التلوث الناتج عن الصراع والأذية المدنية: أسلوب تعاطي جديد
غالباً ما غاب عن نقاشات أساليب قتال الحروب اجمالاً، الأذى البيئي الناجم عن الحروب والصراعات، وتحديداً ما يمكن فعله للحدّ من الآثار السلبية على المدنيين الناجمة عن الضرّر البيئي المرتبط بالصراع.
الصراع الدائر في سوريا اليوم، إثر سنوات من القصف والتدمير في البلاد سيكون له بالتأكيد تداعيات طويلة الأمد على: البيئة، الموارد الطبيعية، التعافي الاقتصادي، وبالنتيجة، معيشة المدنيين.
يبدو من الغرابة الكتابة عن البيئة في سوريا بينما تحترق البلاد، حيث مئات الألوف قتلوا أو شوّهوا بسبب السلاح، الملايين من اللاجئين، ومدن بأكملها تحوّلت لركام. يكاد يبدو من غير اللائق الحديث عن البيئة، بوجود كلّ هذه الأولويات الإنسانية المتنافسة للمدنيين السوريين.
مع ذلك، وعلى الرغم من تقدير هذه المخاوف، تسعى هذه المقالة للحديث عن الأهمية الحتمية للبيئة من حيث حماية المدنيين خلال وبعد الحرب، نظراً لاعتماد الناس على البيئة، التي يتراجع وضعها بسرعة في العالم أجمع، لذا لم يعد بالإمكان إهمال الموضوع.
كيف ستبدو سوريا خلال عشر سنوات؟ ولم على الفاعلين فيها التعاطي مع البيئة على أنّها قضية مهمة؟
تهدف هذه المقالة لشرح الارتباطات بين الصراع، البيئة والصحة العامة، وتطرح الرأي القائل بأنّه دون إعطاء اعتبار للأذى البيئي، وبالتالي الصحي، في التخطيط للتعافي وإعادة الإعمار، سيواجه المدنيون تهديداً إضافيا من حرب كلّفت إلى الآن الكثير جداً من الأرواح.
جذور الصراع والآثار البيئية
يمكن للحروب أن تترك مخلّفات سامة تؤثر كثيراً على صحة ومعيشة المدنيين ومجتمعاتهم لوقت طويل بعد توّقف دوّي المدافع. في حقبة تراجع بيئي مضطرد نتيجة التغيير المناخي، التوسع العمراني الهائل، وتراجع جودة الموارد الطبيعية، فإنّ وضع البيئة ذو أهمية متزايدة للمجتمعات ليس فقط من منظور صحي، بل أيضاً من حيث الفرص الاقتصادية – المجتمعية وممارسات بناء السلام، لمنع الصراعات المحتملة على الموارد المحدودة1.
الأمثلة التاريخية على الحروب وآثارها البيئية وافرة. خلال حرب فيتنام، كان للاستعمال الواسع للعامل البرتقالي، وهو مبيد سام للنباتات يسقط أوراق الأشجار، استعملته الولايات المتحدة الأميركية، أثراً كبيراً على مئات الآلاف من المدنيين الفيتناميين، مسبّباً مجموعة من المخاطر الصحية المهدّدة للحياة التي لا تزال آثارها باقية ليومنا هذا.
جلبت حروب الخليج الدمار للعراق والكويت على عدّة مستويات: حرق صدام حسين لـ 700 بئر نفط كويتي، الهجوم الذي تبعه من قبل قوات التحالف على البنية التحتية الصناعية للعراق، الاستعمال الواسع لذخائر اليورانيوم المنضّب من قبل الولايات المتحدة الأميركية، تجفيف الأهواز العراقية كعقوبة لعرب الأهواز، وفي عام 2003، التدمير الأوسع للمناطق الصناعية، ترك كلّ ذلك سلاسلاً من مخاطر التلوّث على المدنيين. زاد الأمر سوءاً انهيار الحوكمة البيئية في العراق ما بعد الاجتياح، والتي كان من المفترض في وقت السلم أن تنظم الإدارة والتخلّص الآمنين من المواد الخطرة.
حصلت تهديدات تلوّث مرتبطة بالصراعات، مشابهة لذلك في نزاعات أخرى خلال العقدين الماضيين. خلال صراعات البلقان (1992-1995، 1999) أدّى استهداف المواقع الصناعية ومصافي النفط إلى تلويث مصادر مياه الشرب والتربة، ممّا دهور الأوضاع المعيشية للمجتمعات المحلية. في السودان، كانت البيئة مسبّباً وضحية للنزاع، خاصة بعد اكتشاف احتياطات النفط والغاز عام 2005، تنازعت الصراعات على الوصول لهذه الموارد. تكتيكات الأرض المحروقة، تدمير الموارد الطبيعية، إلقاء النفايات والذخائر غير المنفجرة (UXO) ، أثرت جميعها بشكل رهيب على الصحة العامة والاستجابة الإنسانية للملايين من الناس، في حين يبقى غياب الحوكمة البيئية والتجارية للموارد النفطية تهديداً صحياً إلى اليوم.
في حرب 2006 بين حزب الله واسرائيل، كان للاستعمال الواسع للذخائر العنقودية، ومشاكل إزالة الذخائر غير المنفجرة الناجمة عنها ومخلّفات السلاح، والاستهداف الاسرائيلي المتعمّد لمحطات تخزين الطاقة الحرارية، أثرها على البيئة والموارد الطبيعية اللبنانية. نتج عن العدوان الاسرائيلي على غزة (2008، 2012 و2014) الملايين من الأطنان من الركام المختلط بالمواد الخطرة، تلّوث ثنائي الفينيل متعدّد الكلور ومشاكل في إدارة النفايات. لا تزال السلطات الفلسطينية المحلية والمنظمات الدولية تعاني في جهود معالجة مستمرّة للحدّ من مخاطر تعرّض المدنيين لهذه الملوّثات.
تمّ تغطية الصراعات آنفة الذكر إعلاميا بشكل واسع نتيجة الحرائق النفطية الهائلة، المواقع الصناعية المدمرة والأراضي المدمرة بالسموم. مع ذلك هناك آثار بيئية لا تظهر فوراً للعيان. التعرّض المستمر لمياه الشرب والتربة والهواء الملوثين، والعمل في إزالة الركام والنفايات الخطرة قد يحتاج أشهراً، أو سنوات أو عقوداً لتظهر آثاره. حتى التدهور البيئي الناجم عن انخفاض مستويات المياه، الأراضي الزراعية المتضرّرة، والموارد الطبيعية المتضائلة قد يستغرق وقتاً ليسبّب صراعات عنيفة جديدة على استعماله والوصول اليه.
الأوضاع البيئية السورية ما قبل الصراع
كان وضع البيئة في سوريا حتى قبل بداية الحرب بائساً نتيجة سوء إدارة الموارد المائية، ازدياد الجفاف، غياب المعايير والتشريعات البيئية لقطاع الصناعة المتنامي، تحديداً في مجالات البتروكيماويات، الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية. كان لكلّ ذلك أثراً جدّياً على مستويات التلوّث المائي والهوائي، والتي ارتفعت باستمرار قبل عام 2011. بالإضافة لذلك، فإنّ غياب نظم إدارة النفايات الفعالة لمنع تلوّث التربة بسبب النفايات المنزلية والصناعية، وأيضاً بازدياد لصناعة التنقيب المتنامية، أضعف جودة التربة والهواء.
هناك رأي قوي قائل بأنّ الظروف البيئية المتدهورة نتيجة التغيير المناخي لعبت دور ما يسمى بـ "مضاعف التهديد" لاندلاع الصراع: الجفاف أدّى لمشاكل زراعية، سرّعت من ازدياد التوّسع العمراني والبطالة، ما زاد الحنق على ارتفاع الأسعار والتوترات بين مختلف الجماعات حول الفرص الاقتصادية - المجتمعية. لم يبت بعد بشأن العلاقة السببية لهذا المفجّر المفترض، إلا أنّه من الوارد أن تكون البيئة قد لعبت دوراً في هذا الأمر.
كيف دمرت الحرب البلد؟
منذ اندلاع الانتفاضة السلمية ضد الرئيس الأسد والحرب التي تلتها، يصعب بدقة تقدير سلسلة الآثار الناجمة عن التدمير البيئي على الصحة العامة، على الرغم من أنّه تمّ القيام بعدّة محاولات مبدئية لذلك. في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، نشرت باكس، وهي منظمة غير حكومية هولندية تعمل على بناء السلام والنزع الإنساني للسلاح، دراسة تحليل واسع أولي حول الأثر البيئي والصحي العام للصراع. ذكر التقرير 4 قضايا رئيسية ناتجة عن النزاع:
(1): استهداف وتدمير المنشآت الصناعية والبنى التحتية المفصلية
الضرر الواسع لهذه المواقع بالإضافة للقواعد العسكرية، قد يوّلد بؤر ملوّثة نتيجة الكميات الضخمة من المواد الخطرة والسامة المتواجدة في هذه المواقع، علماً أنّ المناطق الصناعية المحيطة بحلب وحمص ودمشق ذات خطورة خاصة.
(2): الأضرار الهائلة في الأحياء السكنية والتعرّض للردم الخطر
مع التدمير أو الضرر الكبير الذي لحق بأكثر من 60% من المناطق السكنية والصناعية الخفيفة في سوريا، هنالك الملايين من أطنان الركام، غالباً ممزوجة بمختلف أنواع النفايات الطبية والمنزلية والصناعية، كالحرير الصخري وغيره من المواد الخطرة. يمكن لهذا أن يسبّب أخطار تعرّض محدقة وطويلة الأمد للمدنيين القاطنين هناك أو العائدين إلى هذه المناطق، وقد يعاني هؤلاء من مشاكل تنفسية سامة سببها الغبار، أمراض جلدية وعلى المدى الطويل، سرطانات وتشوّهات خلقية نتيجة تلوّث الهواء ومياه الشرب بالمعادن الثقيلة.
(3): التلوّث الناجم عن المواد العسكرية والأسلحة
أكثر من 5 سنوات من الاستعمال المركز لمختلف أنواع الأسلحة، القنابل، الذخائر وغيرها من المواد المتفجرة نتج عنها انتشار الكثير من المواد السامة والمعادن الثقيلة في المناطق السكنية، وتحديداً معامل الذخائر يدوية الصنع التي توّظف الأطفال، كما أنّ الانفجارات غير المنظّمة لمواقع تخزين الذخائر والذخائر غير المنفجرة المتحلّلة قد تشكّل خطراً صحياً حقيقياً وتهديدات تلوّث طويل الأمد للتربة والمياه.
(4): انهيار الحوكمة البيئية
غياب البنى التحتية والخدمات لإدارة النفايات المتخصّصة قد يؤدي إلى مجموعة مخاطر صحية. تراكم أكوام النفايات في الطرقات قد يؤدي لانتشار الأمراض المعدية وإنشاء مواقع ردم ضخمة قد يؤدي لتلويث محلي للتربة ومياه الشرب، إضافة لذلك، نهب المواقع الصناعية يعني تعرّضاً مضاعفاً للعديد من المواد الخطرة، وقد يزيد من تدهور جودة التربة والهواء.
منذ نشر هذا التقرير في تشرين الأول /أكتوبر 2015، ظهرت عدّة قضايا مقلقة أخرى، فمن خلال تحليل الأقمار الصناعية لمواقع معينة في دير الزور، تمكنت باكس من إظهار النمو الهائل لمعامل تكرير النفط المرتجلة في هذه المواقع، عشرات الآلاف من هذه المصافي في ما لا يقل عن 37 موقع في شمال شرق سوريا يتم استعمالها الآن، وهي توّظف عشرات الآلاف من المدنيين، بما في ذلك آلاف الأطفال، معرّضة إياهم للأبخرة السامة والمواد الخطرة بشكل يومي، وقد أثرت هذه الممارسات أيضا على الأراضي الزراعية ومصادر المياه المحلية.
فضلاً عن الأثر المباشر في سوريا، فإنّ ملايين المهجرين واللاجئين قد تركوا بصمة بيئية في المناطق التي أنشئت فيها المخيمات، إذ تعاني دول كلبنان والعراق والأردن من تدّني مستويات المياه وإدارة النفايات داخل وحول المستوطنات العشوائية والمخيمات، حيث قد يصل عدد المستضافين إلى 120 ألفا في المخيّم الواحد (مثلا، مخيّم الزعتري في الأردن).
