مهما كانت هوية المرتكبين، أو الضحايا، لا يحتمل قتلُ المدنيين أي نقاش، فهو مُدان في كل الحالات، أما وقد وصلت الحرب في سورية إلى مستوىً بالغ الوحشية، فقد تحولت مجزرة قرية "الزارة" في ريف حماه إلى موضوع للسجال بين السوريين.
فجر يوم الخميس، 12/05/2016، قامت قوة مسلحة تابعة لمجموعة من فصائل المعارضة في حمص، وهي "أجناد حمص"، "فيلق حمص"، "أهل السنة والجماعة"، "جبهة النصرة"، و"أحرار الشام"، بمداهمة "الزارة" ذات الأغلبية العلوية، حيث قتلت تسعة عشر مدنياً، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى أسرهم لعشرات آخرين، والأهمية الاستراتيجية لهذه القرية وقوعها قريباً من الطريق العام الواصل بين حمص وحماه.
تعقيباً على صورة انتشرت في موقع فيسبوك، تم التقاطُها من المجزرة، وتُظهر مسلحين يدوسون جثتين لامرأة وطفلة قُتلتا في القرية، قال البعض إنها مزيفة (تم التأكد من صحة الصورة، وهي الموجودة تحت أسفل هذا المقطع)، في حين أكد آخرون صحتها، حدث سجال خطير وعنيف بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بينت الردود على حجم الهوة الطائفية التي وصلت إليها سورية، وكَمِّ التعقيد في الأزمة السورية.
العين بالعين
قبل ثلاث سنوات، وفي ذات اليوم الذي ارتكبت فيه مجزرة "الزارة"، صباح الخميس 02/05/ 2013، وقعت مجزرة البيضا /بانياس، والتي وراح ضحيتها عشرات الأطفال والنساء ذبحاً بالسكاكين، حيث كان "علي كيَّالي" قائد الميليشيات الطائفية التي قامت بالمجزرة قد أعلن عنها بعبارة "يجب تطويق بانياس والبدء بالتطهير"، وقد روى بعض القتلة في قرى الساحل كيف قاموا بتنفيذ العملية، حيث إنهم أمِروا بقتل الأطفال كي لا يصبحوا "إرهابيي الغد"، هذه النظرية الطائفية تكررت بحذافيرها في مجزرة "الزارة"، وذلك من باب الثأر والانتقام، كتبت الناشطة المقيمة في لندن "ريم تركماني"، وأحد المؤسسين في تيار بناء الدولة السورية قبل الانسحاب منه، وأحد المؤسسين في مؤسسة مدني، وتجمع "تماس"، كتبت قائلة: "بالتأكيد مدانة بشدة ومرتكبيها مجرمي حرب، منطق العين بالعين والمجزرة بالمجزرة سيقضي على من تبقى من السوريين إذا لم يعلُ صوت وفعل الكتلة التي ترفض أن تكون أداته وضحيته"، ومن التعليقات التي وردت على هذا المنشور" بعد أن يكون عندك أولاد ورأيتِ علوياً يقطع رؤوسهم، أريدك أن تكتبي هذا الكلام، التنظير سهل من وراء الشاشة"، كما كتب أحدُ المعلقين على الصورة " الحاضنة الشعبية للنظام يجب أن تتلقى رد الفعل المكافئ لمجازر داريا وجديدة الفضل وبانياس والقبير وكرم الزيتون وغيرها مما لا يمكن عده، إذا لم تُفتح المعارك في القرى والبلدات الموالية للنظام فلا أمل في إنهاء النظام وهذه الحرب"، إضافة إلى هذه العبارات، وردت عشرات التعليقات التي تحوي كلمات طائفية وسوقية، مما لا نستطيع نشرَه في منبر صحفي.
هذه القاعدة الثأرية أصبحت تمثل شريحة لا يُستهان بها، والتي ترى أن رد الفعل وقتل المدنيين سيُنهي الحرب، وهو ما يدعمه عنوان العملية التي ارتُكبت المجزرة باسمها، حيث إن الفصائل سمتها " عملية الثأر لحلب"، تستهدف مجموعة قرى مؤيدة في ريف حمص الشمالي، وريف حماه.
محاكمة القتَلة
سبق وأن صورت ميليشيات الأسد فيديوهات لجنودها وهم يدوسون أسراهم من الرجال، أما دوس جثث النساء والأطفال الضحايا فهو ما لم نره مطلقاً خلال الحرب السورية، من هنا تأتي خصوصية هذه الصورة، لذلك كانت ردة فعل كثير من المعلقين حادة ضد القتَلة، وأغلبهم فقد أقارب خلال الحرب، كالرسام عبد الرزاق شبلوط" من قرية "تير معلة"/ريف حماه، والمقيم اليوم في ألمانيا، والذي فقدَ أخويهِ في قصف طائرات النظام، "أدين وأخجل وأتبرأ مما فعلته الفصائل المعارضة اليوم في قرية (الزارة) من خطف وقتل للنساء والمدنيين هناك، وأرفض أن يكون ذلك باسمي كمعارض وابن عائلة قدّمت ما قدّمت من أجل هذا الوطن وهذه الثورة، أن تضع رجلك على جثة امرأة قتلتها وتفاخر بذلك أيها الثائر المجاهد الشجاع وتوثقه بالصور؟؟؟ بئس ما وصلت إليه أخلاقك"، من جانب آخر، حمَّل البعض عصابة الأسد مسؤولية كل الجرائم في سوريا"، في حين قال المعارض المقيم في فرنسا "نادر جبلي": "كل نقطة دم تراق في سوريا تتحمل طغمة الأسد المسؤولية الأكبر عنها كائنا من كان مرتكبها، لأنها من فتح كل أبواب العنف والحقد والكراهية على مصراعيها"، وساوى آخرون بين كل الجرائم من حيث البشاعة، بغض النظر عن القاتل والمقتول، حيث قال "كريم العفنان" أن "مجزرة الزارة هي أخت مجازر الحولة والبيضا بالرضاعة. على مثل هذه الأفعال المشينة تنبت أفكار أدونيس والبغدادي"، كما طالبوا بمحاكمة القتلة إذ مقال المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن المعتقلين "ميشال شماس أن "عمليات القتل الوحشية في قرية الزارة بريف حمص التي ارتكبها مسلحو المعارضة عمل يندى له الحبين وهي جريمة حرب ويجب أن تدان بشدة، وأن يقدم مرتكبوها للمحاكمة أن لا يفلتوا من العقاب أبداً".
تبرير
من جانبها، بررت "غرفة عمليات ريف حمص الشمالي" التي تضم الفصائل المعارضة المنفذة لاقتحام "الزارة"، بررت هذه المجزرة بقولها إن النساء الضحايا كُنَّ مسلحات، فقد جاء في البيان الذي نشرته بعد الجريمة "معظم المدنيين في قرية الزارة كانوا مسلحين، وجاءت عملية تحريرها بعد أن أقدمت ميليشيات الشبيحة على قصف منطقة الحولة"، و"سياستنا معروفة في تحييد النساء والأطفال والشيوخ أثناء العمل العسكري، وتعامل المقاتلين مع جثث العدو حسب ما تنقله الصورة أمر ترفضه قيم ديننا الحنيف وأخلاق مجتمعنا ومبادئ ثورتنا".
إلا أن هذا البيان لم يطرح جريمة قتل الأطفال، والذين بالطبع لم يكونوا مسلحين، وبالتالي لا مبرر لقتلهم، كما لا مبرر لقتل أي مدني تحت أي مسمَّى.