تعيش مدينة جرابلس صراعاً وجودياً منذ عام 2013، عندما قام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالسيطرة على المدينة، مما أدى إلى نزوح عدة عشائر، ومنها عشيرة الجوادرة البالغ عدد عائلاتها سبع عشرة عائلة.
وجرابلس من أوائل المدن السورية المشتركة بالثورة في مرحلتيها السلمية والمسلحة، ففي الشهر الخامس من 2011، قام مجموعة من النشطاء فيها بتأسيس "مجلس أحرار جرابلس"، والذي كان مسؤولاً عن تنظيم المظاهرات ونقلها إلى وسائل الإعلام، إضافة إلى دعم الثورة مادياً في المدن الأخرى، لكن وبعد أن حاولت قوات الأمن قمع النشاط الثوري فيها قام الأهالي بطردهم وتحريرها عام في تموز 2012.
بين داعش وقوات سورية الديمقراطية والجيش الحر والكتائب الإسلامية، تعيش جرابلس منذ أعوام صراعاً دامياً، فالمدينة التي تقع على الحدود السورية التركية، وتتبع إدارياً لمحافظة حلب شمال سوريا، تُعد ذات أهمية بالغة لمن يسيطر عليها، لأنه يسيطر على معبر هام بين سورية وتركيا، وعلى طرق إمداد الذخيرة والعتاد والمحروقات بين البلدين، إضافة إلى تحكمه بالقرى والمدن المحيطة بجرابلس، سواء في سورية أو في تركيا.
عن هذه الأهمية يقول الصحفي والناشط في حقوق الإنسان أيمن مصطفى محمد من مدينة جرابلس لـ (حكاية ما انحكت) "تكمن أهمية جرابلس في أنها بوابة مدينة حلب من الجهة الشرقية، فالثوار انطلقوا منها في شهر 7 من عام 2012، وحرّروا منبج فالباب فأحياء حلب الشرقية، ومنها انطلق تنظيم الدولة نحو منبج فالباب فالطبقة والرقة مطلع عام 2014. كما أنها أوّل مدينة سورية حُررت بالكامل من قوات النظام، وأوّل مدينة أعلنها تنظيم الدولة إمارة تابعة له في سورية، لذلك يتصارع 3 أطراف بهدف السيطرة علی جرابلس: تنظيم الدولة الذي يتمترس في المدينة بعيد خسارته لمدينة منبج الاستراتيجية، فهي آخر مدينة للتنظيم على الحدود مع تركيا، ولقربها من دابق التي لها رمزية دينية عند التنظيم، الطرف الثاني قسد )قوات سورية الديمقراطية) الذي يهدف لوصل عفرين بعين العرب، والطرف الثالث هم الثوار الذين يسعون لاستعادة جرابلس وربطها بأعزاز والتوجه لتحرير منبج والباب وفتح طريق جديدة نحو حلب من الجهة الشرقية"
الدعم التركي
دخلت قوات "درع الفرات"، مدعومة بمدرعات تركية وبطائرات التحالف مدينة جرابلس بعد سنتين من سيطرة داعش عليها، وقد بدأت المعركة بدخول "درع الفرات" إلى القرى الغربية المطلة على جرابلس، ما جعل مقرّات داعش في مرماها، وبعد عشر ساعات انسحب التنظيم من المدينة فدخلتها المعارضة، ولعلّ من أهم الأسباب التي دفعت تركيا للزج بقوتها في معركة جرابلس، قطع الطريق على القوات الكردية التي بدأت تتمدّد في الشمال السوري، خصوصاً بعد أن سيطرت الأخيرة على مدينة منبج شمال شرقي حلب، والتي تبعد ثلاثين متراً فقط جنوبي جرابلس، ويعلّق أيمن محمد عن أهمية هذه المعركة بقوله "بالنسبة لتركيا، فهي قد أفشلت مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي pyd الذي يسعى لوصل مناطق سيطرته في عين العرب "كوباني" بعفرين" شمالي حلب، فعدم سيطرة الوحدات الكردية التابعة لميليشيات قسد على جرابلس تعني فشل مشروعها في الشمال السوري، ولهذا فهي تشكل أهمية لتركيا لإفشال المشروع الانفصالي الكردي".
لا شك في أنّ الدعم التركي لن يكون مجانياً، فتركيا ستفرض شروطها على الشمال السوري ليس فقط في ما يتعلق بالأكراد، بل أيضاً بالنسبة إلى كافة الأحزاب السياسية، لكن ما ستكون هذه الشروط؟، يجيب أيمن "الدعم اقتصر على الإسناد الجوي والمدفعي، عكس ما يقدمه التحالف الدولي لميليشيات قسد أو الذي تقدمه إيران وروسيا لنظام الأسد، من تكريس مطارات وتقديم أسلحة ومستشارين عسكريين على الأرض، كل طرف يدعم له شروطه، وهذا الشيء لا نستطيع إنكاره، فلتركيا مصالح في سوريا كما روسيا وأمريكا وإيران، ولكن مواقف تركية تجاه الثورة السورية، والتي دفعت الكثير جرّاء مواقفها المنحازة لثورة السوريين واحتضانها لثلاثة ملايين لاجئ على أراضيها جعلها أقرب إلى السوريين وثورتهم من أي طرف أخر، فعملية تحرير جرابلس لم تشهد دماراً ولا عمليات تطهير عرقية ولا جرائم بحق المدنيين عكس كافة الأطراف التي تقاتل في سوريا".
مستقبل الشمال السوري
كانت معركة جرابلس مفصلية في الحرب السورية، فسيطرة المعارضة عليها، وضمناً سيطرة تركيا، سيعطي بداية لإقامة منطقة عازلة تخلو من الميليشيات الإسلامية أو الكردية أو قوات النظام، ولعل ذلك جاء بعد تفاهم تركي روسي، إذ أن روسيا لم تكن تقبل أبداً بهذه المنطقة من قبل، كما لم تكن تقبل بالتدخل التركي في الشمال السوري، يقول أيمن محمد "في القريب العاجل سيتم نقل حكومة المعارضة إلى جرابلس، وقد يكون هذا أهم إنجاز للمعارضة على مستوى تفعيل العمل المؤسساتي في الداخل المحرّر، أما على المستوى العسكري، فإنّ فصائل المعارضة السورية المسلحة ستضع حداً لمحاولات ميليشيات قسد بالتقدم غربي الفرات، كما سينحسر وجود تنظيم الدولة شمالي سوريا، وهو الأمر الذي يعطي للمعارضة السورية ورقة إضافية في شمالي حلب".
(الصورة الرئيسية: منظر عام في جرابلس/ أيمن محمد/ خاص حكاية ما انحكت)