التعلّم من الماضي
يتيح الربط بين حالات تاريخية سابقة من التأثيرات البيئية ونتائجها على الصحة العامة مع الصراع الحالي في سوريا الفرصة لمزيد من الاستشراف لمستقبل البلاد والمخاطر المرجّح أن يواجهها المدنيون.
تشير الدروس المستفادة من حروب غزة وأيضا من المخاوف الصحية لدى عمال الإنقاذ الأميريكيين بعد 11 سبتمبر/ أيلول الذين تعرّضوا للركام والغبار الخطر إلى أنّ المدنيين وعمال الإنقاذ قد يواجهون آثاراً صحية طويلة الأمد. ومع الهجمات المستمرة على المناطق العمرانية مثل حلب، الرقة ودير الزور، من المرجح أنّ تظهر المزيد من مشاكل إدارة النفايات والركام في السنوات القادمة، ومعالجة هذه المخاوف بفعالية في الوقت المناسب قد يحول دون تعرّض المدنيين القاطنين في المدن وقرب المكبّات لمخاطر صحية جدية.
من المتوقع أنّه خلال فترة إعادة إعمار سورية سيكون هناك طلب كبير على الحجر والإسمنت لإعادة بناء المناطق العمرانية التي تضرّرت أو دمرت وهي لا تقل عن 60% من الأحياء في المدن، وسيعني ذلك غالباً ارتفاعاً حاداً في التنقيب والمقالع.
جرت عملية مشابهة في لبنان بعد عقود من النزاع العنيف وتدمير المناطق السكنية، نتج عن ذلك مئات المقالع أدّت لأضرار جسيمة على البيئة المحلية كانهدام التربة وتلوّث المياه الجوفية، علماً أنّ مواقع حفريات المناجم غالباً ما ينتج عنها نفايات استخراجية سامة، كالزئبق أو الزرنيخ، وقد تؤثر على جودة الهواء لعدّة أسباب، وهو ما كان إشكالياً حتى قبل الصراع في سوريا.
درس آخر من صراعات سابقة، تحديداً من حرب العراق 2003، هو انهيار الخدمات البيئية كجمع النفايات، ولكن أيضاً الأضرار الواقعة على بنى تحتية حساسة كمصافي المياه وأنظمة الصرف الصحي أدّت إلى انتشار الأوبئة في المدن والبلدات. رغم أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد بدأ بالفعل بالاستثمار في إنشاء خدمات جمع نفايات محلية في حمص وحماه ودمشق، فإنّ المزيد من الاستطاعة مطلوب في كلّ المناطق في سوريا لتقديم الأدوات الكافية لتتمكن المجتمعات المحلية من التعامل مع مشاكل النفايات، خاصة في المناطق التي تواجه أشدّ المعارك، ويتطلّب ذلك تأسيس وسائل فعالة لجمع وترحيل وتخزين النفايات الصلبة كالمقالب أو المكبّات.
يلي ذلك قطاع النفط والغاز. بهذا الشأن، هناك نقاط تشابه مع صراعات نفطية أخرى كتلك في دلتا النيجر والسودان يمكّنها أن تكون دليلاً لنا هنا. كما ذكرنا سابقا، هناك نمو هائل في مصافي النفط المرتجلة المشغّلة من قبل مدنيين. بما إنّ الحاجة للنفط لن تنحسر، من المؤكد أنّ هذه الممارسات ستستمر في الازدياد في السنوات القادمة. بينما يستمر التحالف بقيادة الولايات المتحدة والطيران الحربي الروسي باستهداف مصافي النفط المحترفة، سيسعى المدنيون لطرق بديلة للحصول على النفط المكرّر.
من الممكن أيضا توّقع أن يبدأ تنظيم الدولة الاسلامية باستعمال تكتيكات الأرض المحروقة. آخر الأمثلة هي تدمير حقل غاز الشاعر قرب تدمر وإشعال أكثر من دزينة آبار نفطية في القرية بالعراق. بوجود مئات الابار النفطية في محافظة دير الزور، من المرجح أنّه، وتحت ضغط خسارة المواقع فيها، قد توّظف تكتيكات مشابهة من قبل داعش في سوريا أيضاً. قد يؤدي ذلك لنتائج كارثية مباشرة وطويلة الأمد على الصحة العامة في هذه المنطقة، بالأخص على نوعية الهواء وتلوّث التربة ومصادر المياه. ومن منطلق اقتصادي-مجتمعي، يجب التعامل مع إدارة مناطق ما بعد الصراع الغنية بالنفط بشكل سريع، متضمّناً جميع المعنيين والمجتمعات المحلية لمنع الخلافات على الملكية، مخاوف الصحة البيئية وعوائد الواردات.
لدى العراق تحديداً عدّة تشابهات جيولوجية وسياسية مع سوريا، ويمكن أنّ يكون نموذجاً مفيداً للتعلّم منه. فقط بعد توفير التمويل عام 2007 تمكنت الحكومة العراقية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة البيئي UNEP البدء بتحديد المواقع الساخنة بيئياً، إعادة بناء المؤسسات الوطنية، وضع التشريعات التي تنظّم وتراقب العادات البيئية وتنفذ آليات المراقبة. مع ذلك تعجّ البلد بالمشاكل البيئية نتيجة الخلافات الداخلية بين الوزارات حول صلاحياتها، والضعف الناجم عن الفساد وعدم كفاية الموارد لمعالجة القضايا البيئية المستعجلة. كافة الأعمال الجارية معرقلة بحدّة طبعاً بالمعارك ضد الدولة الإسلامية مما عجّل تدمير الموارد الطبيعية.
تحديد أولويات الصحة البيئية
بما أنّ سوريا ستتصارع مع العديد من الأولويات الإنسانية والاقتصادية – المجتمعية المتنافسة خلال فترة ما بعد النزاع، من الضروري تحديد أكثر المخاطر الصحية البيئية إلحاحاً وخطورة بأسرع وقت ممكن. يتضمن ذلك البدء بجمع المعلومات حول أنواع المشاكل البيئية الحاصلة وأين، وتقديم هذه المعلومات للمنظمات الدولية والبرامج الإنسانية المناسبة للمساهمة في إرشاد سياساتهم وإعمال إعادة الإعمار التي يقومون بها. إلا أنّه لا يوجد حالياً نظام أو منظمة شاملة تجمّع وتحلّل وتشارك هذا النوع من تقييم المخاطر مع المجتمع الإنساني الأوسع.
معرفة أين قد تظهر المخاطر الصحية يتطلّب التحديد المبكّر لبؤر التلوّث المحتملة. هذه المعلومات مفصلية لإرشاد الاستجابات المباشرة من خلال الشركاء المحليين أو البنى الحكومية، في فترة ما بعد النزاع، لتسريع المساعدات والمعالجة. كما يتطلّب مراقبة المخاطر البيئية أثناء ظهورها إمكاناتا وخبرات، إلا أنّه ما فتئ يصبح متاحاً أكثر من خلال موارد بيانات متنوّعة، كمراقبة أدوات التواصل الاجتماعي، تحليل الأقمار الصناعية، تقييم أضرار المناطق المدينية والزراعية، وعلم المواطنين.
القطاعات الخاصة والصناعية وغيرها من الفاعلين المعنيين من المجتمع التجاري السوري لهم دور مفصلي في عملية التعافي كوّنهم يملكون ثروة من المعارف حول الصناعات المتوّفرة. كما أنّهم سيكونون شركاء ضروريين في أيّ جهود ساعية لترويج حلول مستدامة بيئياً حينما ينتهي الصراع. الاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة كالطاقة الشمسية بازدياد في سوريا ابتداء، وكذلك في مخيمات اللاجئين. بالإضافة لذلك، إعادة التفكير في الأولويات الصناعية والانتقال للطاقة المتجدّدة، كما الإدارة الحكيمة للمياه والأراضي، قد تسهم في إعادة بناء اقتصاد سوري أفضل وأرفق بالبيئة.
إلّا أنّ تجارب إعادة البناء السابقة لا تبشّر بالخير: عمليات إعادة الإعمار التقليدية شهدت تأسيساً هائلاً لنشاطات صناعات ثقيلة لإطلاق الاقتصاد بقوة، الأمر الذي كثيراً ما سبّب قحطاً سريعاً في الموارد الطبيعية وأضراراً بيئية شديدة، ولنا في العراق مثال عملي على ذلك. فضلا عن ذلك، فإنّ غياب الرقابة على المستثمرين والتشريعات قد تؤدي بسهولة إلى توّرط فاعلين مريبين، مما ينتج عنه فساد وتسريب لموارد تمويل التعافي الضرورية، كما حدث في العراق وأفغانستان.
يمكن للتعلّم من الآثار البيئية على الصراعات السابقة إرشاد تصميم آليات استجابة أكثر سرعة وفعالية للدول المتأثرة والمنظمات الإنسانية. عدّة مقاربات يتم حالياً استكشافها من قبل الخبراء ومنظمات الأمم المتحدة، بما في ذلك عمل وحدة البيئة المشتركة لمكتب تنسيق الشؤون الانسانية OCHA وبرنامج الأمم المتحدة البيئي UNEP لإدراج البيئة ضمن الأعمال الإنسانية بصورة تلقائية (مثلا بما يتضمن التقييمات البيئية في تخطيط العمليات أو تقديم الاستشارات للمنظمات المحتاجة للخبرات).
يوجد هنالك مجموعة غنية من الأدوات والإجراءات للتقييم والتعافي البيئي، رغم أنّ هذه المقاربات غالباً ما تكون مفتّتة أو غير منسّقة. قد يساعد تأسيس منظومة أدوات ممنهجة، مسؤوليات واضحة، مصادر مالية ونظام تنسيق على الحدّ من أذى المخاطر البيئية على المدنيين، ويوّفر آليات استجابة سريعة وفعالة للأضرار البيئية ويضمن أنّ البيئة مدرجة بشكل كامل ضمن خطط التعافي، بالإضافة لذلك، فإنّ بناء مؤسسات قوية وقادرة، وضع وتنفيذ القوانين، والاستثمار في تحديد البؤر البيئية المحتملة في سوريا ما بعد الصراع أمر ذو أهمية جذرية للحد من المخاطر على المدنيين.
الضرورة السياسية لمعالجة الصراع و البيئة
بالاعتماد على نزاعات سابقة ونتائجها، هدفت هذه المقالة لتشكيل رؤية إعادة إعمار البلاد، أثناء معالجة طيف واسع من القضايا الإنسانية، ولتقييم مدى استحقاق المخاطر البيئية لترتيب ضمن الأولويات.
التقييم السابق للأثر البيئي ما بعد-الصراع الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة، التحليل القانوني الجاري من قبل لجنة القانون الدولي حول تحسين حماية البيئة في الصراع المسلح، تعهد اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول النزاع المسلح والبيئة، قرار المجلس البيئي في الأمم المتحدة حول النزاع والبيئة والتوصيات الأخيرة لمبعوث الأمم المتحدة الخاص بشأن النفايات السامة حول حماية الأطفال من مخلّفات الحرب السامة ساهمت جميعها في تسليط الضوء على المخاوف المختلفة حول النزاعات وآثارها البيئية.
يجب أن تقنع هذه التطوّرات المجتمع الدولي بالحاجة لجهد منسّق بتمويل وخبرات كافية من قبل الدول والمنظمات الإنسانية الدولية والمجتمعات المحلية لإعادة بناء سوريا أفضل بيئياً وأكثر خضرة. علّمتنا النزاعات السابقة أنّه إن لم يتم التعامل مع المخاطر البيئية بشكل سريع وفعال، فهي ستؤثر على الجيل القادم الذي سيضطر للتعامل مع الإرث السام للصراع، بل وقد يؤدي ذلك إلى تجدّد العنف حول الوصول للموارد الطبيعية الشحيحة.
مراجع:
(1): (ELI & UNEP (2012) تقييم واستعادة الموارد الطبيعية في عملية بناء السلام ما بعد الصراع. تم تحريره من قبل: David Jensen and Steve Lonergan. Earthscan Routlegde.
(الصورة الرئيسية: صور نشرت من قبل وزارة الدفاع الروسية لاعتداءات على عدة أعمال نفطية في شرق سوريا. تشرين التاني/ نوفمبر 2015، الملكية لباكس)