لن تُرجع الكتابة عن إحراق إذاعة آرتا شيئاً من خسائرها، لكنها تفيدنا في الوصول إلى الفاعل ودوافعه لمعرفة مَن يقف وراء تكميم الأفواه بسوريا.
في 27/04/ 2016، قامت مجموعة ملثمة باعتقال الفنان "صفقان أوركيش" مدير مكتب إذاعة آرتا في مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة، وذلك في الشارع الذي يتواجد فيه مكتبه، وقادته إلى مقبرة عامودا، حيث قامت بالتحقيق معه حول مصدر تمويل الإذاعة، والمواضيع التي يتم بثها من خلالها، بعدها أعادته معصوب العينين إلى مبنى آرتا، وأخرجت حارس المبنى، قيدته، ثم أحرقت المبنى بالكامل، كما سرقت بعض المُعدات، بعد أن هددت صفقان أوركيش بالقتل في حال استمر بث الإذاعة.
جاء في البيان الصادر عن الإذاعة عقب هذه الحادثة، أن "مدينة عامودا تقع تحت سيطرة قوات الأمن الكردية "الأسايش"، وهي محاطة بنقاط تفتيش كثيرة تمنع دخول أي من الغرباء إلى المدينة، كما أنه تم قطع الكهرباء عن الحي خلال العملية، إضافة إلى أن مبنى الإذاعة يقع بالقرب من مؤسسات أمنية تابعة للأسايش، وهو يقع تحت المراقبة على مدار الساعة"، إذاً هل أحرِقت الإذاعة بتواطؤ بين الفاعلين وقوات الأمن الكردية في عامودا؟.
"حكاية ما انحكت" تواصل مع الصحفي "سيروان حاج حسين"، مؤسس إذاعة آرتا إف إم ومديرها العام، والذي صرَّح بأن "كادر العمل لا يعرف حتى الآن ما السبب الحقيقي وراء الهجوم، ولكننا نستطيع أن نقول إن من أحرق الإذاعة وهدد مديرها التنفيذي بالقتل، هم أشخاص لا يؤمنون بوجود إعلام حر ومستقل في المنطقة، هذه المجموعة تكره حرية التعبير، ولا تعترف بحقوق الانسان، هؤلاء لا يريدون الاستقرار والتنمية في المنطقة، السلطة المحلية هي المسؤولة عن ما حدث، وهي التي يجب أن تكشف الأمور وتعاقب المنفذين".
بعد الحادثة بأربعة أيام، في 01/05/2016، أعلنت شعبة مكافحة الجريمة التابعة للأسايش في تعميم لها عن اعتقال مجموعة من المتورطين في الحريق، وعن أنها قد بدأت التحقيق معهم، دون الإشارة إلى الجهة التي تقف وراءهم، أو الكشف عن هويتهم ودوافعهم، ما يجعل قضية الاعتقال ملتبسة،ما يُذكرنا بتلك الاعتقالات التي يقوم بها النظام لمجموعة من "المخربين" كلما تورط بعمل شائن ضد الشعب السوري، فقد سبق وأن بث منذ مطلع الثورة السورية عشرات الفيديوهات لـ "مخرِّبين" قاموا بتهريب السلاح واستهداف المتظاهرين السلميين، كما حدث إثر اغتيال شيخ الكرامة وحيد البلعوس، عندما قامت قوات أمن البعث باعتقال المدعو "وافد أبو ترابة"، وبثت حلقة عبر التلفزيون الرسمي للنظام تضمنت اعترافات المتهم بتفجير سيارة مفخخة الذي أودى بحياة أربعة أشخاص منهم البلعوس، علماً أن السويداء تقع تحت سيطرة النظام بشكل كامل، والهدف الدائم من وراء هذه الفبركات التشويش على الرأي العام، ونَسب قضايا التخريب والقتل إلى أناس لا علاقة لهم بها، لامتصاص الغضب الجماهيري ضد المسؤول الحقيقي عن هذه الأعمال.
يعزز هذه الفرضية أن قوات الأسايش التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومهمتها الحفاظ على الأمن الداخلي في المناطق التي يسيطر عليها الحزب، لها سوابق في اعتقال الإعلاميين دون ذنب، وأن إذاعة آرتا إف إم لا تنتمي إلى تيار سياسي أو ديني أو عرقي، وهي إحدى مشاريع المركز السوري للتعاون والتواصل في المناطق الكُردية (sccck)، وتهدف إلى مساندة التنوُّع القومي والديني في المناطق الكردية وباقي المناطق السوريَّة، وذلك بالتعاون مع النشاطات المشتركة الكردية والعربية والمسيحية وباعتماد ثقافة الحوار، كما أن لها شعبية واسعة في المناطق الكردية شمال سوريا، وتبث برامجها باللغات العربية والكردية والأرمينية والسريانية، بمعدل 15 ساعة يومياً، ما يجعلها موضع عداء من قبل كثير من التيارات الكردية التي تقمع حريات التعبير، وعلى رأسها "الأسايش" الذي يتحمل مسؤولية غياب الأمن عن حماية الإذاعة التي تقع ضمن سيطرة قواته وأمنه على أقل تقدير، كما يتحمل النظام المسؤولية عن كل الأفعال التي تقع ضمن سيطرة قواته، وكما يتحمل جيش الإسلام المسؤولية عن خطف النشطاء الأربعة، الذين خطفوا ضمن المنطقة التي يسيطر عليها.
عن حجم الأضرار التي سببها الحريق، قال سيروان لـ (حكاية ما انحكت) "إن الأضرار المادية بلغت خمسين ألف دولاراً"، أما عن استمرار الإذاعة في عملها فقد أكَّد أن "كادر العمل لن يغير شيئاً في ما يخص سياة الإذاعة ونشاطها، ولكن ذلك مرتبط بمعرفة ومعاقبة الفاعلين، وكذلك سلامة فريق عمل الإذاعة، لأن التهديد بالقتل في حال استمرار الإذاعة لا زال موجوداً، مع ذلك، نحاول أن نرجع قريباً بشكل أقوى من قبل".