عمل أبو محمد لسنوات فنياً في مطار دمشق الدولي، ومع بداية الثورة خسر وظيفته، فلم يكن يستطيع الخروج من مدينته "المعضمية" بسبب حواجز التفتيش، هكذا بقي دون عمل، وكانت هذه حال كثير من أبناء المناطق التي تشهد اشتباكات أو حصاراً، فلم يكن أمامه لكي يعيل أسرته سوى العمل بتقطيع الحطب.
في شهر تشرين الثاني 2012، وخلال القصف الذي تعرضت له المعضمية، حيث استهدفها جيش النظام بقذائف هاون خلفت عشرات الضحايا، توفي محمد، سند أبيه، والذي كان يساعده في عمله الجديد، ولم تمض سنة أخرى، في الشهر الثامن من 2013، حتى وقعت مجزرة أخرى، وفيها أسقط النظام سبعة صواريخ مزودة برؤوس كيماوية، راح ضحيتها ستون مدنياً معظمهم نتيجة الاختناقات التي سببها غاز الكلور المنتشر في المدينة نتيجة القصف، وكان الابن الأصغر لأبي محمد واحداً منهم، كما أصيبت زوجتُه، ولم تزل تعاني من إصابتها حتى اليوم.
منذ عشرات السنين، اعتمد معظم أبناء المعضمية في عملهم على الزراعة، فتربة المدينة مناسبة لزراعة أشجار الزيتون والقمح واليانسون، وفي عام 1985، شهدَت أول إجراء قمعي حرم مئات العائلات من قوتها، وذلك إثر إصدار الحكومة لقرار الاستملاك الذي قضى بتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضٍ للإعمار، لقاء مبلغ 10 ليرات سورية للمتر الواحد، ذلك الظلم أدى إلى ردة فعل عدوانية تجاه النظام، توارثته الأجيال فيما بعد، لهذا كانت المعضمية من أوائل المدن المنتفضة ضد النظام، فقد خرجت أول مظاهرة فيها بتاريخ 21/ 03/ 2011، ولم تتوقف المظاهرات بعد ذلك، إلى أن شُكلت مجموعة مسلحة أواخر عام 2011 لحماية المظاهرات، ومن وقتها أحاطت الحواجز بالمدينة، وضيَّقَ النظام على المدنيين ومنع دخول المواد الغذائية، وبعد عامين من هذا التاريخ، بداية 2013، قامت قوات الأمن والجيش بحصار المعضمية بشكل كامل، فلجأ الكثيرون إلى العمل في الحطب، ومنهم أبو محمد، حيث بدأوا يقطعون الأشجار المنتشرة بكثافة، لا سيما أشجار الزيتون والسرو، ثم يبيعونها بمبالغ ضئيلة، لتُستخدم في التدفئة وتسخين الماء، حيث تحولت ورشات الحدادة والنجارة إلى محلات لتصنيع مدافئ الحطب، مع استحالة دخول الغاز والمحروقات إلى المعضمية، هكذا تحول تقطيع الحطب إلى عمل يومي يقوم به الجميع.
https://www.youtube.com/watch?v=YubcFLM7JlM
وُقِّعت عدة هدن بين قوات النظام والمعارضة في المعضمية، كان أبرزها في كانون الثاني 2013، وقضت بإدخال المواد الغذائية وعدم ملاحقة المطلوبين إلى الأفرع الأمنية إلا أنها باءت بالفشل، ويؤكد أبو محمد أنه في جميع هذه الهدن لم يتحسن الوضع المعيشي له ولأسرته البالغ عددها خمسة أطفال وامرأته، كما لم يستطع الخروج من المدينة، ولا أن يجد عملاً آخر، فكل أبناء المعضمية يعملون إما في جمع الحطب أو المواد البلاستيكية والنايلون وقطع الخشب ليتم حرقها والاستفادة منها في التدفئة بدل المازوت المقطوع عن المدينة منذ سنوات.
على الرغب من التعب وشحِّ المردود، إلا أن أبا محمد البالغ من العمر خمسين عاماً يستمر في العمل، إذ ما من وسيلة أخرى لرد الموت جوعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم إنجاز هذه المادة بالتعاون بين موقع (حكاية ما انحكت)، منظمة (الإنسان في سوريا)، و راديو (سوريالي).