يشكل "الدفاع المدني" في ظل الحرب الذي تشهدها سوريا، وفي ظل القصف الممنهج الذي يطال الأحياء السكنية والأسواق الشعبية، حاجة أكثر من ملحة، حيث بات الدفاع المدني عنصراً من عناصر الحياة بالنسبة لمئات الآلاف من السوريين، الذين يرزحون تحت وطأة حرب مستمرة منذ بضعة سنوات، رجال ونساء تطوعوا من أجل عمليات الإنقاذ والإسعاف، والذين عرفوا في الأوساط السورية باسم: الجنود المجهولين.
تشكل "منظومة الإسعاف والطوارئ في ريف حلب الغربي"، واحدة من المنظمات المدنية التي تنشط في ريف حلب الغربي، نشأت بجهود فردية متواضعة أملتها على الناشطين الظروف الصعبة التي يمر بها ريف حلب، وتم إطلاقها بتاريخ نيسان 2013، وتضم مجموعة من الآليات الإسعافية (سيارات ودراجات بمختلف الأحجام)، وبعض المقرات الإسعافية (مشافي ميدانية متواضعة)، تعمل على تأمين المساعدة الصحية اللازمة والضرورية لكافة أفراد المجتمع السوري المقيمين داخل نطاق عملها (المناطق المحررة) من مدنيين وعسكريين على حد سواء، ويتألف فريق العمل من 33 عنصر موزعين بين مسعفين وسائقين وإداريين.
وبحسب "تيسير" أحد الكوادر العاملة في المنظومة: "للمنظومة تواجد في ساحات المعارك سواءً في محافظة حلب وأريافها، أو ادلب، أو ريف حماة، أو ريف حمص، حيث تقوم المنظومة بتجهيز نقاط طبية متقدمة من ساحة المعركة، مهمة هذه النقاط تبريد حالة المصاب ونقله بسيارة إسعاف الى المشافي الميدانية القريبة".
بينما على صعيد مدني فتقدم المنظومة خدماتها للمدنيين مثل نقل المرضى من المنازل إلى المشافي حسب الضرورة، أو نقل المرضى بين المشافي والمحافظات. كما أنها تغطي معظم مناطق ريف حلب الغربي، لسهولة وسرعة الوصول الى أماكن القصف والغارات التي تنفذها الطائرات على المدنيين، مما جعلها منظومة موثوق بها من كافة الأطراف العاملة في المنطقة.
ورغم أن منظومة الإسعاف تنتمي إلى العمل الطبي والإسعافي الذي يكون محيداً من الصراع في أغلب الحروب، إلا أن قوات الأسد وحلفاؤه يستهدفون سيارات الإسعاف والمقرات التابعة لهم، حتى أنه سقط في أوساطهم العديد من الشهداء، وبحسب تيسير: "سقط في منظومة الإسعاف شهيد (مسعف) في معركة تحرير خان العسل، وشهيدين أثناء توجههم لأداء واجبهم في إسعاف المصابين نتيجة القصف، فقام الطيران الحربي باستهدافهم في مدينة الأتارب في تاريخ 14-5-2014، مما أدى لاستشهاد مسعف وسائق من عناصرها، وتدمير سيارتين إسعاف بشكل كامل، كانتا موضوعتين في خدمة المنظومة، مما أدى إلى نقص في الآليات".
ولا يتوقف الأمر عند حدود الإصابات والخطر الذي يهدد حياة العاملين في الدفاع المدني، بل يطال الآليات التي يعملون عليها، وهي بطبيعة الحال آليات تفتقر إلى الصيانة وقطع الغيار التي بات من الصعب إيجادها في سوريا، فيضطر الناشطون إلى شرائها من تركيا بأسعار باهظة.
وبالنسبة "لتيسير" فإن الصعوبات الأكبر التي تواجهها المنظومة هي الصيانة الدورية للسيارات، حيث أن تكاليف الصيانة باهظة الثمن، وعدم توفر القطع اللازمة، فنضطر إلى شراء قطع الصيانة من تركيا، وهذا السبب وضعنا في عجز مالي دائم؛ كما أن السيارات تتعرض للقصف المباشر وغير المباشر، حيث تم تدمير ثلاث سيارات إسعاف بشكل كامل من قبل الطيران الحربي، علما أن ملاك المنظومة من سيارات الإسعاف هو 14 سيارة منها 3 مدمرة بشكل كامل و2 بالصيانة و9 بالخدمة.
تعاني منظومة الدفاع المدني في ريف حلب من نقص شديد بالتمويل والدعم، وهو شيء انعكس على مخزون المنظومة من الأدوية والأدوات الإسعافية، التي تتناقص بشكل دائم، ويصبح عمل هؤلاء الجنود المجهولين شيئاً فشيء أقرب إلى المستحيل، في ظل تصاعد الحرب على المدنيين. بينما خففت المساعدات التي قدمها الاتحاد الطبي الحر، ومديرية الصحة في محافظة حلب، من حدة هذا النقص عبر ما تبرعت به من معدات وأدوية للمنظمة.