عن اتفاقية حي الوعر وتقسيم سوريا


يُعد حي الوعر مفصلياً في سيطرته على حمص، فهو ورقة يستطيع النظام الاستفادة منها لفرض شروطه، وبمعنى أدق، تستطيع روسيا أن تفرض هذه الشروط على الولايات المتحدة، لأن هذا الحي يحوي نازحين من كافة أحياء حمص وريفها، ويشهد كثافة سكانية عالية، كما أنه يحوي على كثير من المؤسسات الخدمية.

21 أيلول 2016

بعد الاتفاق الأخير بين المعارضة والنظام، والذي قضى بأن يدخل الأخير إلى حي الوعر، وأن يخرج جميع مسلحي المعارضة برفقة أسرهم إلى محافظة إدلب، ويُقدر عددهم بـ 1000 شخص، مقابل إفراج النظام عن مائتي معتقل في سجونه وفتحه للطرق وإدخال المساعدات بإشراف الأمم المتحدة، يتحوّل الوعر آخر أحياء حمص الخارجة عن سيطرة النظام إلى حيٍ موالٍ، تابعاً بذلك باقي أحياء حمص التي دخلها النظام عام 2014 إثر اتفاقية تم التوقيع عليها آنذاك، ونصَّت على خروج المسلحين مع أسرهم، لكن الفرق بين الاتفاقين أنّ الأخير سمح ببقاء المدنيين الذين لا يوجد لديهم شباب مسلحون بالبقاء في حي الوعر، وبالتالي فإن الحيَّ لن يشهد تهجيراً شاملاً على غرار ما حدث في داريَّا بريف دمشق، علماً أن عدد المدنيين فيه يقترب من مئة ألفاً يعانون من نقص حاد في الأدوية والمواد الغذائية.

لماذا فشل الاتفاق؟

انسحبت الأمم المتحدة من رعاية الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه أوخر شهر أغسطس 2016، ما دفع أهالي الوعر إلى رفضهم للخروج منه، علماً أن "هذا الاتفاق لم يكن في صالح المدنيين"، حسبما صرح الصحفي ثائر الطحلي من مدينة حمص لـ (حكاية ما انحكت)، "لأن المرضى والجرحى في حي الوعر ليسوا بحاجة إلى ترك ديارهم لتلّقي العلاج، كان من الأجدر بالأمم المتحدة التي تهرّبت من رعاية الاتفاق أن تقوم بتزويد الحي بالمستلزمات الطبية من أدوية ومعدّات لكي تعود المشافي والمراكز الطبية للعمل داخل الحي.. بدلا من ذلك يعود النظام اليوم إلى تهديد حي الوعر من جديد بعد أن فشل في تهجير الدفعة الأولى حين رفض أهالي الوعر الخروج دون ضامن من الأمم المتحدة لأنّ النظام عوّدنا على عدم الالتزام بالاتفاقات أو العهود، وبالتالي لا يوجد أي ضامن من أن يقوم بالانتقام من هؤلاء الخارجين من الحي وهم في طريقهم إلى إدلب".

سوريا المفيدة

في 1/07/2013، قامت قوات النظام بقصف مبنى البلدية في حمص، حسبما صرحت اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وهو يضم دائرة السجل العقاري الخاصة بسندات الملكية العقارية وسجلات المساحة العقارية التي يعود تاريخها إلى ثلاثينيات القرن الماضي، هذا الحدث قُصد به مسح الوثائق التي تؤكد ملكية الأراضي والعقارات لأهلها النازحين أو المهجرين، ضمن خطة إعادة توطينها بأناس جدد موالين للنظام، ما يُعرف بالتغيير الديمغرافي لسوريا، لكن هذه الخطة، وكما يصرح الكاتب عماد غليون لـ (حكاية ما انحكت) "كانت قد بدأت منذ عام 2012، عندما تم تهجير سكان حي بابا عمرو بعد دخول النظام إلَيه، إذاً علينا أن ننظر إلى المسألة كما يراها النظام، فهو يتبع مخططاً دقيقاً لتغيير جغرافية سوريا، عبر خلق بيئة حاضنة له في المناطق التي يستعيد السيطرة عليها بدلاً من أن تكون حاضنة للثورة".

