إعلامي وناشط، دخل المعتقل وأجبره النظام على الظهور على شاشات التلفاز بوصفه "إرهابياً"، ليتحوّل اليوم إلى واحد من أبرز المدافعين عن قضية المعتقلين على الساحة الدولية إلى جانب نشطاء آخرين يسعون لوضع قضية "المسلخ" أمام الرأي العام الدولي، حالماً بأن يأتي يوم "أحاسب هؤلاء قانونياً وأعرضهم على شاشات التلفزة العالمية كيف قاموا بتعذيبنا وعرضنا كإرهابيين على التلفزيون من خلال إرهابهم علينا".
حكاية ما انحكت، حاورت شيار حول نشاطه اليوم ورأيه فيما يحصل.
(1): ثمّة إحساس لدى الجميع اليوم بحجم المأزق الذي ترقد فيه الثورة، فلا السلمية نجحت بإسقاط النظام ولا العسكرة، وثمّة اعتراف شبه كامل بأنّه لا بد من البحث عن آليات جديدة للعمل لأجل تمكّن الثورة من الاستمرار، كيف تقرأ الأمر؟ والطرق الممكن اتباعها برأيك لفتح مسار جديد للثورة يقود إلى نجاتها ممّا يرّتب لها دولياً وإقليمياً، ولكي تحقّق أهدافها؟
ثمّة مقولة للعظيم مارتن لوثر، كتبتها على جدران زنزانتي لدى الأسد، تقول: "لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت". للأسف الشديد هناك من انحنى للقوى الدولية والطائفية في المنطقة من المعارضة السياسية لكي يصل بنا الحال إلى حيثما نحن، بالإضافة إلى تشارك هذه القوى الدولية في قمع الثورة السورية والنشاط السلمي والمدني واستبداله بالعسكرة.
طبعاً هنا أتحدث عن أمر آخر بالتوازي مع قمع بشار الأسد وميليشياته للثورة السلمية في البداية، نعم فلا السلمية نجحت بإسقاط النظام ولا العسكرة، حيث اعتقل أغلب الناشطين والمعارضين السلميين المدنيين وأطلق سراح الإسلاميين من قبل الأسد ليتسلّقوا على دم السوريين، وفتحت الأبواب لكي يلتحي الجهاديون بثوب الإسلام ويشوّهوا ثورة الكرامة والديمقراطية السورية.
الوضع السوري في مأزق كبير ولا يمتلك السوريون أيّة طريقة لإعادة ما كان، والسبب أنّ الإرادة الدولية هي من يحتكر تلك القوة في التغيير والعودة لروح الثورة، فما زال الأسد هو الأحجية الغريبة التي يتمسّك بها الغرب بالتوازي مع انتشار الإسلاميين في أراضينا ودخول الميليشيات الإيرانية والشيعية لمساندة الأسد واحتلال المناطق السورية.
الطريقة الوحيدة وسط هذه الفوضى الكبيرة إيجاد بديل للأسد ودخول قوات تابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع قوات سورية معارضة علمانية لطرد تلك الميليشيات التي أتت من أصقاع العالم كلّه لتحويل الثورة إلى صراع ديني وإقليمي.
(2): كنت من النشطاء العاملين في مجال الإعلام في الثورة إلى جانب نشاطات أخرى بالطبع، وكنت واحدا من اللذين استغلّهم النظام إعلامياً عبر إجبارهم على الظهور على شاشات التلفزة، الأمر الذي يضعنا أمام دور الإعلام في الثورة، كيف تنظر للأمر من زاوية النظام والمعارضة؟ وهل تعتقد أن الإعلام الذي ولد بعد الثورة بات يمثّل بديلاً حقيقياً، أم لا زال متعثراً؟ وحال كان جوابك بالسلب، كيف يمكن العمل على النهوض به؟
الإعلام هو العصب الحقيقي لكلّ الذي يجري، حيث استطاع الأسد الاستعانة بإعلاميين أوروبيين وأمريكيين وعرب مقابل مبالغ مالية لصناعة بروباغندا أنّ الثورة إسلامية، وهناك خوف على الأقليات في سوريا، ومن استلام الإسلاميين الحكم فيها، وطبعاً نجح بذلك وبدورها دعمت الوكالات العالمية تلك الفكرة لتكون الصورة العامة لدى الغرب وأمريكا أنّ مركز الجهاديين في سوريا، علماً أنّه في الأشهر الأولى لم يكن هنالك وجود لتلك القوى الإسلامية التي أفرج عنها الأسد ليتسلّقوا الموقف بشكل عام.
أما من الناحية الأخرى، فهناك إعلام سوري بديل؛ لكن هو إعلام هش ومؤسسات تابعة لجهات سياسية غير حيادية ومهنية، أما المؤسسات المهنية والحيادية البديلة فهي تعدّ على إصبع اليد ليس لهم ظهير دولي بشكل كبير وغير قادرين على توصيل الصورة الصحيحة بلغات أجنبية إلى من تأثّر بفكرة أسلمة الثورة من قبل الأسد.
العمل على النهوض بالإعلام السوري البديل هو إيجاد ميثاق شرف حقيقي يجمع تلك المؤسسات لتوصيل الصورة الصحيحة وبلغات أجنبية للغرب وأمريكا، بالتوازي مع سعي تلك الدول بالاستعانة بخبراء إعلاميين وصحفيين سوريين لمراقبة تلك الوسائل وعدم خروجها عن المسار المهني المحدّد كوسائل بديلة عن مؤسسات النظام السوري.
(3): تعمل حاليا في مجال حشد الدعم لقضية المعتقلين عالميا، حدثنا عن هذا العمل، من أنتم؟ وماذا تعملون؟ وماهي استراتيجيتكم والصعوبات التي تواجهونها؟ وأيضا ما النجاحات التي تحققت؟
بعد خروجي من معتقلات الأسد ومرور عامين ونصف على اعتقالي حملت معي الكثير من آهات وآلام المعتقلين داخل تلك الأقبية العفنة، تلك الصورة لم تبرح ذهني أو مخيلتي يوماً، ومن هنا وبعد خروجي من سوريا قمت أنا ومجموعة من الصحفيين والناشطين والمحامين السوريين بتشكيل مجموعة "العمل لأجل المعتقلين السوريين"؛ للتوّجه إلى أوروبا تحديداً بتفعيل قضية المعتقلين السوريين، حيث عقدنا عدّة اجتماعات وجلسات مع جهات دولية منها البرلمان الأوروبي وعدة خارجيات دولية ومنظمات مختصة بهذا الشأن لخوض خطوات فعلية وعملية اتجاه تلك القضية.
عملنا تطوعي بحت إلى الآن، يرتكز إلى متابعة وضع المعتقلين بالداخل من قبل كل الجهات وعلى رأسهم معتقلات النظام، بالتوازي مع متابعة وضع المفرج عنهم نفسياً وصحياً وقانونياً، بالإضافة إلى تقديم شهادات المفرج عنهم للجهات الدولية للتأثير أكثر بوجود أصحاب القضية والمتأثرين بشكل مباشر.
هنالك صعوبات عدّة تواجهنا، وهي صعوبة العمل بشكل أوسع لأنّ عملنا بالأصل تطوّعي، كما نعاني من صعوبات في عدم وجود قوانين خاصة بالمحافل الدولية تعنى بقضية المعتقلين السوريين وتقدّم لهم الطرق القانونية للتأثير بالإفراج عن الآلاف الباقية في تلك المعتقلات.
(4): تنشطون أيضا مع زملاء آخرون لك، في مجال رفع دعاوى قضائية ضد النظام وأزلامه أمام المحاكم الأوروبية. البعض يرى أنّ هذا الأمر جاء بعد انسداد أفق العدالة الانتقالية التي كان يطالب بها السوريون، فهل هذا صحيح؟ وهل تعتقد أنّ هذا النوع من المحاكم يمكن أن يفي بالغرض بعد أن بات المجتمع الدولي عاجز عن إحلال العدالة للسوريين؟
هذه الخطوة أتت بعد انسداد كلّ الطرق القانونية في مجلس الأمن وبوجود الفيتو الروسي-الصيني، للالتفاف على تلك القرارات وتشكيل محاكم بديلة في أوروبا لرفع دعاوي من قبل ذوي المعتقلين والمعتقلين المفرج عنهم، ضد النظام والميليشيات التابعة له، وكان الفضل بذلك لعدّة أشخاص ناشطين حقوقيين ومحامين سوريين برفع تلك الدعاوي وبمساعدة مع بعض الدول الأوروبية لفتح تلك الأبواب، بالطبع لن تكون تلك الخطوات كافية في تحقيق العدالة لكلّ السوريين، فتحقيق العدالة يتطلّب إرادة حقيقية من أميركا بالدرجة الأولى وأوروبا بشكل خاص لنيل السوريين حريتهم وتحقيق العدالة لهم، ولكن كمجموعة مدنية سورية نحاول أن نناصر المجموعات الأخرى لتفعيل الطرق الصحيحة لذلك، وبالضغط المستمر على القوى الدولية بأنّ السوريين ليسوا فقط لاجئين في أوروبا بل لهم حقوق سلبت وبإهمال منهم، ويجب أن تسترجع وتتحقق العدالة كما تحققت في السابق لكل دول العالم بعد الحروب العالمية في القرون الماضية.
(5): قدمت مؤخرا محاضرة في إحدى جامعات باريس عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وذلك في الوقت الذي يقدم فيه حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا على إغلاق مؤسسات مدنية وسياسية في مناطق هيمنته، وفي الوقت الذي تمنع مجلة "طلعنا عالحرية" في دوما، وتمنع فصائل في حلب ودرعا المجلة أيضا في مناطقها، الأمر الذي يطرح سؤالا عن حرية التعبير في ظل الثورة؟ كيف تنظر للأمر وكيف يمكن إيجاد حل لهذه المسائل برأيك مستقبلا؟
بالمطلق، لا حرية للتعبير عن الرأي في كل سوريا الآن، فالقوى البديلة الإسلامية والتي تسمّى بالديمقراطية تنتهك كلّ القوانين الدولية لحرية التعبير والرأي، وكما ذكرت إغلاق مكاتب المجلس الوطني الكردي وحرقها من قبل الإدارة الذاتية وإغلاق مقر مجلة "طلعنا عالحرية" في دوما من قبل جيش الإسلام هي أكبر الأمثلة الواقعية التي تعبّر عن مدى انحطاط تلك القوى في انتهاك حقوق حرية التعبير والرأي.
