شيخموس علي: لا بّد من محاسبة كلّ من أجرم بحقّ التراث السوري


الباحث علي شيخموس لحكاية ما انحكت: المسؤول الأوّل والذي شارك بشكل كبير في التدمير هو النظام السوري، فمثلاً عمليات القصف التي تعرّضت لها حمص وقلعة المضيق وقلعة الحصن وحلب القديمة كانت (وما يزال في حلب بالذات) بالطائرات. بالدرجة الثانية تأتي داعش التي قامت بتدمير وتفجير عدد هائل من المقابر والمقامات الصوفية والأبنية الدينية خاصة في أرياف حلب الرقة ودير الزور، بالدرجة الثالثة بعض الفصائل العسكرية المعارضة، مثلاً عمليات تفجير الأنفاق تحت المباني التاريخية التي يتحصّن بها جنود من الجيش في منطقة حلب القديمة بجانب القلعة.

10 تشرين الثاني 2016

حكاية ما انحكت

منصة إعلامية مستقلة باللغتين العربية والإنجليزية تقدم وجهات نظر نقدية حول سوريا والسوريين/ات.

إلى جانب المأساة السورية التي تتجلى في موت السوريين وتهديم بيوتهم وتهجيرهم خارجاً وداخلاً، هناك الكثير من المأسي التي لا يتم تسليط الضوء عليها، ومنها ما يتعلّق بالتراث الثقافي السوري، ومنه الآثار التي تتعرّض اليوم لأكبر مجزرة في تاريخها، تدميراً وتهريباً.                                 

لم يتم تهريب الآثار؟ من هي الأطراف المتوّرطة في العملية؟ وماذا يعمل السوريون لحماية تراثهم؟ وكيف يمكن استعادة المسروق وحماية ما تبقّى ومحاكمة المجرمين لاحقاً؟

هي أسئلة نطرحها على الباحث المختص بآثارالشرق القديم من جامعة ستراسبورغ، ورئيس جمعية حماية الآثار السورية، الدكتور شيخموس علي.

  • (1): هل يمكن أن تحدثنا عن أهم الطرق لتهريب القطع الآثارية السورية إلى دول الجوار السوري؟

قبل العام 2011، كانَ التهريب محصوراً لدى بعض المهربين المرتبطين ببعض رجال السلطة من مخابرات وضباط الجيش حيث أنّ الوجهة الرئيسية لتهريب القطع الأثرية كانت تتم عن طريق لبنان.

بدءاً من النصف الثاني من العام 2011 نشطت عمليات الحفر العشوائي لعدد من المواقع الأثرية الهامة مثل دورا أوربوبوس، أفاميا، تدمر، إيبلا وغيرهم. أغلب القطع المهرّبة تمّ إرسالها إلى تركيا بالنسبة للقطع المهربة من الشمال السوري، أمّا في منطقة حمص ودمشق، فإنّ أغلب القطع يتمّ تهريبها إلى لبنان.

بقايا مدينة أفاميا. المصدر: ويكيبيديا
بقايا مدينة أفاميا. المصدر: ويكيبيديا

فيما يخص المنطقة الجنوبية من سوريا فإنّ القطع يتمّ تهريبها إلى الأردن. هذه الدول تشكّل نقطة عبور. بمجرّد وصول اللقى الأثرية يتمّ الاتصال بتجار ومافيات ليتم تهريبها فيما بعد إلى أوربا أو أمريكا أو دول الخليج وآسيا عن طريق شبكات مافيا منظّمة تقوم بإيصال القطع إلى جامعي التحف.

(2): ما هي الأطراف المتوّرطة (والوسطاء) على المستوى السوري والإقليمي والدولي (بما فيها المافيات والدول المستفيدة من هذه التجارة)؟

في الداخل السوري، يقوم عادة بعض مهرّبي الآثار وبعض سكان القرى المجاورة للمواقع الأثرية بعمليات الحفر، عندما يعثرون على لقى أثرية يقومون، إما ببيعها لتاجر محلي أو تهريبها مباشرة إلى الدول المجارورة ليتم بيعها لتجار من هذه الدول (تركيا، لبنان، الأردن). لمن يقوم بالحفر، في بعض الحالات لا بدّ من طلب تصريح من القوة العسكرية المسيطرة على المنطقة، فمثلا، المواقع التي تقع في أرياف دير الزور والرقة لا بد من الحصول على موافقة داعش من أجل الحفر، وبهذه الطريقة يحصل الفصيل العسكري المسيطر على المنطقة على نسبة من الإيرادات.

بمجرد وصول القطع الأثرية إلى الدول المجاورة، يشتريها تجار من هذه الدول ويقومون ببيعها لمافيات عالمية تقوم بعمليات شحن وإرسال اللقى إلى الوجهة النهائية التي تكون عادة من أحد الأغنياء وجامعي التحف. هذه العملية تتمّ بشكل سرّي تام.

(3): هناك من يقول أنّ النظام يعتمد على بيع الأثار أيضاً لتمويل حربه عبر علاقات معقدة مع مهربين كبار، هل يوجد خيوط أو دلائل حول هذا الأمر أم أّنّه برأيك مجرّد اتهامات متبادلة بين النظام والمعارضة؟

بكل فصيل عسكري ومن ضمنه ضباط النظام، هنالك مجموعة متوّرطة في تسهيل عمليات التنقيب وعمليات التهريب. مثلاً في تدمر، عندما كانت تحت سيطرة النظام قبل وصول داعش إليها، نشطت عمليات التهريب بالموقع بشكل رهيب، وكذلك الأمر بالنسبة لموقع أفاميا، حيث يوجد هنالك حاجز يسمى حاجز الآثار، وتتمّ عمليات التنقيب غير الشرعية خلال النهار دون أن يتدّخل الجنود والضباط لمنع هذا الحفر، إذ لا يمنع عمليات الحفر حيث يقوم المهربون بالحفر غير الشرعي خلال النهار .

معبد بعل في دورا أوربوس. المصدر: ويكيبيديا
معبد بعل في دورا أوربوس. المصدر: ويكيبيديا

بالنسبة لتسهيل عمليات التهريب: من المعروف أنّ حزب الله والجيش السوري يسيطر على المناطق الحدودية مع لبنان. ومع ذلك تنشر الوسائل الإعلامية بين الحين والآخر قيام السلطات اللبنانية باعتقال مهربين وتجار ومصادرة قطع أثرية مصدرها سوريا، ليكون السؤال: كيف تصل هذه اللقى إلى لبنان؟ بكلّ تأكيد هنالك توّرط من قبل بعض الضباط والجنود في الجيش السوري وحزب الله.

(4): ما هي القطع الأكثر طلباً عند الجامعين الخاصين؟ هل يُعتبر الجامع الخاص المشتري الأول للقطع المهربة أم تلعب المتاحف دوراً مهماً في هذا السوق السوداء؟ هل من أثار سورية مهرّبة وهي موجودة اليوم في متاحف معروفة عالمياً؟ وهل هناك جهة سورية ما وضعت آلية محدّدة لكيفية استعادة الأثار السورية لاحقا؟

عادةً القطع المطلوبة، هي قطع استثنائية مثل لوحات الموزاييك، التماثيل الجنائزية وغيرها، لكن هذا لا يمنع أيضا من شراء القطع الصغيرة مثل العملات المعدنية أو الدمى الطينية.

غالباً من يشتري اللقى هم جامعو التحف من الأغنياء، لا أعتقد أنّ المتاحف ستتوّرط بعمليات شراء القطع لأنّ القوانين ستجبرها على إعادة القطع إلى سوريا فيما لو تمّ الكشف عنها يوماً ما بعد انتهاء الحرب، لأنّ اتفاقية 1970 لحماية الإرث الثقافي تجبر جميع الدول على إعادة القطع المهرّبة إلى الدولة صاحبة القطعة.

