لم تعد تصرفات الأشايس التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي مقتصرة على اعتقال الإعلاميين وتهديدهم، بل وصل إلى اعتقال رئيس المجلس الوطني الكردي، ما يُعد تقدماً نوعياً في انتهاك هذا الحزب للحريات العامَّة.

سابقاً، اعتقلت قوات الأسايش مدير إذاعة آرتا إف إم، ثم اتهمت بأنها أحرقت هذه الإذاعة، وقد كان ذلك في الليل، بعد أن قطعت الكهرباء عن الحي الذي تقع فيه الإذاعة، أما هذه المرة، فقد حدث اعتقال ابراهيم برو رئيس المجلس في النهار (قبل أن ينفيه إلى كردستان العراق)، وفي السوق الرئيس للمدينة، ما يعني أن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يعد يأبه لردود الأفعال ضد سياسته المتسلطة.

نتيجة لصراع طويل

ليس جديداً الخلاف بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، فقد سبق وأن صرح رئيس المجلس في شهر شباط 2016 أن "وقوف حزب الاتحاد الديمقراطي مع الأسد يتناقض مع مفهوم مناهضة الديكتاتورية"، إذ أن ممارسات هذا الحزب عبر قواته العسكرية الممثلة بالأسايش كثيراً ما قمعت حريات الناشطين والإعلاميين الأكراد المناهضين للنظام، ففي 08/12/2015، قامت قوات الأسايش بمداهمة مكاتب تابعة لمؤسسات المجتمع المدني في مدينة “عفرين”، لتعتقل عدداً كبيراً من الناشطين، كان بينهم مدير الدفاع المدني وزوجته وثلاثة عشر ناشطاً إغاثياً بالإضافة إلى الصحفية “جيهان مستو” مراسلة وكالة “آرانيوز“، وذلك دون استدعاء أو مذكرة توقيف.

أما اعتقال ابراهيم برو، فإنه وكما صرح الكاتب هوشنك أوسي لـ (حكاية ما انحكت) "يأتي في سياق محاولات تصفية أي بصيص معارضة لسلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، وقد سبق ذلك تهديد وتشويه وتشهير بشخص السيد برو. هذا السلوك جريمة ضد الإنسانية".

ومع أن الاعتقال لم يدم سوى ست ساعات، فقد قامت قوات الأسايش إثرها بترحيل برو إلى خارج سوريا، باتجاه كوردستان العراق، وذلك بهدف إبعاد تأثيره عن السوريين في الشمال، والذي أصبح تأثيراً جماهيرياً للمطالبة بالعدالة والديمقراطية، حول هذا النقطة يعلق أوسي "هذا السلوك لم يفعله النظام التركي والإيراني والسوري بحق المعارضين الأكراد. واعتقد أنّ عودة ابراهيم برو إلى المناطق الكردية في سورية لممارسة عمله السياسي، أقل ما يقال فيه بأنه مقاومة العين للمخرز. واعتقاله وترحيله هو أحد تجليات الصراع السياسي بين فريقين كرديين، من خارج كرد سورية، هما العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان، والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. وهذا الاعتقال سببه الرئيس محاولة فرض الهيمنة وانتزاع الاعتراف بسلطة حزب ب ي د من المجلس الوطني الكردي في سورية. حزب الاتحاد الديمقراطي، بوصفه فرع حزب شمولي عسكري، هو العمال الكردستاني، يرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية لنهجه وسلوكه وممارساته. وأي حركة احتجاج أو مظاهرة أو اعتصام معارض، مهما كان صغيراً ومحدوداً، يعتبره حزب ب ي د، نذير شؤم، ينبغي منعه بأي شكل من الأشكال".

أسباب مباشرة ومظاهرة

يرى الكاتب "خوشمان قادو" في تصريحه لـ (حكاية ما انحكت) أن "الاعتقال كان نتيجة حالة الصراع الطويل والاحتقان بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، أما الأسباب المباشرة فهي اتهام برو بأنه طالب المجتمع الدولي بوضع وحدات حماية الشعب (YPG)  (الفرع العسكري لحزب الاتحاد) على قائمة الإرهاب، بالإضافة إلى مساعيه للإساءة إلى تجربة الإدارة الذاتية".

عقب حادثة الاعتقال، والتي وقعت في 13/02/2016، خرجت مظاهرة بنفس اليوم مطالبة بإطلاق سراح برو، وقد تضمنت عشرات الأكراد المعارضين لسياسة حزب الاتحاد الديمقراطي، يقول قادو لـ (حكاية ما انحكت) "المظاهرة لن تؤثر إلا بشكل قليل، لأن حزب الاتحاد الديمقراطي ينظر إلى المظاهرات على أنها مرتبطة بأجندات خارجية وهي ليست في إطار المعارضة، بالإضافة إلى أن هذه المظاهرات رد فعل كيدي على بعض ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي وليست في إطار تنظيمي هادف لتغيير سياسة هذا الحزب".

https://www.youtube.com/watch?v=f9H_S1MQScM

يكاد الصراع بين حزب الاتحاد الكردي والمجلس الوطني الكردي يتقاطع مع ذلك الذي بدأ في بداية الثورة السورية بين التجمعات المدنية المعارضة ونظام بشار الأسد، ففي تلك الآونة، بدأت الذراع الأمنية للنظام باعتقال المتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم، في حين أنهم استمروا في العديد من المحافظات بالمظاهرات السلمية، وهو ما يحدث اليوم في المدن التي يسيطر عليها هذا الحزب في الشمال السوري، ومنها مدينة القامشلي، فحتى اليوم لم يدعُ المجلس الوطني إلى حمل السلاح.

(الصورة الرئيسية: إبراهيم برو. المصدر: فيسبوك)