آثار الحوار الذي أجرته عدد من وسائل الإعلام مع زعيم جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني" عاصفة من النقد والسجال على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي عكس بطريقة أو بأخرى رؤية السوريين لهذا الفصيل الإرهابي الذي بات جزءا من التركيبة السورية بطريقة أو بأخرى، ما عكس مآزق الثورة والفصائل المعارضة التي قبلت العمل معه، إذ جاء الحوار كاشفا وصادما للبعض، ومؤشرا على وعورة الطريق السوري نحو المستقبل الذي ينشده السوريون.
جاء الحوارعقب انتهاء مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في الرياض، والذي ضم عددا من الفصائل العسكرية التي تقاتل إلى جانب جبهة النصرة، في ظل سعي دولي/إقليمي لتسريع البحث عن حل سوري، ما جعل "جبهة النصرة" تتحسس رقبتها، لأن وضع مقررات المؤتمر على سكة الحل يعني التقدم تدريجيا لبدء الحرب ضد جبهة النصرة، إن لم يكن اليوم فغدا، لأن مؤتمر فيينا ألزم المملكة الأردنية بالعمل على تصنيف الفصائل الإرهابية ليصار إلى بدء الحرب عليها بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، مايعني أن حلفاء اليوم قد يصبحون خصوم الغد، خاصة إذا عرفنا أن حركة أحرار الشام التي شاركت في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية هي شريك أساسي لجبهة النصرة في جيش الفتح الذي ينشط في الشمال، ما دفع "الجولاني" للخروج بهذا الحوار في محاولة منه لقلب الطاولة على الجميع، وكي "يتغدى" بحلفائه وخصومه قبل أن "يتعشوا به"، لأن "الحرب على الإرهاب" ستطاله غدا إن لم يكن اليوم، وهو ما عبر عنه "عماد غليون" حين كتب على الفيسبوك: "حديث الجولاني اليوم يعني أن جبهة النصرة ستوضع على لائحة الإرهاب بدون شك، بالمقابل ربما سيتم استبعاد جيش الاسلام وأحرارالشام والفصائل التي وقعت على نتائج اجتماع الرياض وربما هذا من أهم نتائج الاجتماع".
تصويب على مؤتمر الرياض:
أكدت قراءة السوريين لحوار الجولاني أنه يأتي لنسف مؤتمر الرياض كما أكد هو في حواره، إذ قال الكاتب عبد الله القصير: "توقيت الإعلان عن إنشاء "مجلس سوريا الديمقراطي" تبع هيثم مناع، وتوقيت اللقاء مع الجولاني.. شو الهدف منن غير خوزقة المعارضة اللي بالرياض؟"، ما يعني أن حوار الجولاني جاء للاعتراض على مقررات مؤتمر الرياض بالدرجة الأولى، مؤكدا رفضه للحوار السياسي أو العملية السياسية، حيث قالت المعارضة "ريم تركماني": " نعم، إن النظام هو المسؤول الأول والرئيسي عن القصف والمجازر والحصار وخلق بيئة التطرف التي تغذي النصرة، والفصائل المسلحة في الغوطة مسؤولة عن قتل المدنيين في دمشق وعن المساهمة أيضاً في الحصار، لكن عندما تنجح الجهود المحلية والدولية أخيراً في دفع هذه الأطراف للتفاوض السياسي بدل التفاوض القصفي تأتي جبهة النصرة لتنسف كل شيء دون أن تقدم أي بديل للمدنيين."، وهو الأمر الذي تشترك فيه جبهة النصرة مع بشار الأسد الذي يدرك أن الحوار سيؤدي إلى نهايته إن كان حوارا حقيقيا لهذا يعمل دوما على جعل الحوار يأتي بعد الحرب على الإرهاب التي يريدها أبدية، وهو ما يلتقي فيه مع كلام "الجولاني" الذي يرفض الحل السياسي والحوار السياسي، لإدراكه أيضا أن أي حل سياسي سيؤدي إلى الحرب على تنظيمه الإرهابي كونه جزءا من تنظيم القاعدة المصنف على لوائح الإرهاب العالمي.
هذا التلاقي بين الأسد والجولاني هو ما ركز عليه البعض، إذ قال الكاتب "خالد حاج بكري": " منذ ثلاث سنوات.. كنت أكتب عن الفرع الإرهابي للتنظيم الإرهابي الكبير: جبهة النصرة القذرة! لم يضف أبو محمد الجولاني اليوم إلى مخزن قذارة جبهته الممتلئ عن آخره شيئا! الأسد وحده.. من هو أقذر!"، في حين قال الباحث "رستم محمود": "أهم ما يجمع الجولاني ببشار هو "منطق المحاججة"، وهو أمر مكثف بنقطتين: (1): نفي الحقيقة عبر نفي جزء منها، تقول له "إليس الحل بالتفاوض طالما ليس ثمة حسم"، يجب: ولماذا لم يحل التفاوض المسألة في الشهور الأولى!!".(2) احتكار النطق بلسان الذين لم ينطقوا، أهل الشام يرفضون مثل هذه الجماعات، أهل الشام يؤمنون بالدولة الإسلامية الراشدة، الشعب السوري يطلب منا ... الخ. وفي كتير أشكال مشتركة بينون من نمط المنطق والمحاججة، لأنو جوهر عقلون هو "العقل التسلطي".
أحد الأشياء التي ركز عليها الجولاني في حواره هو نفيه وجود الجيش الحر على الأرض، وهو الأمر الذي يتلاقى فيه مع بشار الأسد الذي يرفض الاعتراف بوجود معارضة معتدلة مسلحة، ما يبرر الحرب المفتوحة على المعارضة لاستمرار بقاء نظام الأسد، وهو ما عبر عنه الصحفي اللبناني "فداء عيتاني" حين قال: "النظام السوري لم يكن يعرف أن في سوريا جيش حر، وبعده حزب الله اعتبر أن كل من يقاتل هم تكفيريون، ثم أتى الإيرانيون ليقولوا أنهم يدافعون ضد عملاء الغرب، وبعدهم الروس قالوا أين هو الجيش الحر. إلى نفس المجموعة انتسب قائد كبير من تنظيم القاعدة، ليقول أيضا وأيضا أن ليس في سوريا جيش حر. ليست المشكلة في عدم رؤية الجيش الحر، المشكلة في أي جانب تقف".
حوار الجولاني أثار قضايا عديدة وجدت صداها لدى السوريين الذين ناقشوها كل من زاويته، حيث أدى رفض الجولاني للهدن إلى ردة فعل لدى البعض، خاصة أن الأمر تزامن مع قصف مكثف للغوطة الشرقية التي تم تعطيل الهدنة فيها من قبل جبهة النصرة، في حين تم إقرار هدنة بين قوات النظام والمعارضة في حي الوعر في مدينة حمص السورية، حيث علقت المعارضة السورية ريم تركماني على الأمر بالقول: "الجولاني يفتخر بأنه "نحن بالطبع نسعى لعرقة الهدنة ولن نقبل بها على الإطلاق ولا يمكن أن تسير هذه الهدنة ونحن متواجدون مثلا بالغوطة الشرقية"، فيما يصيح مدني مرتاع وسط مجزرة الغوطة اليوم "الجولاني السبب: الجولاني عم يدمر البلد, جبهة النصرة تطلع برا".عشرات الشهداء في الغوطة اليوم معظمهم طلاب وكادر مدرسة، وأكثر من ستة شهداء في مدينة دمشق التي أمطرت بالهاون اليوم. الطرفين يستخدما استهداف المدنيين كوسيلة للقسر السياسي، وحتى حين أثمرت جهود كثيفة من المجتمع المدني في الغوطة والجهات الدولية بالدفع نحو البدء بمفاوضات من أجل الوصول إلى هدنة وبعد أن تجاوب جيش الإسلام أخيراً بشكل إيجابي مع مبادرة الهدنة وبدءنا فعلاً نرصد إنخفاض لإستهداف المدنيين في الغوطة تقوم جبهة النصرة بكل فخر بعرقلة الهدنة، لأنها تعرف أن تحقيقها سيكون نهاية لوجودها في الغوطة كونها الفصيل الوحيد فيها الرافض لأي شكل من أشكال العملية السياسية.النصرة تعتاش في الغوطة على حساب هدنة برزة وشقاء أهل الغوطة عبر التجارة عبر النفق الذي يصلها ببرزة، لكن هدنة برزة على ما يبدوا "حلال" ولن تعرقلها".
أداة أم مؤامرة!
حوار الجولاني أعاد السجال حول حقيقة جبهة النصرة من كونها تنظيم مستقل بذاته أم مجرد أداة تعمل لصالح دول تحركها كما تشاء، حيث رأى الكاتب "عمار ديوب" أن "من أوصل الحمار للمأذنة سينزله، الجولاني ومن يشببه سينزلون حالما تنتهي صلاحية من أوصله إلى هناك. وربما الأمر قريباً"، في حين اعتبرت "ريم حجي" أن عهد الجولاني لن ينتهي "إلا حين ينتهي عهد أشباهه من المستثمرين في الثورة ويتلطون خلف أناقة قناص بلباس رسمي وكلمات رنانة"، في حين سخر "فرحان مطر" من الجولاني على طريقته حين اعتبر أن المؤامرة اكتملت اليوم إذ قال: "اليوم تأكدت تماما أن ما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات هو مؤامرة دولية.لم أصدق بشار قبل اليوم في حديثه عن المؤامرة الدولية على سوريا، ولكن بعد أن شاهدت مقابلة أبو محمد الجولاني وسمعت تأكيده أن ما يحدث هو مؤامرة دولية على سوريا، صار لزاما الاعتراف بالمؤامرة الدولية.سيادة الرئيس بشار. سيادة القائد أبو محمد. مؤامرة تخلع رقبتكن سوا ويلعن أبو الساعة اللي ابتلى فيها الشعب السوري بهالموديلات. وبانتظار سيادة الخليفة أبو بكر حتى يكمل تفاصيل الحكي بالمؤامرة".
جبهة النصرة والمثقفين
حديث الجولاني أعاد فتح الجرح السوري مجددا على مصراعيه وأعاد للأذهان تصريحات مثقفين وسياسيين معارضين رحبوا بالتعاون مع جبهة النصرة في سبيل القضاء على النظام المستبد حين تأسيسها عام 2012، قبل أن يتكشف لهم اليوم كم خدمت (ولازالت تخدم) جبهة النصرة النظام، فهي شتتت الثورة ووسمتها بالإرهاب، وساهمت في تراجع الجيش الحر وفتحت الأفق أمام المشروع الإسلامي في سوريا على حساب المشروع المدني الذي يطمح إليه السوريين، الأمر الذي دفع ريم تركماني لتصب جام غضبها على هؤلاء المثقفين، إذ قالت: "يحضرني اليوم السوريين الذين حابوا جبهة النصرة بحجة أنها "تقاتل النظام", بما في ذلك "المثقفين" و"السياسيين" ممن عانقهم ومن اعتبرهم "جزء من الثورة في سوريا" ومن كتب المقالات يفتي بعدم جواز قتالهم, ومن دافع عن إدراجهم في قوائم الإرهاب ....الخ ..وكل هؤلاء قالوا هذا الكلام وهم في منأى عن نيران النصرة فيما يقول هذا السوري المفجوع الحقيقة بدون مواربة وهو تحت رحمة سلطتها. لا أجد كلام يليق بكم".
أهم ما في تصريحات السوريين وسجالاتهم اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه لم يعد أحدا يحتضن جبهة النصرة أو يدافع عنها إلا ما ندر، قياسا بسنوات سابقة كانت تجد من يدافع عنها ويتبنى خطابها، فهل هذا مؤشر على انتفاء الأسباب التي أدت إلى تمكن جبهة النصرة من أن تجد مكانا لها في الداخل السوري؟