شكَّل الصحفي والمصور السوري خالد العيسى ظاهرة نادرة في الثورة، وهي بملازمته لرفيق دربه هادي العبد الله، حتى تحول الاثنان إلى فريق فعال وشديد التأثير، فبقيا معاً في أصعب ظروف القصف الذي شهده ريف حلب الجنوبي، إلى أن تم تفجير المنزل الذي يسكنانه في حلب بعبوة ناسفة أثناء دخولهما إليها، فتم نقلهما إلى تركيا لتلقي العلاج الذي تفتقره المستشفيات في الشمال السوري، وقد مرت أيام على خالد وهو في غيبوبة، إلى أن توفي نتيجة إصابة بليغة في الجمجمة.
جمع خالد في شخصه عوامل الشجاعة والإصرار والرفض، إضافة إلى البساطة واللطف، ما حوَّلَ رحيله إلى فاجعة بين من عرفوه أو تابعوا مقاطع الفيديو التي كان يقوم بتصويرها على مواقع التواصل، وحتى بين مَن لم يعرفوا شيئاً عنه من قبل، فهو رمز، كسر فقدُه أملَ كثير من السوريين بغد أقل بشاعة.
مَن قتل خالد؟
عندما كانَ مقيماً في كفرنبل/ريف إدلب، وتحديداً في مقر راديو فرِش، تم اعتقال زميلَيه رائد الفارس وهادي العبد الله من قبل جبهة النصرة التي تسيطر على المدينة حتى اليوم، وقتها أجبر جنود النصرة خالد على أن يدوس علم الثورة الذي رموه أمام باب المكتب، بعدها انتقل خالد برفقة هادي إلى ريف حلب الشمالي لتغطية أخبار المعارك، وتوثيق جرائم الطيران الروسي بقصفه للمدنيين، وقد أقاما في إحدى الأحياء التي يسيطر عليها جيش الفتح في حلب، وجبهة النصرة ليست سوى جزء من جيش الفتح، وبعد أن فارق الحياة في تركيا، تمت إعادة جثمانه إلى مدينته ومسقط رأسه "كفرنبل" في 25/06/2016، هناك رفض إمام المدينة محمد زعطوط أن يقيم صلاة الجنازة على خالد خوفاً من جبهة النصرة، القرائن السابقة ترجح أن يكون لجبهة النصرة يد في اغتيال خالد، فهو صوت مدني لم ينضوِ إلى أي من الكتائب المقاتلة ولم يتبنَّ أية أجندة، كما أنه استمد شعبيته من خلال عمله الدؤوب فقط، "ما جرى خطوة على طريق كشف الغطاء شعبيا عن الكهنوت الديني، و القوى السلفية الجهادية الطامحة الى السلطة بسرعة الصاروخ"، حمزة رستناوي (كاتب).
عناصر النظام لا يستطيعون الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها جيش الفتح في حلب، بسبب انتشار الحواجز المحيطة بها، علاوة على زرع عبوة ناسفة في هذه المناطق، لهذا يبدو اتهام النصرة بتدبير عملية الاغتيال مشروعاً فـ "خالد العيسى مات ضحية الغدر الإسلامي، على من ينعِه ألا ينسى إدانة قتلته، الرحمة لروح خالد واللعنة على إسلاميي الاغتيالات الغادرة" كما كتبت جينا شريف (ناشطة)، إضافة إلى أن الكتائب الإسلامية لها سوابق في اعتقال رموز الثورة وتصفيتهم، ومنهم الأب فرانسيس فندرلخت الذي وقف إلى جانب الثوار ورفض مغادرة حمص حتى تمت تصفيته، وخالد "رمز آخر من رموز الثورة. يرحل . الإسلاميون الذين غدروا بالثورة يواصلون تصفية رموزها، جبهة النصرة شوكة بجسد الثورة ويجب الخلاص منها" كما يقول منصور العياش (ناشط).
خالد الروح
من الطبيعي أن يكون للسيدة غالية الرحَّال، والدة خالد، النصيب الأكبر من الوجع برحيله، لكن هذه الأم قد أثارت شجناً كبيراً على موقع فيسبوك عندما علقت على الخبر بقولها "شهيد ياعمري ؟ صار اسمك شهيد، الله يهنيك يا أمي بإسمك الجديد"، " تم قريب مني، خلي روحك معي، بتكفيني روحك الطاهرة تزورني، وتحسسني بوجودك، أنت ما عدت جسد ولحم، أنت روح، و رح ضل روح".
https://www.youtube.com/watch?v=Jjc1EBZjujs
كان للصحفي هادي العبد الله نصيب كبير من الألم أيضاً، وهو الذي رافق خالد لأشهر في أصعب الظروف، حيث كتب "جسدي الكسير الذي أنهكته العمليات، أحشائي الممزقة المدماة، قدماي المكسرة، روحي التي تحتضر! ماذا عساهم جميعا أن يفعلوا في حضرة الخبر، أيا خالدي، يا ليتني كنت معك أو مكانك، يا ليتك أنت الذي نعوتني ورثيتني، أيا ليت عبوتهم مزقتني ألف قطعة حقيرة هي تلك الأنقاض التي لم تقتلني، لا أريد عيشاً بعدك يا خالد، أخبر روحك لتنادي روحي إليها"، وقد تكررت كلمة "روح" في عشرات المنشورات التي كتبها أصدقاء ومعارف خالد، ما يدل على رمزية أصبح السوريون يلجأون إليها مكنين بها عن الرمز، أو الفكرة، فالبطل الراحل قد بقي حقيقة فكرة في وجدانهم، "خالد رحل بجسده فقط ، لتبقى روحه وصورته عالقة بأذهاننا إلى يوم النصر، لنذكره حينها ولنخبر من حولنا بأنه وباقي الشهداء كانوا من أسباب نصرنا على الطاغية الذي قتله و رفاقه الشهداء"، كما كتب باسل سعد (ناشط)، فـ " روحه تنتظر فرحة شعب بنصر ثورته ضحى من أجلها خالد ومئات الالاف مثله"، كما كتب أيضا، فادي سعد (ناشط)، كما استخدم آخرون اسم الضحية "خالد" ليدلوا من خلالها على خلوده الرمزي "خالد العيسى، ستبقى مثل اسمك" كما كتبت حنان عزَّام (كاتبة)، و"ها هو فارسٌ آخر يترّجل دون أن يأخذ من اسمه نصيب , خالدٌ لم يخلُد و ناجٍ لم ينجو" كما قال منصور العيَّاش (ناشط).
https://www.youtube.com/watch?v=t39T-uOdLK8
انكسار
مثلما أكَّد البعض على بقاء اسم خالد فكرة في وجدانهم، فقد كتب آخرون عن انكسارهم برحيله، فقد كان مثالاً للسوري النقي الذي حافظ على اندفاعه وإخلاصه للثورة ومبادئها، ومن هؤلاء الناشط أسعد حنَّا أحد أصدقاء خالد المقربين، والذي صرَّح لـ (حكاية ما انحكت) بقوله "التقيت خالد قبل ستة أشهر في حلب، تحدثنا عن أوضاع الثورة، وقد كن مرحاً كعادتِه"، وفي هذا السياق كتب أسعد على صفحته "ما في على قياسك كفن، كفنك وطن، يا كسرة ضهرنا يا خالد، يا عيننا اللي منشوف فيها".