ماذا بعد عودة المظاهرات؟


23 آذار 2016

محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

أما وقد عادت المظاهرات إلى الساحة السورية بعد الهدنة السورية، فإن الأسئلة التي تطرح نفسها، كثيرة، ومنها: كيف يمكن أن تحدث هذه المظاهرات نتيجة فاعلة؟ وهل يمكن لها أن تقدم شيئا ملموسا بعد فشلت تظاهرات العام 2011-2012 في تحقيق ذلك؟ وهل المطلوب منها أن تحقق ذلك أصلا؟ الآن وفورا؟!

يقودنا الأمر في البدء إلى دراسة العلاقة بين الحراك السلمي المدني والأهداف المرفوعة، إذ يشير تاريخ الحراك المدني السلمي عالميا والتجربة السورية محليا والمراجعات التي أجريت لهذا الحراك (انظر البحث الذي أعدته مؤسسة دولتي)، أن الحراك نادرا ما يحقق أهدافه المرفوعة على نحو سريع ومباشر، إذ يكفي أن يقدم على فتح العين على الظاهرة وتعريتها وكشفها ليصار إلى تحويلها إلى قضية رأي عام يلتف حولها تدريجيا في الوقت الذي تعمل آليات الحراك اليومية والشهرية المستمرة على تفعيل الآليات المؤدية إلى تحقيق هذا الهدف على المدى البعيد، فالتجربة والمراجعة والاستفادة من الأخطاء هي ما يشكل التراكم الضروري الذي يؤدي مع الزمن إلى أن يحقق الحراك هدفه، ما يعني أن ربط الحراك بزمن محدد هو أول المقاربات الخاطئة، إذ يجب أن يستمد الحراك أمله الدائم وفعله من قدرته الدائمة على العمل حتى لو لم يحقق أهدافه.

النقطة الثانية التي يجب على الحراك أن ينتبه لها هي العمل على حماية نفسه من الساعين على من الركوب على ظهره، سواء كانت قوى سياسية أو ظلامية، إذ تقول المراجعة لتجربة الحراك السلمي السوري أن السياسة والمال السياسي والأجندة الخارجية لعبت دورا بارزا في إضعاف الحراك، وشكل في بعض المراحل مدخلا للقوى المتطرفة إليه، خاصة أن بعض القوى السياسية التي تبنى بعض الحراك رؤيتها أيدت النصرة في وقت مبكر، واعتبرتها جزءا من الثورة ما دفع بعض النشطاء إلى التعامل معها غير مدركين للأجندة التي تحملها، وهي ضد الحراك والثورة، الأمر الذي يتوجب الانتباه له اليوم، خاصة بعد حديث "أبو مارية" من جبهة النصرة من أن المظاهرات هي التي مكنتهم من حمل السلاح، فهو محاولة جديدة من قبل "النصرة" للتمسكن كي تتكمن مجددا بعد أن بينت المظاهرات الأخيرة ضدها انكشافها وانفضاض الحاضنة الشعبية عنها، حتى لو كان عناصرها من أبناء البلد، وهو ما يضع الحراك في موقع المسؤولية  لا عن بلورة رؤية ضد هذه القوى ولفظها فحسب، بل حماية الحراك من محاولات السياسيين والأصوليين من الاستغلال مجددا، مع الأخذ بعين الاعتبار موقع الإرهاب ضمن المنظومة العالمية اليوم، فالعالم الذي يدخل في مواجهة مع الإرهاب لن يقف حتما مع أي حراك له علاقات مع تنظيمات متطرفة، لأنه سيظهر بمظهر ضبابي على أقل رؤية، الأمر الذي يستوجب أخذ مسألة التضامن العالمي الذي يجب أن يعمل اليوم على استعادته وفق أدوات جديدة بعين الاعتبار.

الأمر الثالث يتمثل بالعلاقة بين الحاضنة الشعبية والحراك، إذ على النشطاء أن يدركوا أن هذه الحواضن (وهم جزء منها بطبيعة الحال) التي بينت أنها لم تزل داعمة للثورة وخطها التحرري متعبة ومنهكة اليوم، الأمر الذي يستوجب بلورة رؤية لحراك سلمي يأخذ بعين الاعتبار مدى قدرة الحاضنة على الاحتمال، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يتعب تلك الحاضنة ويدخل الحراك في مواجهة معها.

الأمر الرابع الذي يجب الانتباه له هو ضرورة بلورة خطاب أوسع من مجرد التركيز على إسقاط النظام، فرغم أن الأخير مدخلا لأي تغير إلا أنه غير كاف، فحجم القوى والسياسات والرؤى التي تعمل اليوم ضد هذا الحراك بات واسعا وكبيرا اليوم، الأمر الذي يستوجب أن يكون للحراك رؤيته ضمن منظومة حقوق الإنسان في التعامل مع مؤسسات الدولة والإشكاليات التي يفرزها الواقع السوري اليوم، بدءا من مسألة الفيدرالية وليس انتهاءا بمسألة أفراد القوى الأمنية والكتائب العسكرية والبيئات الموالية للنظام، بما يعالج مسألة المصالحة على أساس وطني بعيدا عن الانتقام التشفي.

المظاهرات عادت، وعلى ناشطيها أن يدركوا أن قوتها تكمن في استمراريتها والمطالبة الدائمة بأهدافها وحقوقها، بما يبقي القضية بندا دائما على أجندة الساحة السورية لمنع الساعين على الالتفاف على حقوق الشعب السوري من تحقيق أهدافهم، وهؤلاء باتوا كثرا، منهم من قدّم نفسه في بداية الثورة أنه جزءا منها.

;

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد