في المقارنة بين اعتصام حمص الكبير، 18 نيسان 2011، واعتصام حي الزهراء الذي لم يزل مستمراً منذ 28/01/2016، كثير من الدلالات التي تشير إلى ما وصل إليه الوضع السوري، ففي الاعتصام الثاني، تجمَّع أهالي حي الزهراء بعد يومين من التفجير الذي أوقع 22 قتيلاً، بالإضافة إلى مئات الجرحى، مطالبين بإقالة محافظ حمص طلال البرازي، وحلِّ اللجنة الأمنية المسؤولة عن حمايتهم، إذ لا يُعقل أن هذا الحي المليء بالحواجز الأمنية تخترقه سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة!
عام 2015، وقعت عدة انفجارات بالطريقة ذاتها في الزهراء، وكانت ردة فعل الأهالي أن طالبوا بمزيد من الحماية والانتقام من المعارضة المسلحة في حمص القديمة والوعر، أمَّا وقد خرجت المعارضة من كافة أحياء حمص بعد اتفاقية الهدنة، فإنه لم يبقَ للمؤيدين سوى التشكيك في مدى قدرة القوات الأمنية وقوات الدفاع الوطني على حمايتهم، إضافة إلى أنه وإثر كل تفجير لا يقدم نظام الأسد أية محاسبة أو يفتح تحقيقاً ولو شكلياً مداراة للأهالي.
نُصبت الخيام و أشعلت الإطارات وقطع المعتصمون شارع "الستين" في حمص، وكما صرح عامر صالح المقيم داخل حي الزهراء لـ "حكاية ما انحكت"، فإن المعتصمين رفعوا علم النظام، وعاهدوا أنفسهم أن لا يغادروا حتى يتم إسقاط المحافظ طلال البرازي، نتذكر هنا بدايات الثورة في حمص، والتي طالبت بإسقاط المحافظ محمد إياد غزال آنذاك، وكانت ردة فعل النظام أن أقاله بعد أيام، أما هذه المرة، فما زال المحافظ الحالي طلال البرازي على رأس عمله.
في اعتصام حمص الكبير، أطلق أبناء المدينة للمرة الأولى شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وذلك بعد أن قتلت مليشياته سبع عشرة متظاهراً خرجوا في اليوم السابق بحي باب السباع، وكانت طريقة فض هذا الاعتصام بالغة الوحشية، فقد أفادت القرائن والشهادات أن عدد الضحايا بلغ 800 مدنياً، وذلك بعد ثماني ساعات من بدء الاعتصام تمام الساعة الرابعة عصراً، ضامَّاً عشرات الألوف من مختلف طوائف حمص، في حين أن الاعتصام الحالي، والذي ما زال مكتفياً بإسقاط المحافظ، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي أدى إلى التفجير الأخير، مستمر منذ أسبوع حتى تاريخ كتابة هذه المادة 03/02/2015، ولم يقترب الأمن منه إلا عندما حاول المعتصمون الوصول إلى الساحة المطلة على جامعة حمص، والتي تُسمى بـ "ساحة الرئيس". حسبما أضاف عامر، فقد قامت عناصر الأمن والدفاع الوطني بتفريقهم بالعصيِّ دون أن استخدام العنف المفرط.
منذ بدء الثورة، كان الحمامصة يعوِّلون على انتفاض الأحياء المؤيدة، ففيها مآل الإسراع بإسقاط النظام والحفاظ على وحدة الشعب السوري، لم ينجح ذلك الأمل، اليوم، وبعد مئات المجازر، وبعد أن دُمرت الأحياء السنية وهُجر أهلها، نتساءل إن كان مؤيدو النظام من مدينة حمص قد أدركوا كنه نظام الأسد المجرم، كما نتساءل عن إمكانية أن يتوحد أبناء حمص حول هدف واحد على الرغم من الهوَّة التي فرقتهم خلال السنوات الخمس الماضية.
المعتصمون في ساحة المواصلات يحملون صورة الأسد، ولعلهم يحتمون بها من بطش ميليشيات الشبيحة المسيطرة على الحي، ويبالغون بتكرار عبارات عشقهم للقائد، وبأنهم قد قدموا مئات الضحايا من أجل "الوطن"، بإمكاننا أن نستشف من هذه التصريحات رسالة معاكسة، مفادها أن فورة غضب وحقد على النظام بلغت حداً لا مثيل له بين مؤيدي مدينة حمص، لكنهم في الآن نفسه خائفون من مذابح ثأر سيقوم بها الإرهاربيون "السنة" لو تخلى عنهم الأسد، لذلك يحاولون ترميم النظام ما أمكنهم، فهم باتوا يكرهون أكثر رموزه، لكن لا مناص لهم من القبول بالأسد الذي كما يقولون يحمي ثلاثمائة ألف "علوي" في حمص.
لا شك في أن تعدد الجهات الأمنية المسيطرة على الزهراء أدت إلى تورط إحداها بالتفجير، فبعد أن خرجت قوات المعارضة، سيستغني النظام عن عدة جهات، وبالتالي سيخسر عدد كبير من الشبيحة رواتبهم وأعمالهم غير المشروعة بتهريب المواد الغذائية عبر الحواجز، لذلك فإن من صالح هذه الجهات أن يبقى الذعر مسيطراً على الحي، وأن يشعر أبناء الزهراء بالحاجة الدائمة إلى الحماية، غير أن هذا التفجير الأخير لم يكن كسائر التفجيرات السابقة، إذ أن أحداً من المؤيدين في كافة صفحات التواصل الاجتماعي لم يلوَّح بعبارات "التخوين" للمعتصمين، نتذكر هنا التخوينات التي أطلقها المؤيدون على متظاهري اللاذقية العام المضي تنديداً بجرائم سليمان الأسد.
الوضع في حي الزهراء، وكما أفادنا عامر صالح، من سيء إلى أسوأ، فالكهرباء لا تكاد تتوقف عن الانقطاع، بالإضافة إلى الغلاء الفاحش وذعر الناس من التفجيرات المتكررة، وعلى الرغم من إقالة رئيس اللجنة الأمنية، إلا أن المعتصمين لم يتفرقوا، مطالبين الجهات المعنية بمحاسبة المسؤولين عن التفجير، وبإقالة المحافظ.
من المحتمل أن يرتفع سقف مطالب هذا الاعتصام إلى إسقاط النظام، في حال خفَّت القبضة الأمنية على الحَي، ولم يعد أبناء الزهراء يخشون من مذبحة بحقهم من قوات الأمن، ولو ضمنت لهم كتائب المعارضة تسوية تحفظ دماءهم حين يسقط النظام، وهو ما لا يبدو محتملاً على المدى القريب.