ما حال المناطق التي يستعيد النظام السيطرة عليها؟


ماذا حل بالمناطق التي أعاد النظام سيطرته عليها؟، هل عاد إليها الأهالي؟، أم لم تزل فارغة؟، وهل يسعى النظام إلى جلب أناس غرباء بغية تغيير ديمغرافي يمهد لتقسيم سوريا ويقمع أي تحرك شعبي ضده في المستقبل؟.

09 أيلول 2016

دخل النظام إلى حمص القديمة في الشهر العاشر من عام 2014 بعد خروج المعارضة المسلحة منها، والذي ترافق بخروج أبنائها. منذ ذلك الوقت اختفت أحياؤها بشكل شبه كامل عن وسائل الإعلام، في حين تحتل الأحياء التي تشهد اضطراباً أو حصاراً سائر الأخبار.

ماذا حل بالمناطق التي أعاد النظام سيطرته عليها؟، هل عاد إليها الأهالي؟، أم لم تزل فارغة؟، وهل يسعى النظام إلى جلب أناس غرباء بغية تغيير ديمغرافي يمهد لتقسيم سوريا ويقمع أي تحرك شعبي ضده في المستقبل؟.

https://www.youtube.com/watch?v=GoAXpyCwMZI

وهم ُإعادة الإعمار

في شهر تموز 2016، تعاقد مجلس محافظة حمص التابع للنظام مع مشروع الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة إعمار حمص القديمة بعد أن دمرتها الحرب، مبتدئين من السوق المسقوف الأثري، حيث احترقت معظم محلاته أثناء الاشتباكات بين القوات الموالية والمعارضة، كما دُمرت أجزاء منه، لكن إعادة الإعمار لا تعني عودة المهجرين بالضرورة، وهو ما يؤكده الإعلامي ثائر الطحلي من حمص القديمة لـ (حكاية ما انحكت)، فـ " منذ أن تمكن النظام من السيطرة على أحياء حمص القديمة، الخالدية والقصور وغيرها، روّج لعودة الأهالي إلى هذه المناطق وفتح باب الترميم، ففي الخالدية تم تشكيل لجنة من أبناء الحي تحت إشراف النظام لتقديم طلبات الترميم والعودة، وفعلاً انهالت على اللجنة مئات الطلبات من الأهالي الموجودين في أحياء الغوطة والإنشاءات والوعر للعودة إلى الخالدية، ولكن في كل مرة كان هناك عذر ما أو ذريعة لمنعهم من ذلك".

https://www.youtube.com/watch?v=Bih2MB8VZgo

لكن ما الذي سيفعله النظام في هذه الأحياء ما دامت خالية؟، يجيب الطحلي "في الآونة الأخيرة انتشرت مقولة عن نية النظام تحويل الخالدية إلى قطعة عسكرية لحماية بوابة المدينة الشمالية، وهذا ممكن، لأنه حتى الآن لا يسمح للأهالي بالعودة إلى الحي أبداً، أما بالنسبة لأحياء حمص القديمة كباب الدريب و باب السباع وبستان الديوان وغيرها فهناك عدد قليل من الأهالي عادوا إلى الحي ولكن قلة الخدمات التي يتعمّد النظام عدم إعادتها إلى هذه المناطق يحول دون عودة المزيد من السكان الأصليين".

التوزع الطائفي لسكان حمص ليس جديداً، فمنذ عشرات السنين لا يقطن في المدينة القديمة سوى عائلات سنية، في حين تنتشر العائلات العلوية في الأحياء الشمالية من المدينة ، "أحياء وادي الذهب والنزهة والزهراء والحضارة وضاحية الوليد". هذا التوّزع كان إحدى أهم الأسباب التي أجّجت الحرب طائفياً في المدينة، حيث استفرد النظام بالأحياء السنية وحوّل العلوية إلى ثكنات عسكرية تنطلق منها القذائف التي تدمر حمص القديمة، أما مشهد حمص الديمغرافي الحالي، وكما يؤكد الصحفي عماد غليون من مدينة حمص لـ (حكاية ما انحكت) فإنه "يتمثل بالشريط المحيط بحمص من الجنوب الشرقي باتجاه الشمال الشرقي وهو مكتظ بالمؤيدين للنظام ومعظمهم من طائفة واحدة، في مقابل ذلك، تبدو أحياء حمص القديمة وأسواقها المدمرة الخالية وأحياء غربي حمص من المحطة إلى الإنشاءات مكتظة بمن بقي من أهالي حمص الذين لم يتسنَّ لهم المغادرة".

تغيير ديمغرافي

بعد أن تمّت الاتفاقية بين المعارضة والنظام في داريا "نهاية شهر آب 2016"، والتي قضت بخروج المدنيين والمسلحين من المدينة مقابل دخول جيش النظام، نشرت جريدة الشرق الأوسط خبراً عن استقطاب النظام لثلاثمائة عائلة عراقية شيعية لإسكانهم في داريا، وذلك بالتعاون مع حركة النجباء العراقية، إحدى الميليشيات الطائفية المسلحة في العراق، حيث تُمنح كل عائلة راتباً قدره ألفا دولاراً وبيتاً للسكن، هذا الخبر الذي لم يؤكَّد أو يُنفَ على أرض الواقع يُعد خطيراً وغريباً في آن، فهو يعني إعادة توطين لأناس ليسوا بسوريين على أرض سورية، وبالمقابل نتساءل عن فائدة ذلك بالنسبة إلى مستقبل النظام، حيث إن بإمكانه أن يوطِّن سوريين موالين له بدلاً من جلبه أناساً أغراب، إلا إذا كان مُجبراً على ذلك مقابل تقديم الميليشيات العراقية الدعم المادي والحماية له.

https://www.youtube.com/watch?v=RghNInp_bwE

يعلق الناشط كرَم الشامي من مدينة داريا، والذي خرج خلال الاتفاقية لـ (حكاية ما انحكت) بقوله " داريا غير صالحة للسكن بشكل أولي، ويلزمها أصلاح البنية التحتية، أتوقع أن دخول العراقيين إليها اليوم ليس أكثر من زيارات مؤقتة للمقام الشيعي، ولا أدري حقيقة إن كان هناك مشروع حقيقي لإقامة مستوطنات شيعية في المدينة، خصوصاً أن عشرات الألوف من العائلات الدارانية ما زالت تقطن محيط مدينة داريا".

طوال تاريخها، لم تشهد سوريا عودةً معقولة لمهاجرين غادروها، ربما يعود السبب إلى أنها لم تشهد حالة استقرار سياسي واقتصادي يشجع على العودة، وخلال الحرب السورية، حتى في المناطق التي عاد إليها الهدوء، لم يعُد أغلب من هاجروا، فما ينشره النظام عبر وسائل إعلامه من تشجيع على عودة المهجرين شيء، وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر، إذ أنه يضع العراقيل لمنع هذه العودة، هكذا بقيت الأحياء التي تحت سيطرته إما شبه خالية ومدمَّرة، مثل بابا عمرو وأحياء حمص القديمة، أو تحولت إلى ثكنات عسكرية مثل داريا، "فما يشجع على عودة النازحين توّفر درجة معقولة من الأمان في البلاد"، كما يؤكد عماد غليون لـ (حكاية ما انحكت)، "خاصة أن الكثير ممن غادروا هناك ملفات أمنية وملاحقات بحقهم من قبل النظام، إضافة إلى ذلك، فإن المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة والتي احتلها النظام ودمرها بشكل شبه كامل قام بتغيير صفتها التنظيمية ليمنع عودة سكانها إليها، هذه الحالة تنطبق على بابا عمرو والأحياء القريبة منه في الغرب".

(صورة المقال: حمص القديمة، حي الصفصافة، المصدر: عدسة شاب حمص، فيسبوك، ألتُقطت الصورة بتاريخ 06/06/2014)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد