوا حتى بهذا الترف، إذ فقدت جثامين أبنائهم في ميادين القتال دون أن يتمكن النظام من استردادها أو هو لم يسع لاستردادها أصلا وفق ما يقول البعض، الأمر الذي جعل كرة الاحتقان تتراكم، بالتوازي مع تراجع ثقتهم بقدرة النظام على حمايتهم، خاصة مع ترك أبنائهم لملاقاة مصيرهم في المناطق العسكرية المحاصرة، وسط مشاهد مأساوية يتعرض لها الجنود خاصة على يد جبهة النصرة وداعش.

هذا الاحتقان عبر عن نفسه بعدة اعتصامات نفذها أهالي الجنود المحاصرين أمام مبنى المحافظة في كل مدينة، مطالبين النظام بالعمل على فك الحصار عن أبنائهم، ففي تاريخ 10/8/2015 تظاهر الأهالي مطالبين النظام بفك الحصار عن مطار كويرس قبل وقوعه بيد المعارضة، لتخوفهم من أن يلاقي أبناءهم نفس المصير الذي لاقاه جنود النظام في مطار الطبقة العسكري، حيث رفعت لافتات كتب عليها: "نريد جثامين شهدائنا، نريد جرحانا، نريد فك الحصار عن أبطالنا الصامدين في مطار كويرس"، وذلك إلى جانب صور الأسد.

اعتصام أمام مبنى المحافظة في طرطوس، يطالب فيه أهالي الجنود النظام بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري.
اعتصام أمام مبنى المحافظة في طرطوس، يطالب فيه أهالي الجنود النظام بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري.

وفي 31 آب 2015 تظاهر أهالي مدينتي كفريا والفوعة في ريف إدلب أمام مبنى المحافظة في مدينة حلب مطالبين بفك الحصار عن البلدتين اللتين يحاصرهما جيش الفتح، في حين شهدت مدينة اللاذقية أكثر من اعتصام على خلفية قضايا مطلبية مثل المطالبة بالماء والكهرباء، تطوّر بعضها للاحتجاج المباشر ضد الشبيحة حين أقدم أحد أقارب الرئيس على قتل عميد في الجيش السوري، مما دفع الناس للتحرك والمطالبة بإعدامه وهو الأمر الذي لم يتحقق لرفض السلطة تحقيق ذلك لهم.

من جهة ثانية، شهدت مدينة السويداء تطورا ملفتا وسريعا أدى إلى خروجها من قبضة النظام جزئيا، إذ بدأت المدينة تشهد منذ 2014 تقريبا حالات عصيان وتمرد ضد السلطة الاستبدادية على يد ظاهرة عرفت باسم "شيوخ الكرامة" الذين حصروا مطالبهم بتأمين حياة الناس ومتطلباتهم ومنع السلطة من السرقة والفساد وأخذ أبناء مدينة السويداء إلى الخدمة العسكرية خارج المنطقة، إلى أن قرر المواطنون بتاريخ الأول من أيلول عام 2015 الاعتصام والتظاهر أمام مبنى المحافظة تحت شعار "خنقتونا" والعلم الرسمي، للمطالبة بتحسين وضع المدينة الخدماتي، حيث تجاوب الأهالي مع الحملة وجاؤوا للاعتصام الذي قالت عنه الشاعرة أميرة أبو الحسن: "السويداء اليوم، عبرت عن نفسها والأغلبية الصامتة خرجت عن صمتها، ونادت بالحرية بالعدالة، وشاركت أوجاع الشعب السوري بكل سورية رغم محاولة بعض المندسين جعلها طائفيه، ولكن بوعي الشباب ومنظميها استطاعوا أن يبقوها في المسار الصحيح نحنا منحي الشباب والقائمين عليها، ونقول بدأت السويداء تعبر عن وجهها المشرق وتعيد ماضيها العريق والرافض لكل أشكال الاستبداد والقمع والقهر, بوركتم يا أبناء بلادي"، إلى أن انتهى الاعتصام باقتحام الأهالي لمبنى المحافظة، وليتعرض بعدها الشيخ "وحيد البلعوس" للاغتيال بعد أن تعهد بحماية المظاهرات والاعتصام في المدينة، ما جعل الأهالي يوّجهون عناصر الاتهام إلى النظام لتخرج السويداء كلها تقريبا وتطالب بخروج النظام من المدينة بعد هدم تمثال الأسد المعروف باسم "خمسة شاورما أبو سليم"، على إيقاع شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام".

اعتصام المواطنين أمام مبنى المحافظة في السويداء بتاريخ 1 أيلول 2015
اعتصام المواطنين أمام مبنى المحافظة في السويداء بتاريخ 1 أيلول 2015

كانت الاعتصامات والمظاهرات التي أقيمت على خلفية مطلبية وتحت علم النظام حتى تعرضت لانتقادات مكثفة من المعارضة، باعتبار أنها متأخرة أو لا فائدة منها كونها تتم تحت سقف النظام، الأمر الذي دفع الناشط والمعتقل السابق "طارق عبد الحي" للقول: "إن وصف من شارك أو دعى لاعتصام اليوم بالشبيح هو أمر غير مسؤول وغير صحيح ومؤسف، وخاصة عندما يصدر عن أشخاص طالبت وتطالب بالحريات وبالعدالة وتدعي العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام. سوى القتلة والسفلة في السويداء لا يوجد شبيحة هناك مهمشون ومغرر بهم، وهناك فقر وتجهيل مستمر لعقود استغلته السلطة المسؤولة عنه، والثورة ومعارضة النظام وجهت رسائل منفرة لهم وعادت لتسميهم شبيحة. تحية لمن شارك بالاعتصام وتحية لمن نظمه أو دعى عليه"، وهي الأصوات التي اختفت فعلا، بعد حادثة اغتيال البلعوس وخروج السويداء كلها ضد النظام، الأمر الذي يعني أن الاحتجاجات المطلبية تتراكم وتؤدي لتوسيع دائرة الاحتجاج، لأن السلطة لا حل لديها سوى القمع الذي سيدفع هذه الفئات المقتنعة بخطاب النظام لإعادة النظر في تأييدها ولو بعد خمس سنوات ثورة!

بغض النظر عن احتمال تغيّر أراء  الكتل الموالية للنظام وانزياحها عنه أو لا، فإن ما سبق يبين أن ديناميات الحراك السلمي الثوري تغيّرت كثيرا وفقا للسلطة الموجهة لها، فالناس في المناطق المعارضة باتت تتظاهر ليس لأجل الحرية فحسب، بل لأجل الخبز ووقف الانتهاكات والتعدي على الناس، ما يعني أن الحرية تتحول إلى ممارسة يومية عبر تفعيل آليات الاحتجاج واستمرارها، وهو الاحتجاج الذي تمكنت الثورة من دفع الموالين للنظام إلى استخدامه بعد أن كان يعتبر في عرفهم "مؤامرة" مدفوعة الأجر من دول تدفع لكل متظاهر "سندويشة فلافل وخمسمئة ليرة وشفة حشيش"، فهل من يدفع لهم اليوم؟ أم أنهم أدركوا متأخرين كم ظلموا أبناء جلدتهم السوريين؟! وهل سيؤدي هذا إلى تفعيل الحراك وتطويره في تلك المناطق ليصطدم بالسلطة عاجلا أم آجلا كما حصل في السويداء أم أن للساحل ديناميته الخاصة به أيضا؟

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد