7 ملايين ونصف المليون لاجئ داخل سوريا، 1,7 مليون لاجئ سوري في تركيا، 300 ألف لاجئ سوري تقريباً في العراق، مليون ونصف لاجئ سوري في الأردن، ومثلهم تقريباً في لبنان، نصف مليون لاجئ مسجل بشكل رسمي في مختلف دول أوروبا ومئات الألوف ينتظرون التسجيل، المجموع تقريباً: 15 مليون لاجئ سوري، حسب نشرات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أي ما يعادل أكثر من نصف سكّان سوريا قبل الثورة السورية، ولا يزال العدد يزداد يومياً.
نظرة سريعة إلى تلك الأرقام تضعنا أمام مسألة الضياع السوري الحالي، والمستقبلي، من دون القدرة على التنبؤ بنهايةٍ لهذا الشتات ضمن أي جدول زمني كان، خصوصاً مع تزايد مؤشرات استمرار الوضع الحالي على ماهو عليه (إن لم يكن ازدياده سوءاً).
تعثُّر الحلول السياسية، استحالة الحسم العسكري، مؤتمرات الدول المانحة، الإجرام الروسي، التعنت الأمريكي، الخذلان الدولي، كل ذلك يجعل من استمرار الوضع الحالي لفترة غير معروفة الأمد أمراً واقعاً على الأرض، ويطرح سؤالاً مفصليّاً لعلّ في إجابته جزءاً كبيراً من الإجابة عن التساؤلات حول شكل الدولة السورية المستقبلية، ألا وهو: «هل سيعود اللاجئون السّوريون يوماً إلى بلدهم؟؟».
في استطلاع سريع لآراء بعض اللاجئين السوريين في دول مختلفة، بدا التفاوت في الرأي واضحاً كما كان متوقعاً، وبدا عامل الخوف السبب الرئيسي الكامن خلف كثيرين من الرافضين لفكرة العودة في المستقبل المنظور إلى البلاد، (علي . ح)، لاجئ سوري مقيم في برلين، ألمانيا، أكد أن فكرة العودة إلى سوريا خارج حساباته بشكل شبه كلي، ووضح الأمر بقوله: « لم أشعر يوماً بأني قد نلت حقوقي في سوريا، ولا أريد أن أعيش هذا الشعور مجدداً، أنا من مدينة غالبية سكانها من الأقليات، ولا أضمن مستقبلاً أن أُعامل كغيري، خصوصاً أن ما نراه اليوم في سوريا قد أصبح أقرب للانقسام الطائفي والصراع المذهبي في كثير من المناطق، وهذا لم يعد خافياً، في ألمانيا حصلت على حياة مستقرة وأكثر أماناً وفي حال حدث أي تغير أو انتقال سياسي للسلطة والحكم في سوريا، فلن أفكر إطلاقاً إن كان الأمر باختياري أن اعود إلى سوريا، مالم تتضح معالم البلاد في المستقبل بشكل واضح».
يختلف الحال عند السوريين في دول اللجوء المجاورة لسوريا عن هؤلاء في الدول الغربية، ولعلّ ذلك يرجع بشكل أو بآخر إلى تفاوت الخدمات الموجهة نحو اللاجئين السوريين ما بين هنا وهناك، اضافة الى فقدان الكثير من أساسيات العيش في دول الجوار بالنسبة للاجئين بشكل لا يمكن أن يقارن )نسبياً ( بما هو عليه في الدول الغربية. ومن جهتها، تؤكد ( رشا . إ) المقيمة في مدينة طرابلس اللبنانية، أن العودة إلى سوريا هو الخيار الاول والأكيد بالنسبة لها مع أول تغير سياسي قد يحصل داخل البلاد، وتضيف رشا: «حتى مع حصول التغير في السلطة في البلاد، استمرار النزاعات أمر متوقع وغير مستبعد، خصوصاً أن السوريين يعانون اليوم من جراح مستمرة وآثار دماء تسيل منذ سنوات، وهذا ما سيفتح الباب أمام نزاعات جديدة وأعمال انتقامية ربما وستسيل المزيد من الدماء، أعلمُ ذلك جيداً، لم يبق لدينا شيء في سوريا، وكل ما نملكه قد دُمّر، لكن إن لم نعد نحن السوريون إلى بلدنا، لمن سنتركها؟ ومن سيعيد بناءها؟ ».
ولمعاناة اللاجئين وظروف حياتهم في دول اللجوء دور رئيسي في تخيل شكل مستقبلهم، فإضافة إلى العوائق الاقتصادية التي يعاني منها غالبية اللاجئين، يبقى الانخراط في المجتمعات الجديدة الحاضنة لهم تحدّياً كبيراً يواجه السوريين، وتحديداً في الغرب، بدءاً من اللغة ووصولاً إلى شكل وطبيعة الحياة اليومية المختلفة كلياً مابين الشرق والغرب، وليست الرغبة فقط بالعودة للوطن الأم هي ما قد يدفع اللاجئ إلى اتخاذ قرار بالعودة ذات يوم إلى بلده، بل ربما تكون صعوبة التأقلم السبب الأهم والأكثر تأثيراً، وتفاوت الرغبة والقابلية والقدرة على الاندماج بالمجتمع الغربي ما بين لاجئ وآخر.
