رابطة قمع الإعلاميين


06 شباط 2016

صبر درويش

كاتب وصحفي سوري. يكتب في عدد من الصحف العربية. من آخر أعماله تحرير كتاب "سوريا: تجربة المدن المحررة".

بكثير من المرارة والشعور بالإذلال يروي لنا الصحفي السوري عبد المنعم ابن الغوطة الشرقية في العاصمة دمشق كيف "أخلي سبيله بعد أن وقّع على تعهدات بترك العمل مع "وكالة خطوة"، وعدم التعامل معها؛ وكيف وقع على تعهد بعدم نشر مقاطع أو تقارير تسيء بالثورة، أو تحتوي هذه التقارير على شتائم أو كلمات نابية". ولا شيء يدعو إلى الأسى أكثر من مؤسسات ثورية لم يتبق ما يميزها عن خصومها سوى اسم "الثورية" الملحق بها زوراً، حيث تكشف التجربة، وبالملموس أن هذه السلالة من المؤسسات إن هي إلا استمراراً للسلالة الفاسدة لمؤسسات حزب البعث الحاكم.

في الثلاثين من الشهر الفائت، تم إلقاء القبض على الصحفي السوري عبد المعين حمصي، بأمر من "القضاء الموحد" في الغوطة الشرقية، بتهمة قيامه بإجراء استطلاع للرأي قام به هو وبعض المراسلين في الغوطة الشرقية، وبحسب عبد المنعم، كان الاستطلاع تحت عنوان: "من تختار البغدادي أم بشار الاسد"، لترفع فيما بعد رابطة الإعلام في الغوطة الشرقية، دعوة للقضاء الموحد على هذا التقرير على أنه يسيء للثورة السورية، وأنه يحتوي على شتائم وما شابه ذلك.

ونحن لا نعلم بالضبط ما الذي أثار حفيظة "رابطة قمع الإعلاميين" بالضبط، الشتائم التي وردت على لسان أهالي الغوطة المشمولين في الاستطلاع، أم المساواة بين خليفة داعش والأسد، في الاستطلاع المذكور أعلاه!. كما أن المراقب، يصعب عليه التمييز بشكل جيد، بين كون هذه الرابطة، هي رابطة للإعلاميين، أم أنها مكتب للرقابة والتفتيش وضع ليحصي على الإعلاميين أنفاسهم، على ما عودنا عليه نظام الأسد سيء السمعة، في رقابته وتفتيشه حتى لمخيلة السوريين.

أودع الصحفي عبد المعين السجن ووضع في غرفة باردة، حتى تكاد تكون فيها درجة الحرارة بالقرب من التجمد، وبحسب ما قال عبد المعين لحكاية ما انحكت: "السجن الذي كنت بداخله هو عبارة عن غرفة مساحتها قرابة الـ 6 أمتار طولاً، وبعرض 3 أمتار تقريباً، في قبو تحت الأرض، ويوجد  بداخلها سجادة وبعض الأغطية، كانت الغرفة في غاية البرودة، ولا يوجد فيها أي مصدر للتدفئة، ومن الصعب على أي شخص أن يتحمل البرد الذي كان بداخل هذه الغرفة، مع العلم أنه كان يوجد أغطية، لكن هذه الأغطية لا تقي من البرد. وكان يوجد معي سجناء آخرون بتهم السرقة وغيرها من الجنايات".

لم تطل فترة اعتقال عبد المعين سوى بضعة أيام، وأفرج عن الشاب في صبيحة يوم الاثنين في 1-2-2016، ويبدو الأمر من هذا المنظور وكأنه من المبالغة الحديث فيه عن هذا الاعتقال الذي لم يدم سوى فترة قصيرة، خصوصاً إذا ما قورن هذا الاعتقال باعتقالات الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد، بيد أن المسألة بالضبط هي هنا، أي في إمكانية الحديث عن "اعتقال" تعسفي وانتهاك لحقوق الفرد وحريته بالتعبير عن أفكاره، ولكن هذه المرة ليست الانتهاكات على يد نظام الأسد، بل على يد ما يفترض بأنهم خصومه ونقيضه، وهو أمر يدعو إلى الكثير من المرارة والأسى.

يعمل عبد المعين منذ بداية الثورة في مجال الإعلام، والذي صنف العمل به في سوريا على أنه الأخطر في العالم، وكان مجال الإعلام في ظل الثورة السورية، قد قدم المئات من الضحايا، بين شهداء وجرحى ومعتقلين، وكل هذه الجهود وهذه التضحيات، كانت محاولات شجاعة من قبل صحفيين شجعان، آمنوا بثورة شعبهم، وسعوا بكل ما يملكون -وهو قليل القليل- من أجل إيصال صوت المقهورين إلى العالم.

وفي الوقت الذي يمكن أن نتفهم فيه أن يقع ضحايا من الصحفيين على أيدي نظام الأسد، فإن المثير للسخط أن يكون العديد من الصحفيين ضحايا منظمات ومؤسسات وتشكيلات عسكرية، يفترض بها أنها من نتاجات الثورة، وأنها بالأصل تقاتل عدواً لا يشبهها. أما أن تكون هذه المؤسسات وهذه المنظمات هي وجه آخر لمؤسسات القمع التي أنتجها حكم الأسد، فذلك لا يعني سوى أن السوريين اليوم معنيين لا بإسقاط نظام القمع الأسدي وحسب، وإنما أيضاً إسقاط مؤسسات القمع حديثة النشأة والمختبئة تحت عباءة الثورة، وهي منها براء.

وبحسب رؤية عبد المعين للأمر فإن: "العمل الاعلامي أو الصحافي في الغوطة الشرقية إلى الآن لم يأخذ صلاحياته الكافية، وحتى الآن لا يمكن لأي إعلامي أن يكتب بحرية كاملة، إلى الآن لم نرى أو نلمس حرية التعبير عن الرأي، والذي تسبب بهذه المشكلة هو التوجيهات من قبل المؤسسات المدنية والعسكرية".

يسلط اعتقال الصحفي عبد المعين الضوء على جملة الانتهاكات التي يتعرض لها الناشطون في سورية وفي مقدمتهم الإعلاميين، على يدّ ما يفترض بهم أنهم قوى المعارضة، وهو أمر بات من الملح طرحه على العلن، والإشارة بإصبع الاتهام ومن دون مواربة إلى الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد