في عيد المرأة: الجنس والاعتقال: الوحش الأشرس


08 آذار 2016

لا يمكن لعيد المرأة أن يأخذ معناه ومداه إن لم يبدأ بكسر كل أنواع القيود والمحرمات التي تقيد المرأة وتلقي الحرم على قضاياها، بدءا من خطاب الذكورة وليس انتهاءا بالمسكوت عنه، مرورا بما يحصل في الزنازين، وليس انتهاءا بالتحرش الجنسي أو الحديث عن الرغبات الجنسية المكبوتة في عالم غير سوي.

تحية للمرأة السورية، التي ناضلت واعتقلت وكسرت كل أنواع الحجب، فكانت ثورة ضمن الثورة، نفتح ملف تعامل المرأة مع جسدها ورغباتها، سواء للمرأة الطبيعية أو لزوجة المعتقل أو للمعتقلة أو للمغتصبة، في سعي منا لمحاولة قراءة هذا الصوت الخافت الذي لا يحكى عادة ولا يفصح عنه، إما تحت ستار العيب أو تحت ستار الستر أو تحت ستار الخوف من مواجهة مجتمع تقليدي لا يرحم، وذلك من خلال شهادات نساء أردن أن يتكلمن عن تجارب خاصة جدا، حدثت لهن أو سمعن بها أو كن قريبات منها، دون أن يعني أن الشهادات مقتصرة على النساء فهي مفتوحة للرجال أيضا للحديث عن تجاربهم وعلاقتهم مع أجسادهم في المعتقل أو الحصار أو الحرب أو عما رؤوه وشاهدوه.

الشهادة الأولى:

بات لا يخفى على أحد ما يعانيه المعتقل أثناء الاعتقال من سوء معاملة وسط ظروف معيشية وصحية مفجعة في قسوتها، عدا عن التعذيب الجسدي والنفسي، وفي أحيان كثيرة (الجنسي).

ما يندر التطرق إليه غالبا هو الحياة الجنسية للمعتقل أثناء وبعد الاعتقال.

وأتكلم هنا عن فترة الاعتقال ... كيف يعبر عن احتياجاته؟ ما هو حيز المرأة والجسد من تفكيره وإحساسه؟ كيف تتبدل ميوله ورغباته؟ كيف يشبع جنون الجنس الذي يطرق أبواب جسده بعنف لا هوادة فيه؟

إلى الآن لم يأخذ موضوع الجنس ما يستحقه من اهتمام، والجواب معروف باعتبار أن الجنس هو من أهم وأخطر التابوهات في مجتمعنا المحافظ، فما بالكم بخصوصيته في حالة الاعتقال؟

لا أريد الخوض في هذا الحديث وفقا لمعايير علم النفس وعلم الاجتماع، ولا بمقاربة النظريات التي ناقشت مفاصل ومشاكل الجسد.

أريد أن أتحدث من زاوية تجربتي أنا ونظيراتي من زوجات افترقن عن أزواجهن سنوات طويلة بسبب الاعتقال.

لم نعش أنا وزوجي سويا مدة طويلة قبل اعتقاله، كنا قد تزوجنا قبل أن يعتقلوه بأقل من عام. وقعنا في الحب بسرعة وتم زواجنا أيضا بالسرعة نفسها. كنا منسجمين بشكل يليق بعلاقة متكاملة متوازنة، يتساوى فيها العقل والقلب والجسد.

كلانا ينظر بنفس الاتجاه، اهتماماتنا مشتركة الى حد كبير، ونعشق بعضنا البعض بشكل يندر وجوده. ربما كنت الأجرأ منه في حديثي عن الجنس، وهذا بطبعي، فأنا لا أخجل من الإفصاح عن أهوائي وتجاربي الجنسية. كنت أشعر أن زوجي يخجل من الإفصاح تماما (وأقصد بالكلام أكثر من الفعل) عن ميوله الاستثنائية في العلاقة الحميمة.

تم اعتقاله ومضت عشرة شهور من الغياب، إلى أن التقيته أول مرة بعد أن تحوّل إلى سجن مدني وسمحت زيارته. كان الوقت شتاء، وكنت أرتدي الكثير من الثياب، وكنت متلهفة لمجرد رؤيته حيا. لم يخطر الجنس ببالنا قط.

في الزيارة الثانية أخبرني أنه ربما قد يكون تعرض لأذى دائم في عضوه الذكري نتيجة التعذيب، فأخبرته ببداهة أمر مسلم به أنني لا أبالي بذلك. لا أريد هنا التحدث عن معاناتي أنا أو عن تفاصيل حياتي الجنسية الغارقة في الحرمان أثناء غيابه. أريد فقط التحدث عن رجلي.

بعد مرور شهرين على أول زيارة، كنا في بداية الربيع، وقد خففت من ثيابي بحيث بانت رقبتي وجزءا بسيطا من صدري، وكنا في وضع استثنائي حيث لا شبك بيننا، فبإمكاننا لمس بعضنا البعض.

لمس رقبتي وأنزل يده على صدري، فارتجفت وانفجرت بالبكاء، شعرت وكأن جسدي في ثلاجة أو في غربة عنه، شعرت أن رجل حياتي وحبيبي قد انتهك حرمة جسدي بلمسته، ثم تلاشى مني الإحساس بسبب ضيق الوقت.

بعد أن توقفت عن البكاء أعاد الحركة نفسها، وكدت لا أصدق عيني عندما رأيت بنطاله قد تبلل بسبب وصوله إلى ذروة النشوة الجنسية لمجرد لمس رقبتي.

ما حدث أضحكني وأبكاني، حيث عاد بعدها التفكير بالجنس إلى حياتنا بطريقة أصبح فيها المحور الأساسي والحديث الأكثر شيوعا بيننا. أصبحت حياتنا الجنسية تقتصر على الأحاديث المطولة والرسائل التي تروي تفاصيل حميمة وغريبة في معظم الأحيان، وممارسة العادة السرية أثناء اتصالاته الهاتفية القليلة.

تبدل زوجي بشكل كبير وغريب، أصبح يحب العنف في ممارسة الجنس، يثيره ضعفي وسيطرته على كل ما في، يروي لي أنه يستثار أكثر إذا تكلم معي ببذاءة أثناء الممارسة، ويستهويه إجباري على التفوه بألفاظ بذيئة ذات دلالات جنسية غريبة.

يتفنن في كتابة الروايات الجنسية، يفصح بصراحة، بل بوقاحة عن ميوله الغريبة وعلاقاته الجنسية السابقة، وما فيها من تفاصيل غريبة.

مشاعري نفسها أصبحت في حيرة كبيرة، أسعد أحيانا بما تحول إليه لأنه يستهويني غالبا، وأشعر بالحزن والخوف أحيانا أكثر.

أسأل نفسي، هل هذا التحول بفعل الاعتقال أم أنه كان هكذا ولم يتسنى لي اكتشافه بسبب قصر المدة التي أمضيناها معا قبل اعتقاله؟

هل كل ما عاناه من كبت وقهر وحرمان وتعذيب جعله يعبر عنه معي أنا ويعوضه بالانتقام من جسدي؟ هل تعرض شريك حياتي لأي انتهاك جنسي أثناء اعتقاله؟

لم أمض أياما كثيرة في البحث عن أجوبة، فلقد تحدثت بالموضوع مع عدة من صديقاتي وتفاجأت بأن معظمهن قد خاض أزواجهن وتحولوا بعد خروجهم من المعتقل كما حدث تماما مع زوجي.

ربما أطلت وأوضحت كثيرا، لكن فقط لأنني أردت أن أروي تجربتي لأسقطها على حالات ليست قليلة.

أردت أن أحدد أكثر في وصف هذه المعاناة بكل ما تحمله من حرمان وتحول بطريقة التعبير عن الجسد ورغباته.

أردت ان ألقي الضوء على جانب صغير كبير لما يسببه الاعتقال في حياة الفرد وتدريجيا في حياة المجتمع.

 ن .ي

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد