هذه المرة، لم يكن الضحايا من السوريين، بل من أرزاقهم، فقد التهم حريق ضخم قسماً كبيراً من محلات سوق العصرونية في دمشق القديمة، ما أدى إلى أضرار تُقدر بمليارات الليرات السورية، في صباح 23/04/2016، فما سبب هذا الحريق؟، ولماذا لم يؤذِ أحداً من الناس؟، وهل كان بفعل فاعل أم انه حادث غير مقصود؟.
(حكاية ما انحكت) تواصل مع الناشط أبو وائل الشامي المقيم في دمشق، والذي روى تفاصيل الحادثة عن أحد شهود العيان بقوله إنه بعد خروجه من صلاة الصبح في اليوم المذكور من إحدى مساجد العصرونية، لاحظ المصلون "وجود حوالي عشرة رجال يرتدون ملابس عمال نظافة، لم يكونوا أولئك الذين يرونهم يومياً في السوق، كما أنهم جاؤوا قبل الدوام المعتاد بساعتين، كانت أوجه العمال شبيهة بوجوه المخابرات، أحدهم ذو لحية طويلة وشعر محلوق، وهو مشهور بوقوفه دائماً أمام باب مقام السيدة رقيَّة بدمشق، كان العمال، المخابرات، ينظرون إلى المصلين ويتابعون حركاتهم"، يضيف شاهد العيان: شعرتُ بالخوف فدخلت منزلي، ظننتهم يبحثون عن أحد المطلوبين، وبعد ساعة شممت رائحة غريبة، أطللت من الشباك فشاهدتهم يحرقون حاويات القمامة، شيئاً فشيئاً كبُر الحريق، فقد وضعوا المحروقات أمام محل أحد التجار واسمه "توفيق"، ثم أضرموا النار فيه، بدأ الناس يحسون بالنار ويصرخون من شرفات المنازل المجاورة، عندها حضرت قوة أمنية مسلحة إلى السوق ومنعوا الناس من الخروج من منازلهم، امتد الحريق وشمل أغلب المحلات التجارية، كان الأمن قد منع سيارات الإطفاء من دخول السوق في البداية، ثم سمح لهم، كما سمح للناس بالخروج، عندها رأى شاهد العيان أحد الذين كانوا يرتدون ثياب عمال النظافة وهم يتحدثون بواسطة اللاسلكي، ويحمل مسدساً.
بسبب توقيت الحريق في ساعة مبكرة من الصباح، لعدم تواجد أي من المدنيين في السوق، انحصرت الخسائر في المواد التجارية، وحسبما أكد أحد تجار دمشق القديمة لـ (حكاية ما انحكت) فإن "الحريق استمر لسبع ساعات متواصلة، والتهم سبعين محلاً تجاريَّاً بشكل كامل، ومئة محل بشكل جزئي، هذه المحلات تبيع الإكسسوارات وألعاب الأطفال ومعدات للحلاقين وأدوات طبخ وغسيل ومكياج وغيرها، لكنها لا تبيع إلا بالجملة، ما ضاعف حجم الخسائر بسبب الكميات الكبيرة من المواد المخزنة التي أتلفها الحادث".
https://www.youtube.com/watch?v=eOMQEGhQ2ro
لكن ماذا يريد النظام من حرق هذا السوق التاريخي الذي يُشكل معلماً من معالم دمشق؟، ويقع وسط أماكن أثرية تشهد إقبالاً كبيراً من دارسي الآثار والسياح، إذ يحده من الجنوب سوق الحميدية، ومن الغرب قلعة دمشق، ومن الشرق الجامع الأموي والمكتبة الظاهرية، يضيف التاجر لحكاية ما انحكت: "حدثت عروض كثيرة في الأشهر الأخيرة من قبل ضباط في المخابرات، كانوا يجيئون إلى أصحاب هذه المحلات ويعرضون عليهم مبالغ ضخمة مقابل بيعها لهم، لكن أحداً من التجار لم يبِع، لذلك عمد النظام إلى حرق السوق كي يرسل إنذاراً إلى ملاكه بضرورة الرحيل عنه"، هذه الرواية يؤيدها ما حدث قبل أشهر، عندما أحرِق سوق الهال الواقع في حي الزبلطاني، في 07/02/2016، ما أدى إلى تلف ستة محلات تحوي مواداً غذائية، ووقع في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، بطريقة مشابهة لحريق العصرونية.
يُذكر أن سوق العصرونية يحاذي الجدار الشرقي لقلعة دمشق، وهو يحوي أبنية واطئة، أعلاها يبلغ طابقين، وقد أسِّس منذ نحو مئة وخمسين سنة، أما سبب تسميته، فيعود إلى أن الزبائن كانوا ينتشرون فيه غالباً وقت العصر، فاشتُقَّ منه اسم "العصرونية"، ومع الوقت تم تعميم هذا الاسم على كل من يبيع الأدوات المنزلية مع الإكسسوارات في محل تجاري، حتى خارج دمشق.