حالياً لا توجد قطع مهرّبة حديثاً لدى أيّ متحف، إنّما هنالك قطع وصلت إلى دول عن طريق التهريب مثل تركيا ولبنان والأردن وفرنسا. تمّ مصادرتها وهي على الأغلب محفوظة في مستودعات المتاحف ليتم إرسالها فيما بعد إلى سوريا.

على حدّ علمي لا يوجد حتى الآن لجنة قانونية أثرية تتوّلى هذه الملف، إنّما هنالك لجان تشكّل بين الحين والآخر من المديرية العامة للآثار والمتاحف لتقوم بمعاينة القطع المصادرة في لبنان وتشرف على عملية إعادة اللقى إلى دمشق.

(5): هناك تركيز إعلامي على أفعال تنظيم الدولة الإسلامية وحقدها على التراث الآثاري، ولكن من هو الطرف السوري الذي يتحمّل المسؤولية الأكبر في تدمير الآثار السورية ونهبها منذ عام 2011؟ هال هناك إحصائيات موثوقة؟

المسؤول الأوّل والذي شارك بشكل كبير في التدمير هو النظام السوري، فمثلاً عمليات القصف التي تعرّضت لها حمص وقلعة المضيق وقلعة الحصن وحلب القديمة كانت (وما يزال في حلب بالذات) بالطائرات. بالدرجة الثانية تأتي داعش التي قامت بتدمير وتفجير عدد هائل من المقابر والمقامات الصوفية والأبنية الدينية خاصة في أرياف حلب الرقة ودير الزور، بالدرجة الثالثة بعض الفصائل العسكرية المعارضة، مثلاً عمليات تفجير الأنفاق تحت المباني التاريخية التي يتحصّن بها جنود من الجيش في منطقة حلب القديمة بجانب القلعة.

 بالنسبة للمواقع الأثرية، هنالك استعمال الجرافات لتخريب المواقع من أجل بناء المتاريس وحفر الخنادق لحماية الآليات والجنود. هذه العمليات تتم من قبل جميع القوى العسكرية المتواجدة على الأرض السورية، بالإضافة إلى عمليات الحفر غير الشرعية والتي تتمّ غالباً من قبل مهرّبي الآثار.

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة بالعدد الكامل للمباني  والمتاحف والمواقع الأثرية المتضرّرة.

(6): بعد أن توقفت جمعية حماية الآثار السورية من رصد أضرار الآثار في مناطق الدولة الإسلامية لأسباب تتعلّق بسلامة أعضاء الجمعية نفسها، كيف تراقبون أوضاع الآثار في مناطق التنظيم في الوقت الحالي؟

لا يوجد أيّ فريق يقوم بالتوثيق والمراقبة المباشرة بسبب خطورة الوضع، إنّما يتم الاعتماد على ما يقوم بنشره بعض الأفراد، وكذلك التنظيم الإرهابي. مثلاً عمليات تدمير القبور والمقامات يقوم التنظيم عادة بنشره على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي تبثّ أحياناً عمليات إعدام مواطنين وناشطين كما حدث في قلعة الرحبة (ديسمبر 2015)، حيث قامت داعش بنشر عمليات الإعدام التي تمّت في القلعة الأثرية، فمن خلال مقاطع الفيديو تمّ استنباط وضع القلعة الأثرية.

(7): ما هي أهم المبادرات السورية المحلية لحماية الآثار؟

هنالك عدد من المبادرات المحلية على صعيد بعض المناطق من خلال جمعيات أو مراكز تراث ( شعبة الآثار - مجلس محافظة حلب الحرّة، دائرة آثار مدينة بصرى الشام، هيئة السياحة وحماية الأثار بالحسكة، مركز آثار إدلب)، حيث تقوم هذه المؤسسات بعمليات توثيق/ إنقاذ وتوعية على الصعيد المحلّي، وبالنسبة للمناطق التي هي تحت سيطرة النظام، تتولّى المديرية العامة للآثار والمتاحف هذه المهمات.

