تحول النقاش حول هجمات باريس إلى جدل واسع بين السوريين، فالشعب يموت منه حوالي 100 شخص يومياً ببراميل النظام أو قذائف داعش وغيرها من الميليشيات، صدمته هذه الهجمات الانتحارية التي تقع لأول مرة في العاصمة الفرنسية، والتي راح ضحيتها 132 مدنياً، وجُرح أكثر من ثلاثمائة حسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد انتشرت تساؤلات كثيرة عن مستقبل السوريين اللاجئين في أوروبا بعد أن عُثر على جواز سفر سوري قرب إحدى الجثث، إضافة إلى اعتماد موقع "فيس بوك" لتطبيق تغيير البروفايل إلى العلم الفرنسي مرفقاً بالصورة الشخصية، في حين أنه لم يعتمد هذا التطبيق تضامناً مع أكثر من خمسمئة ألف سوري قُتلوا في الحرب الدائرة منذ أربع سنوات، علما أن بعض السوريين ربط السياسة الفرنسية الخارجية بانفجارات باريس، وبعضهم رأى أن هذا الربط غير منطقي.
الكاتب تمام هنيدي، المقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم، قال إن هذه الهجمات سيكون لها تأثير سلبي على مستقبل اللاجئين السوريين، مع تنامي صعود أحزاب اليمين في أوروبا عمومًا، على الرغم من وجود أصوات كثيرة تحاول مساندة اللاجئين، وأضاف لـ(حكاية ما انحكت) أن "المشكلة تكمن في إحساسنا نحن بأننا متهمون حتى يثبت العكس، ذلك أيضًا من المخلفات النفسية للحروب، حيث تتسمُ شخصية اللاجئ والهارب من الموت وقبله من الديكتاتوريات باهتزاز الثقة بالنفس وبأنه دائمًا في دائرة الخطر، فمن حق الأوروبيين الخوف على حيواتهم وبلدانهم واستقرارها، ومن واجبهم التعاطي مع اللاجئين بدون وجهات نظر مسبقة. وفي المقابل من حقنا نحن أن نتوجس خيفةً ومن واجبنا أن ندعّم ثقتنا بأنفسنا، وأن نحاولَ تقديم الصورة المختلفة عن تلك التي يحاول البعض حصرنا في إطارها"، من جانب آخر، رأى الإعلامي المقيم في فرنسا عماد غليون، أن الهجمات ستسبب تراجعاً في دعم الثورة السورية، "لأن المنفذين جاؤوا من سوريا، ولأن داعش قد تبنت العملية، وبالتالي سيقتنص اليمين المتطرف الفرصة لتعزيز مواقعه في الانتخابات وكسب مزيد من المؤيدين لسياساته، وقد بدأ التحول بالفعل في المواقف الغربية والتراجع عن استقبال اللاجئين السوريين وتشديد الإجراءات وإحكام إغلاق الحدود أمامهم"، وعلى هذا الموضوع علق الكاتب السوري محمد المطرود، والذي يقيم في ألمانيا، بقوله إن "النزوح الكبير للسوريين تمَّ تحت وطأة تخاذل العالم ومشاركته في حرب إبادة ضدهم، لم يتحمّل العالم مواثيقه المتعلقة بحقوق الشعوب بل انطلقَ من براغماتية وسخة باعتماده مقولة:" المتقاتلون كلهم أشرار" ولذلك هؤلاء_ أي المضيفون_ إذا قدموا شيئاً فهم ربما يكفّرون عن آثامهم بتقليل المعاناة عن ناجين من حرب هم طرف فيها، لكن هذا لا يعني طمأنينة مستدامة إذا عرفنا أن التجاذبات الداخلية لأوربا ستفعل فعلها، ولا أستبعد بأن هجمات باريس وتفجرات عنصرية في أماكن أخرى ليست إلا استثماراً للمزاج العنصري ضد السوريين أولاً لما ضخمَّه الإعلام من أعداد اللاجئين، ومن ثمَّ وسمَ الجميع بوسم داعش".