(سوريا المفيدة)، ذلك المصطلح الذي تحدث عنه بشار الأسد في إحدى خطاباته عام 2015، شارحاً إياه بأنّه تركيز قواته على مناطق دون أخرى تبعاً لأهميتها، أثار ضجة حول نوايا النظام في تقسيم سوريا، ويُعد حي الوعر مفصلياً في سيطرته على حمص، فهو ورقة يستطيع النظام الاستفادة منها لفرض شروطه، وبمعنى أدق، تستطيع روسيا أن تفرض هذه الشروط على الولايات المتحدة، لأنّ هذا الحي يحوي نازحين من كافة أحياء حمص وريفها، ويشهد كثافة سكانية عالية، كما أنه يحوي على كثير من المؤسسات الخدمية (البريد، الهاتف، المحكمة العدلية)، إضافة إلى الكلية الحربية، ويضيف عماد غليون أنّه "في النهاية لن يهم النظام أن يبقى البعض أو أن يخرج الجميع، ما يهمه هو خنوع من سيبقى، لتصبح الأغلبية مؤيدة له، وبهذا يبرّر للمجتمع الدولي عدم تقسيمه سوريا على أساس طائفي، مثال على ذلك ما حدث في الساحل السوري، حيث تتواجد آلاف العائلات السنية التي نزحت من حلب وإدلب في مدن مؤيدة للنظام الذي لا يعد وجودهم مشكلة، فالأهم بالنسبة إليه أن تصبح تلك العائلات أقلية في وسَط علوي مؤيّد له، في خطة شبيهة بما فعلته إسرائيل عندما حوَّلت الوجود العربي في القدس إلى أقلية، والذين أصبحوا يُسمَّون عرب 48".

لماذا إدلب؟

كان ملفتاً كم النزوح الكبير إلى محافظة إدلب خلال الأشهر الأخيرة، فقد رحل أغلب المدنيين من مدينة داريَّا إلى إدلب، واتفاق الوعر ينص على أن يرحل أبناؤه إلى هذه المحافظة دون غيرها، صحيح أن إدلب بقيت هي الوحيدة المحرّرة بالكامل من النظام، لكن هذا التهجير يشي بنية من النظام وحلفائه تقسيم سوريا في المستقبل، عبر حصر تواجد المعارضة في هذه المحافظة فقط.

يشير عماد غليون إلى أن "تركيا تسهم في عملية التقسيم هذه، من خلال دعمها لوجود المعارضة في إدلب، تمهيداً لأن تصبح المحافظة شبه منفصلة عن بقية المناطق السورية، وبالتالي تتحول إلى ورقة ضغط من قبل الحكومة التركية على أعدائها".

من جانب آخر، يقول سامي القرجي، الناشط والإعلامي من مدينة إدلب لـ (حكاية ما انحكت) إن "السبب يعود لإدراك النظام أن ادلب خرجت عن سيطرته بالكامل، وأنّها تمتلك أكبر قوة عسكرية معارضة لذلك ألغى فكرة إعادة احتلاله لها وأخرجها من مخططاته، الجميع يتحدث اليوم عن فكرة التقسيم، ولكن لن ترضى المعارضة الموجودة على الأرض بذلك، ولا يمكن لأحد أن يأخذ عنها قرار بالوكالة، والنظام يدرك ذلك، كما أن إدلب مدينة لا تمتلك موارد لتكون مستقلة، والثائرون فيها لهم رفاق في كافة المحافظات، وسوف يصلون إليهم يوماً".

صورة المقال:  صورة لافتة حملها أطفال الوعر خلال الحصار بتنظيم من التجمع المدني، المصدر: صفحة التجمع، فيسبوك.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد