فَجر الثاني والعشرين من حزيران 2016، ألقى الفنان حسن رابح بنفسه من شرفة البناء الذي يقيم فيه ببيروت، شارع الحمرا، مخلِّفاً صدمة بين أهله وأصدقائه ومحبيه.
في صفحته على موقع فيسبوك، بقي حسن متواجداً بشكل شبه يومي خلال الفترة الأخيرة، حيث كان يقوم بمشاركة الأخبار ومقاطع الفيديو، كما كان قد نشر مقطعاً لرقصة أداها في شهر يناير 2016، وخلال مطالعتنا للصفحة لا نجد ما يشي بميول انتحارية، باستثناء منشور صرَّح فيه بأنه قد تم القبض عليه لأيام بتهمة تعاطي الحشيش، وإثر خروجه من السجن دخل في دوامة من العبث، فأدمن الكحول ولم يعد يتواصل مع أهله، وقد أنهى ذلك المنشور بقوله "اسمي حسن و السلام عليكم، سامحوني يا أصدقائي يا أهلي، يا أحبابي، و لتسقط كل الأنظمة ابتداءاً من القاتل النظام السوري الفاشي الفاشل وشيطانه بشار وأبيه و النظام الرأسمالي الاستيطاني الإسرائيلي، و داعش الوجه الآخر لنفس العملة "، و"المخابرات العالمية الفاجرة و الداعرة و العاهرة لست سوى عبد ربي أموت إلى أن أحيا، لست من أي طائفة أو أي حزب يدعي السلطة على حاشيته"، كان هذا المنشور وداعاً غير مباشر لأصدقاء ومعارف الفنان.
حسن ابن الخمس والعشرين سنة، والذي تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا، قسم الرقص، شارك مع الفرقة السورية سيما للرقص المعاصر بعرض مسرحي راقص بعنوان الصراع على الملكية والحكم في دار الأوبرا بدمشق عام 2009، وقد كان هذا عمله الفني الأول، ثم هاجر إلى لبنان هرباً من الحرب السورية عام 2013، حيث اشترك بعرض لنفس الفرقة في مسرح بابل/ بيروت، بعد ذلك، مر الفنان بظروف معيشية ونفسية صعبة، إلى أن أنهى حياتَه بهذه الطريقة الدرامية رداً على ما تتعرض له المنطقة من حروب، وقد أثار المنشور السابق الذي لم يفهمه أصدقاء الفنان إلا بعد انتحاره ردوداً واسعة على موقع فسبوك.
أدَّى رقصته الأخيرة
المسرحي عمار المأمون، صديق الراحل، صرَّح لـ (حكاية ما انحكت) عن لقائه الأخير بحسن رابح قائلاً "التقيته عام 2015 قبل مغادرتي لبنان، وقد تحدثنا عن موضوع الأوراق الإدارية والإقامة، كانت لدى حسن مشكلة في إقامته بلبنان، إذ لم يتم قبول أوراقه الرسمية، لذلك كان يتم رفضه من قبل المسارح وفِرق الرقص".
كونه راقصاً، فإن طريقة انتحاره برميِ جسده من عَلٍ قد أثارت الألم بين من التقوه، إضافة إلى شخصيته اللطيفة والمحببة، ما دفع كثيراً منهم إلى لوم أنفسهم لأنهم لم ينقذوا هذا الشاب، "عندما قرأت المنشور لم أفهم ما تقصده، لكنني أعدت قراءته عدة مرات أمام أصدقائنا، ولم نعرف ما تريده حتى اليوم"، بهذا ردت دعاء الريحاوي، إحدى صديقات حسن، على كلماته الأخيرة، "لا يكفي أن تنعي الشاب "حسن رابح"، يجب أن تذهب إليه، أن تحذو حذوه، ومن طابق أعلى"، كما يقول رائف العطار (كاتب)، في حين أن الصدمة والأسف على الفقيد قد عمَّا ردود الفعل حول الحادثة، "حسن رابح الشاب الراقص ابن الشام الذي هرب إلى بيروت رقص رقصته الأخيرة قبل قليل ورمى بنفسه من الطابق السابع، يمكن قسوة العالم ما عادت مناسبة لكل العالم" كما كتب ميلاد أمين (صحفي)، " الشاب السوري الفنان حسن رابح خنقته "المسخرة" الطاغية على الروح فراح، كم أنت شجاع يا حسن!، كم أنت شجاع!"، كما كتب حسان عباس (باحث وكاتب وناشر)، بينما علق مدير صفحة تغريداتهم على فيسبوك بقوله " حسن رابح حكاية جيل و صورة عن واقعنا المغتصب".
يُذكر أنه قد وقعت خلال السنوات الأخيرة عدة حالات انتحار بين السوريين في لبنان، ففي عام 2013 انتحر شاب سوري بالطريقة ذاتها عبر رمي نفسه من إحدى الصخور في منطقة "الروشة"، وفي نيسان 2014 أقدمت سيدة سورية في الخمسين من العمر تُدعى روضة إبراهيم أبو الحسن على الانتحار بطريقة مماثلة عبر قفزها من نافذة منزلها في مدينة صيدا، بينما شهد عام 2015 انتحار سوري يافع في السادسة عشر من العمر عبر شنق نفسه في منطقة "النبعة"، وكان قد تعرض لتصرفات عنصرية من قبل شبيحة حزب الله المسيطرين على المنطقة.