أما عن التضامن الكبير مع ضحايا الهجمات مقارنة بالتضامن مع ضحايا سوريا، الأمر الذي عَدَّهُ البعض ازدواجية، فقد رأى تمام هنيدي أنه لا مبرر كافٍ للنفور من التضامن مع الضحايا الفرنسيين، هم في النهاية بشر، وضحايا، أي أنهم في هذه اللحظة يشتركون معنا في السمة. كما أننا لا نعرف موقف الضحايا قبل وفاتهم من قضيّتنا، وبصرف النظر، "علينا أن نميّز جيدًا حين نهاجمُ -محقّينَ- التقصير العالمي تجاه القضية السورية، بين حكومات الدول وبين شعوبها"، وعن هذا الازدواجية يقول محمد المطرود لـ(حكاية ما انحكت) "وضع السوريون العلم الفرنسي بدل صورهم الشخصية كما لو أنهم يدفعون عن أنفسهم تهمة قبل أن يكون ذلك تضامنا مع الضحايا، لكن كان يمكن وضع صور ضحايا الهجمات، ذلك أجدى، والمفترض بالسوريين لما لقوه من موت من قوى عديدة تتصارع على دمه أن يتضامنوا مع الضحايا في أي بقعة على الأرض، فإذا كانت الأشرار تتحالف، فالضحايا وأولياء الضحايا يتحالفون، أوروبا تمتاز بثقافة إنسانية لكن الأوروبيين غير عميقين من طرف رؤيتهم لما يحدث خارج مواطنهم، والإعلام يصوغ تلك النظرة ويؤثر فيها وبالتالي تضامن العالم مع مايحدث في سوريا لا يرتقي إلى مستوى الحدث والخسارات الكبيرة، وتتحكم في مساره تجاذبات مصالح الدول والكبرى تحديداً".
اتهم الكثيرون السياسة الفرنسية الخارجية في سوريا بأنها سبب من أسباب هذه الهجمات، يعلق تمام لـ(حكاية ما انحكت) " السياسة الفرنسية سارت على نفس نهج قريناتها في بقية الدول الكبرى، أي أنها قصّرت وأخطأت كثيرًا في التعاطي مع المسألة السورية. ولكن هذا ليس سببًا للهجمات عليها، فتنظيم "داعش" الذي تبنى العملية مطلقًا عليها اسمًا مضحكًا لولا مأساوية الحدث "غزوة باريس"، هذا التنظيم بات القاصي والداني يعلم أن لا علاقة له بالثورة السورية لا من قريب ولا من بعيد"، ويعكس تمام السبب من السياسة الخارجية إلى الداخلية، فـ" نحن اليوم أمام جريمةٍ بشعة وقذرة ارتكبها مواطنون فرنسيون في حقّ مواطنين فرنسيين، إن أجهزة استخبارات هذه الدول تستطيع وبدون جهدٍ كبير معرفة حجم تغلغل التطرّف في بلدانها، ومع ذلك لم نسمع منذ مدة أن إحداها اتخذت إجراءاتٍ حازمةً تجاه هذا التمدد المرعب للتطرف. على العالم أن يعرف أن السوريين عرضة للإرهاب في دول لجوئهم مثل مواطني هذه الدول تمامًا، وهم في الأساس هاربون من الإرهاب المنظّم الذي مارسه النظام السوري عليهم قبل الثورة بزمان طويل. هم أكثر من يعرف معنى الإرهاب".
السياسة الخارجية الفرنسية، كما يرى عماد غليون، كانت واضحة للغاية ولم تتغير أو تتذبذب، وكان مفترض أن تشفع هذه السياسة بإبعاد الاعتداءات عن فرنسا كونها مؤيدة للثورة ومن المستغرب أن تكون هذه المواقف سبباً في اعتداء تنظيم يدعي محاربة نظام الأسد على فرنسا .. الحقيقة أن أسباب عميقة اجتماعية تاريخية سياسية في الداخل الفرنسي تقف وراء الاعتداءات، وسببت هذه الاعتداءات هزة عنيفة للفرنسيين ونبهتهم لضرورة العمل بكل جدية لعملية اندماج حقيقي تلغي الإقصاء والتهميش لفئات واسعة من المجتمع وخاصة تلك التي تمثل الجيل الثالث من المهاجرين المغاربة"، ومن جانبه يقول محمد المطرود إن السياسة الفرنسية الخارجية قد تكون إحدى الأسباب، لكن ليس من باب أن المهاجمين يملكون ثأراً للسوريين وأنهم انتصروا لهم، فالهجمات لم تذهب إلى ما هو عسكري أو سياسي بل اختصت بمدنيين وأناس هم في المحصلة يطلق عليهم:" ضحايا" خاصةَ إذا عرفنا أن فرنسا بموقفها (الضبابي) ظهرت طيلة 5 سنوات (واضحة) نسبياً بالمقارنة مع الآخرين بانحيازها لحل لا يكون بشار جزءاً منه، وعليه فإن الهجمات لها جذر آخر بالتأكيد، ورؤية جواز سفر سوري " مدّرع" لا يخفي أبداً خلفيات هذه الهجمات ولمن تنتصر، إذا عرفنا أيضا أن فرنسا تعرضت لهجمات قبل سنين بفعل سياستها الداخلية اتجاه الهوامش والعشوائيات، كذلك علاقتها المتأرجحة مع أمريكا، وعلاقتها غير الصحية مع الروس إثر تدخلات الروس العسكرية في أوكرانيا".