(باربرا شموتزلر )، الناشطة الألمانية في مجال حقوق الإنسان والسّلام، حدثتنا عن تصورها الحالي لمستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا بقولها: « كي نكون واقعيين، فإن الأمل لا يزال موجوداً لدى الكثير من السوريين هنا، وأتكلم عن ألمانيا، لكن في الوقت نفسه، لا نرى إلا القليل من السوريين ممن يعولون على مستقبلهم في سوريا، ويبدو أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين قد باشروا التخطيط للبدء بحياة جديدة وطويلة الأمد في ألمانيا، خصوصاً الشباب منهم، وهنا تبدأ التحديات تطفو أمامهم على السطح تدريجياً، فمن الصعب جداً إن لم نقل من المستحيل منح الرعاية الفردية التي يستحقها كل منهم وبشكل كامل، ولهذا، نجد أن معاناة هؤلاء الذين حصلوا على لجوء في بلدات ومدن صغيرة في ألمانيا هي أقل منها لدى قاطني المدن الكبرى، فأهالي البلدات الصغيرة يسعون دوماً كي يكون الوضع في بلداتهم تحت السيطرة لتجنب الفوضى، لذلك نجد الكثير من المتطوعين لمساعدتهم سواء من حيث تأمين مستلزمات إقامتهم أو في مجال تعليمهم اللغة، وهذا يساعد بنسبة كبيرة في دمجهم بشكل تدريجي وسريع في المجتمع الذي يعيشون فيه، الأمر الذي قلّ أن نجده في المدن الكبرى في ألمانيا ".
وتابعت باربرا: "ربما التهديد الأكبر لمستقبل اللاجئين سيكون بسبب الضغوطات المتزايدة على الحكومة مؤخراً، خصوصاً من اليمين المتطرف المناوئ لاستقبال المهاجرين إلى ألمانيا، والذي تعالت الأصوات الداعمة له في الفترة للاخيرة في مناطق مختلفة من ألمانيا ".
يُذكر أن هناك عدة أحزاب وحركات معارضة لوجود اللاجئين في ألمانيا مثل حزب اليمين المتطرف، وحركة بيغيدا التي تطالب بطرد المسلمين من أوروبا قبل تحول القارة الأوروبية إلى " قارة ذات أغلبية إسلامية " كما يذكر أعضاء الحركة[1].
سياسياً، يتشدق الكثيرون اليوم ممن يعدون أنفسهم صنّاع المستقبل السوري، أو أصدقاء الشعب السوري بعبارات بات تكرارها أشبه بالأمر المضحك والمثير للسخرية تحت الظروف التي نراها اليوم، عبارات من قبيل: إعادة الإعمار، بناء الدولة السورية المستقبلية، سوريا المستقبل، وغيرها من عشرات العبارات التي تعد السوريين بمستقبل واعد ودولة يستحقونها وتستحقها تضحياتهم على مدار خمس سنوات، عانوا خلالها من القتل والتشريد والتجويع والحصار والتصفية والاعتقال.
ربما نسي أصحاب العبارات الرنانة تلك، أو تناسوا، أن أي بلدٍ في مرحلة البناء يحتاج إلى شعبٍ يساهم في بنائه وتطويره، شعب مؤهل فكرياً وذهنياً ونفسياً وبدنياً ليكون الأساس في بناء بلده الذي طالما حلم به، ودولته التي طالما سعى إلى رؤيتها، فماذا قدّم هؤلاء لهذا الشعب؟ وما الذي سيدفع بلاجئ سوري مستقبلاً في بلدٍ هو فيه اليوم نحو العودة إلى بلده من جديد؟ هل سوريا المستقبل ستكون فعلاً سوريا التي تحتضن جميع أبنائها على اختلاف معتقداتهم وأفكارهم وأديانهم وانتمائاتهم؟ وبسؤال شامل، هل سيعود اللاجئ السوري يوماً إلى بلده؟
حتى اليوم، تبقى الإجابة على هذا السؤال أمراً مستعصياً حتى على اللاجئين أنفسهم، فما لقيه السوريون في الأعوام الخمس الماضية كان ولا شكّ كافياً لخلق حالةٍ من التوجس نحو المستقبل والحذر المشروع من أي مجهول قادم، خصوصاً لهؤلاء الذين وجدوا ضالتهم في العثور على مكان آمن يقيمون به وباتوا يخشون العودة إلى ساحات الصراع من جديد.