شكلت تفجيرات طرطوس واللاذقية وجبلة منعطفاً جديداً في الحرب السورية، فمع أننا شهدنا أعمال عنف أكثر قسوة في محافظات أخرى، إلا أنها المرة الأولى التي تحدث فيها تفجيرات بهذه الضخامة مخلفة ذلك العدد من الضحايا (مئة وخمسين شخصاً حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان) في مدن يسيطر عليها النظام بشكل كامل، وتُعد القاعدة الأساس التي تضم مؤيديه، ولم تحدث فيها أعمال عنف تُذكر منذ بداية الأحداث.
تكهن البعض بأن للنظام يداً في هذه الأعمال، ذلك أن اختراق الحواجز الأمنية المحيطة بهذه المدن أمر بالغ الصعوبة، على الرغم من أن "داعش" تبناها، وبعيداً عن الفاعل، تتبَّع "حكاية ما انحكت" ردود فعل السوريين، بقصد استشفاف المواقف التي تكشفت تجاه ما يحدث، وما قد يترتب عن هذه الأعمال في المستقبل.
معقل الأسد؟
عنونَت قناة بي بي سي عبر موقعها الإلكتروني خبر المذبحة بـ "انفجارات تهز معقلين للرئيس السوري شمال وغرب سوريا"، متجاهلة أن هذه المدن سورية أساساً، وليست معقلاً للنظام، فالضحايا أغلبهم من المدنيين، وقد استهجن كثير من نشطاء المعارضة هذا التصرف، وقاموا بمراسلة القناة كي تغير العنوان الذي يزيد من الاحتقان الطائفي بين السوريين، ومنهم الناشطة في "التحالف المدني السوري"، ريم تركماني بقولها "بعد عشر دقائق من إرسال إيميل إلى مسؤولين في البي بي سي العربية للإعتراض على صياغتهم لخبر تفجيرات طرطوس وجبلة والذي يخدم شرعنة قتل الضحايا وصلني رد إيجابي من البي بي سي وقاموا بتغيير العنوان".
حالة وعي
قبل الثورة، كان عدد سكان طرطوس يبلغ 900 ألف نسمة، أغلبهم من الطائفة العلوية، ومع احتدام الصراع، انضم إليهم 450 ألف نازحاً من مختلف المدن السورية المنتفضة، يتوزعون على طرطوس المدينة والقرى المحيطة بها، إضافة إلى مخيم الكرنَك الذي يضم مئات العائلات، وقد كانت ردة الفعل الأولى من قبل شبيحة المدينة أن اعتدوا على المخيم مساء الثلاثاء 23/05/2016، فأحرقوا عدداً من الخيام، وعلى هذا الحادث علق الكاتب "أحمد الأحمد
من طرطوس "أي شخص يعتدي على أحد من الأهل المهجرين في طرطوس، كردّ على التفجيرات، هو شخص جبان وساقط، أرجو من أبناء المحافظة النظيفين التوجه لحماية أهلنا مهجّري المدن المنكوبة في مراكز الإيواء".
بالإضافة إلى قناة بي بي سي، فقد قام إعلام بشار الأسد بالتأجيج الطائفي، حيث صرح وزير إعلامه عمران الزعبي بأن "الإرهابيين يريدون تحويل البحر الأزرق إلى أحمر"، في محاولة لتحويل أبناء طرطوس إلى رهائن للخوف من المجهول.
https://www.youtube.com/watch?v=eXuHa41-gp4
غير أن مجموعة من شبان المدينة قامت بالوقوف أمام مخيم الكرنك للحيلولة دون حدوث مزيد من أعمال العنف، وهو ما أكده الناشط غدير غانم من طرطوس، حيث قام هؤلاء الشبان أيضاً بزيارات لعدة مراكز إيواء للنازحين، منها "الصالة الرياضية" ومخيم "الكراج القديم"، و"العقارية القديمة"، بهدف التأكد من سلامة النازحين وطمأنتهم وحمايتهم.
كتب الكاتب والإعلامي كمال شاهين المقيم في مدينة اللاذقية أن "الغالبية ركزت على فعل إيجابي، هو الدعوة للهدوء والمسارعة لنشر الأخبار الإيجابية وخاصة موضوع اللجان الشعبية بطرطوس التي حمت المخيمات، وموضوع المفقودين في تفجيري جبلة وطرطوس"، وهو ما أكده الناشط غدير غنيم من طرطوس " قمنا بزيارة لمخيم الكرنك والأمور مستقرة ولا توجد مشكلات ، ولكن الناس بحاجة لنقف معهم بأي وسيلة ".
الضحية واحدة
على الرغم من عبارات الشماتة التي أطلقها البعض، كون التفجير حدث في مدن يغلب عليها طابع التأييد للنظام، لكن أكثر المعلقين رأوا الفاجعة من وجهة نظر إنسانية، ومرد ذلك أيضاً إلى حساسية الحدث، فوقوع أعمال انتقام بين العلويين والسنة النازحين في الساحل سيؤدي إلى مجازر لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا، بسبب أعدادهم شبه المتكافئة، كما أن هذه الأعمال ستمتد إلى مختلف المدن السورية، كتب الشاعر عبد الله شاهين من مدينة اللاذقية "أي شبر من الأرض السورية حق لكل سوري ،لا لداحس والغبراء لا للغباء ، الفقراء في كل مكان هدف للقتلة"، في حين علق الكاتب والروائي السوري المقيم في دمشق نبيل الملحم على متوالية الانتقام ونتائجها بقوله "بين فعل ورد فعل، وفعل ورد فعل، ومتوالية هندسية من الفعل ورد الفعل، كل الخوف أن يذهب الساحل بأهاليه (ضيفاً ومقيماً) إلى الأسماك، المطلوب الكثير من العقل الساخن، الكثير من القلب البارد.. بغير ذلك تتضاعف الكارثة"، أما رسام الكاريكاتور علي حمرة، والذي نشأ في مدينة المعضمية، وقُتل أخوه عصام حمرة من قبل جيش الفتح، فقد كتب " القتل في جبلة كالقتل في الحولة وحلب والمعضمية وداريا كله مدان، الإنسانية لا تتجزأ السبب هو شخص واحد فتح هذا الباب الكبير على كل السوريين"، وهو ما أيده الرسام المقيمة في ألمانيا عبد الرزاق شبلوط، الذي فقد اثنين من إخوته خلال قصف قوات النظام الأسد على قريته تير معلة، "الرحمة لكافة المدنيين الأبرياء في جبلة وطرطوس وكافة المناطق السورية .. والمسؤول الأول والأخير عن كل هذه الدماء سياسياً وقانونياً وأخلاقياً هو نظام الأسد فقط.".
ما حدث في الساحل السوري كشف مزيداً من ملامح الأزمة التي تعيشها سوريا، وفي ذات الوقت، كشف عن وجه حضاري نادراً ما يتداوله الإعلام في الحرب، وهو التكافل بين الناس، عندما يعرفون أن قاتلهم واحد، وأنه لا مستقبل لهم إن لم يعيشوا معاً.