كأنهم كانوا ينتظرونه، أو ربما ينتظرون أي شيء ليضحكوا ويسخروا بعد طول إقامة في الموت والمجهول، كأنما يحتاجون أن يضحكوا لا لشيء، إلا ليتأكدوا أنهم مازالوا بشرا قادرين على الضحك والسخرية والحب..
مقطع فيديو تداوله السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي لأحد القادة العسكريين لجيش النظام، فأصبح مادة دسمة للحوار والسخرية، ولكن أيضا لنقد الدكتاتوريات عبر كشف المتشابه فيما بينهما، وكأن الفيديو أكد لهم صوابية ثورتهم بطريقة أو بأخرى، عبر سؤال استنكاري، ربما طرحه كل واحد منهم: هل حقا هذا جيش الوطن؟ وهل حقا ستعود سوريا لتحكم من قبل ذات العقل، ذات الرجال، ذات الإيديولوجية؟! وهو ما عبر عنه "عبد السلام إسماعيل" إذ كتب: "على العالم أن يعرف هالعالم اللي تاركينهم 45 سنة يحكمون العالم في سورية ومن خمس سنين نازلين قتل بالعالم .يلعن أبو العالم!"، في حين قال آخر: "هؤولاء حكموا سوريا ولا يزالون ويُريدون أن يجثموا على أنفاسنا الى أبد الآبدين. هؤولاء هم ضبّاط البعث السوري، هؤولاء هم عصابات الأسد برابرة سوريا. شوفوا الثقافة و شوفوا حجم مأساتنا".
أقدم التلفزيون السوري على نقل حي ومباشر من مطار كويرس العسكري الذي تمكن من السيطرة عليه بعد طول حصار له من قبل قوات المعارضة، في استثمار النصر لشد أزر مؤيديه، حيث أجرى المذيع المعروف لدى مؤيدي النظام بمرافقة الجيش العربي السوري "شادي حلوة" لقاءا مع العقيد "سهيل الحسن" الذي يلقبه المؤيديون بالنمر، فمن هو النمر هذا؟
سهيل الحسن: نمر للمؤيدين ووردي للمعارضة:
ظهر اسم سهيل الحسن كقائد عسكري منذ بداية الأحداث السورية بشكل خجول حيث يتهمه المعارضون بالوقوف وراء إطلاق النار على المتظاهرين، إلا أن اسمه لم يلمع ويبقى متواترا إلا مع بداية تحول سورية إلى ساحة معارك من شمالها إلى جنوبها، حيث شكل "الحسن" قوة خاصة به تنتقل معه من مكان إلى مكان، إذ اعتمدت عليه القيادة السورية في قيادة المعارك المفصلية التي كان يحقق بها نجاحات محددة بسبب اعتماده سياسة الأرض المحروقة، عبر قيام الطائرات والمدافع بالقصف لتتقدم قواته، الأمر الذي دفع المؤيدون لإطلاق صفة "النمر" عليه، بالتوازي مع انتشار أساطير كثيرة عن قوته ورباطة جأش مقاتليه الذين لا يهابون الموت، إلى درجة أن البعض رشحه لرئاسة الجمهورية، كما أن بعض السوريين بات يثق به أكثر من الرئيس والجيش نفسه.
إلا أن محدودية قدرة "النمر" في المعارك، واضطرار قواته لترك الكثير من المناطق التي يستولي عليها بعد توقف الطيران، دفع المعارضة للسخرية منه وإطلاق لقب "النمر الوردي" عليه، خاصة بعض تمكن المعارضة من السيطرة على مدينة إدلب وظهور فيديو للنمر يظهر فيه بين قواته بطريقة ضعيفة، الأمر الذي أطلق موجة من السخرية على "النمر الوردي" عبر وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك، وهو ما استمر حتى اليوم حيث قال أحد المعارضين: "هاد النمل سهيل بضحك أكتر من النمر الوردي".
ظهور النمر اليوم في مطار كويرس وهو يقول كلاما غير مترابط ويمدح "القائد" بطريقة ولغة ثار السوريون بسببها، يوضح أولا العقلية التي لم تزل تحكم من بقي مع الأسد، إذ يبدو وكأن خمس سنوات من القتل والدمار لم تغير بهم شيئا، ويوضح ثانيا جوهر الدكتاتورية إذ تظهر الدكتاتورية عارية بلا رتوش: جاهلة، مجنونة، مصابة بداء العظمة وحب التقديس، والطاعة المطلقة للقائد الممزوجة بالغباء، حيث قال "معتز السيد": "لما يكون للغباء عنوان وعريض بشكل واضح جداً جداً لدرجة انك ما بتقدر تستوعب انو غباء أساساً".
ثمة فاشية ظاهرة وواضحة لا تخفي نفسها هنا: فاشية وغطرسة على الخصوم، وعبودية وتذلل أمام القائد، وهو ما دفع "سامر فهد" للقول: "على هذه الأشكال تحديداً يسيطر الأسد، ويحقق انتصاراته بهم، وهو يعلم تماماً بأن هؤلاء وعلى رأسهم سهيل الحسن، أول من سيقضي عليهم في حال تمردوا عليه لأنهم لا شيء والدليل هو كلام العقيد هنا، كلام سطحي غير مفهوم، متملق ومطبل لقائده، ومعه على الموت، وأي موت".
نظرية العالم!
الكلام الذي أطلقه النمر عن أعداء العالم ردا على سؤال المذيع، جعل المعارضون يسخرون ويطلقون على ما قال اسم "نظرية العالم"، متذكرين بذات السياق كلام الزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي" الذي كان يطلق تصريحات غير مفهومة وبلا معنى، ما دفع أحد السوريين للتعليق: "من قال أن القذافي مات، هاد أفهم واحد بجيش أبو شحاطة"، في حين قال "مصطفى سرحان": "يلي بشكل جملة مفيدة واحدة من كل كلامو للكر رح يربح جائزة قيمة جدآ"، في حين قال آخر:"العالم عدو العالم هو عالم لا يعلم العالم لماذا عالم يعلم المعالم عالما معلوم المعالم"، في حين قال "آخر": "تعلم كيف تضيع العالم في خمس حركات؟"، فيما قال "نادر جلاب": "أعداء العالم راحوا ﻷعداء العالم التانيين فلما ماشافوهم خدوا تكسي ورجعوا".
سخرية بلا حدود
السخرية كانت رد الفعل الأبرز على حديث "النمر" حيث قارب كل سوري سخريته من جانب معين، حيث اختار أحدهم التذكير بما كانت تقوله السلطات عن المعارضين بأنهم يخذون حبوب هلوسة كي يشاركوا بالمظاهرات فقال: "تأثير حبوب الهلوسة على مقاتلي الأسد !"، في حين قال "منار فياض"مطلوب الترجمة: من العربي للعربي ولكم جزيل الشكر والاحسااااااااان"، في دلالة على جهل النمر وعدم قدرة أحد على التقاط جملة مفيدة من كلامه.
للمؤيدين قولهم أيضا:
كلام النمر وظهروه بهذا المظهر أزعج بعض المؤيدين، حيث قال "ازدشير علي" "ليس للفارس دائماً أن يكون شاعراً. العميد سهيل حسن، ابن بيت عانا، لم يعرف عنه يوماً ثراءاً فاحشاً ولم يذع له صيت بالواسايط والمحسوبيات، بل على العكس أثبت جدارة في الميدان غير مرّة وهو رجل محبوب من عساكره، ولكن يا سيدنا، طلّاتك الإعلامية كارثية بكل المقاييس، حكيّات غريبة، وأزياءك أغرب، خود عندك هي مثلاً، والله ليحتفلوا فيها اخوانّا الـ(ثوّار) ... ليسكروا عليها"، ما دفع "عبير حاتم" للرد عليه بالقول: "هاد مو سهيل حسن يا عباقرة..سهيل حسن أنحف وأقصر وأقل ضخامة وأكبر عمراً ووجهه نحيف والأخ بالمقطع فوق معجعج ووجهه مورد.. سهيل حسن غير موجود بالمقطع أعلاه وبكل صوره إله شوارب.. هون ما حدا إله شوارب".
الغرابة التي ظهر فيها الحسن، وهو يريدي منظارا فوق رأسه، دفعت الفنان والمغني "معن الحاصباني" لتخصيص الحلقة الخامسة من برنامجه الذي يبثه على النت تحت اسم "نفس أركيلة ممانع" للسخرية من النمر، وهو الأمر الذي لقي بدروه متابعة وسجالا على وسائل التواصل، خاصة أن معن يمتاز بحس فكاهي ساخر دفعه لأن يضع ملعقة فوق رأسه ردا على ماكان يضعه "النمر" فوق رأسه في الشريط الأساسي.
الجيش أيضا!
ظهور النمر بلباسه العسكري وعدد من القادة والجنود حوله، جعل التصويب على الجيش السوري أيضا قائما، وهو استمرار لسجال قديم حديث بين السوريين، بين من يرى ضرورة المحافظة على المؤسسة العسكرية كونها تبقى مؤسسة وطنية، وبين من يرى أن الصفة الوطنية سقطت عن جيش يقتل شعبه ويأتمر بأمر الطاغية، وهو ما تجلى واضحا بما كتبه البعض، حيث قال "أحمد سويداني": "كنا نفكر بشار بس يلي هو بتفلسف اللعمة طلع الجيش كلو اختصاصو فلسفة بقص ايدي اذا هالنمر فهمان كلمة واحدة من هالكلام يلي قالو"، في حين قال "عدنان قاسم": "لذلك قامت ثورتنا...هل هذا البغل السكير يمثل الجيش العربي السوري..تبا" لهذا الجيش ...أحيانا نجد من يزعل على دمار جيش النظام..انظر هذه العينة وانت تعرف أين وصل جيش البعث...لانريده و نريد دماره..لأن ١٠ رجال صادقين أفضل من هكذا زبالة".
يبدو أن "النمر" من حيث يدري أو لا يدري أقدم على شحذ همم المعارضين، إذ وضح لهم وبما لا يقطع الشك أن هذه الزمرة من "العالم" لا يمكن لها أن تقود جيشا أن تحكم بلدا؟