للأسف الشديد أيضاً تلك المسألة مرتبطة بالوضع بشكل عام، وبالقوى البديلة التي تتواجد في المناطق ذاتها، كما أنّ هناك تهميش كبير لدور المجتمع المدني ومؤسساته في المساهمة بإدارة المناطق وتسيير أمورها، فالمجتمع المدني له الدور الكبير في امتلاك القدرة الكافية لحماية حقوق المدنيين والمؤسسات البديلة.
(6): لو طلبنا منك أن تحدد أهم الاخطاء التي وقعت فيها الثورة السورية أو الفاعلين الثوريين، فما هي وكيف يمكن تجاوزها؟
نمتلك أخطاء كبيرة وكثيرة، منها مرتبطة بالفكر المتوارث عن النظام الديكتاتوري في المنطقة، ومنها ما جلبت عن طريق احتكار الثورة السورية من قبل الإسلاميين، فالقضاء على الإسلاميين المتطرفين في سوريا ورحيل النظام السوري هي الطريقة الوحيدة للتصحيح ولإعادة سوريا لكلّ السوريين من قبل معارضة حقيقية تمثلها ولا تتاجر بها كما يحصل من قبل بعض المعارضين السوريين في الخارج والداخل.
(7): خضت تجربة الاعتقال السياسي وخضت تجربة أن يدفعك النظام للاعتراف ضدا عن رغبتك، هل تحدثنا عن هذه التجارب؟ أثرها عليك؟ وهل هي من دفعك للاهتمام بالمعتقلين حيث تنشط الآن؟
تجربة الاعتقال زادتني قوة وعزيمة في متابعة ما بدأت، مع العلم أنّي أعي تماماً، وقبل الثورة بكثير مدى وحشية هذا النظام وقمعه لحرية السوريين، لكن الاعتقال السياسي حملني رسائل عديدة بأن أبقى لأدافع عن كرامة السوريين وتحقيق العدالة لهم كلّهم، نعم فالاعتقال زادني إيماناً بأن أبقى وأعمل لأصدقائي المعتقلين في الداخل وأدافع عنهم لأحقّق العدالة لنفسي أولاً ولكل السوريين ثانياً.
اعترافي على شاشة التلفزيون السوري الرسمي في برنامج العين الساهرة بأن لا ثورة في سوريا، واعترافي بأنّني إرهابي وأعمل مع الإرهابيين كان تحت الضرب والتعذيب كما هو معروف لكل السوريين، كانت تجربة بشعة جداً أتذكرها جيداً وأتذكر صورة المصوّر الذي قام بتصويري الذي كان زميلاً لي في الجامعة وكان يرتجف وهو يقوم بتصويري، ليست لها أيّة آثار سلبية علي إلا أنّني أتمنى يوماً ما أن أحاسب هؤلاء قانونياً وأعرضهم على شاشات التلفزة العالمية كيف قاموا بتعذيبنا وعرضنا كإرهابيين على التلفزيون من خلال إرهابهم علينا.
(8): كيف تقرأ المستقبل السوري؟
لا مستقبل واضح وسط هذه الصراعات الروسية الأمريكية الدولية والعالمية في سوريا، فالإرادة السورية مسلوبة ولن تعاد إلا باعتراف تلك الدول بحرية السوريين وتحقيق العدالة لهم، ما تعمل عليه تلك الدول هي تقاسم الحصّص وتحويل سوريا إلى دويلات تابعة لتلك القوى الدولية على حساب دماء المدنيين.
بالمقابل لدينا معارضة هشة، نظام مجرم، ميليشيات متطرفة أتت لتحتل الأرض، فهنا لن تحلّ القضية إلا برحيل كلّ هؤلاء وعودة السوريين الأحرار لسوريا لوضع يدهم بيد إخوتهم الذين عانوا الحصار، الجوع، القمع، الاعتقال، لبناء سوريا دولة لكل السوريين.
أعي تماماً مدى هشاشة الموقف في سوريا والمستقبل الضبابي الذي ينتظرنا، ولكن بالمقابل أعي أيضاً أن المبادئ لا تباع ولا تبدل ولا يزاود عليها، وأن الحرية لا تتجزأ مهما كان الثمن، ويوماً ما سنحصل على حريتنا كما حصل الفرنسيين على دولتهم الديمقراطية بعد مئة عام من الثورة.
(الصورة الرئيسية: شيار خليل، المصدر: الأرشيف الشخصي لشيار. خاص حكاية ما انحكت)