(8): من يدعم هذه المبادرات على المستوى الدولي؟ كيف تقدّر جهود المنظمات الكبرى مثل يونيسكو بما يخصّ حماية الآثار السورية؟

قامت بعض الجهات الدولية بدعم مبادرات مثل جامعة بنسلفانيا التي نفذت مشاريع حماية في متحف معرّة النعمان. أما فيما يخصّ المؤسسات الدولية فدورها اقتصر على توقيع بعض الاتفاقيات مع دول الجوار من أجل مكافحة التهريب، بالإضافة إلى عقد عدد من المؤتمرات و تنظيم دورات تدريبية. هذه الدورات موّجهة فقط للعاملين بالمديرية العامة للآثار والمتاحف، بينما المؤسسات والجمعيات غير الحكومية التي تعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لا تتلقى أيّ دعم من هذه المؤسسات.

(9): فيما يخص البدائل السورية، هل لديكم كآثاريين أو جهات تعمل في هذا المجال، بدائل مؤسساتية عن الطريقة التي كان النظام يدير بها مديرية المتاحف؟ أم أنّكم ترون أنّ عمل المديرية كان مؤسساتيا وجيداً بغض النظر عن استبداد النظام بما يعني أنّه يجب الحفاظ على المؤسسة مع تطويرها قليلا؟

لا توجد أيّة بدائل حقيقة حتى الآن على أرض الواقع. بالنسبة للمديرية العامة للآثار والمتاحف، هنالك إرث علمي يزيد عمره عن الخمسين سنة. ليس معقولاً أن يتم هدم أو محي هذا الإرث لأنّ المؤسسة هي تابعة للنظام.

بكل تأكيد هنالك الكثير من الأمور والقوانين التي يجب تغييرها وإعادة هيكلة كاملة للمديرية العامة للآثار لتواكب المؤسسات العلمية، من حيث شروط الحفظ وطريق الأرشفة، أي إعادة هيكلة لكل منظومة العمل فيما يخص عمليات التنقيب والنشر العلمي للنتائج وخاصة البعثات الوطنية، بما يعني تأهيل كوادر على أسس علمية وليس على أساس الواسطات.

(10): يشكّل توثيق الانتهاكات وحدة من أهم النشاطات التي تقوم جمعية حماية الآثار السورية  بها، ولكن ما هي السوابق في محاكمة المتورّطين في التهريب على المستوى الدولي التي تشجعكم على الاستمرار في جهودكم؟

تمّ مؤخراً محاكمة المتطرفين الذين قاموا بهدم مقامات صوفية في تمبكتو بمالي من خلال محكمة تمّ إنشائها في لاهاي، وحكمت على المتهم الرئيسي بتسع سنوات سجن.

بالحالة السورية، المشكلة أنّ سوريا لم توّقع على اتفاقية 1970 الخاصة بحماية الإرث الثقافي، وبالتالي لا يمكن ضمن هذه الظروف محاكمة المجرمين اللذين قاموا بانتهاكات.

ربّما في المستقبل تتغيّر الظروف، ويتم إنشاء محكمة بالرغم من عدم التوقيع على اتفاقية 1970، ولذلك نقوم بتوثيق حالات التدمير من قبل أشخاص أو منظمات أو دول وجمع كافة المعلومات عن الحوادث على أمل أن يتم إنشاء محكمة في يوم ما ويتم خلالها محاسبة كلّ من أجرم بحقّ التراث السوري.

(الصورة الرئيسية: الباحث والدكتور علي شيخموس. المصدر: الصفحة الرسمية للباحث على الفيسبوك، بإذن خاص من الباحث)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد