(ينشر هذا النص بالتعاون مع Global Voices كجزء من اتفاق شراكة)
خلال السنوات الماضية لم يتوقف الناشطون السوريون عن المخاطرة بسلامتهم النفسية والجسدية لتوثيق الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد. واليوم، تقول شركة محاماة دولية في إسبانيا إنه، وبفضل هذه الجهود، فإن "الصراع في سوريا (…) سيكون واحداً من أكثر الصراعات الوطنية التي يتم توثيقها في التاريخ، بما يفوق توثيق الهولوكوست". ومع ذلك فإن الطريق نحو نطاق اختصاص دولي ما زالت محفوفة بالعقبات السياسية والقانونية.
الصلاحية القضائية العالمية
شكلت الصور التي سرّبها أحد المصورين السابقين لدى الجيش العربي السوري، والذي عُرف باسم "قيصر"، المصدر الوحيد للمعلومات الذي اعتمد عليه آلاف السوريين لمعرفة مصير مفقوديهم. إحدى هؤلاء السوريين كانت أمل هـ، التي تحمل الجنسية الإسبانية، والتي عرفت مصير أخاها، عبد المؤمن، من تلك الصور المسربة. سمح ذلك لمجموعة المناصرة القانونية الدولية "غرنيكا 37" أن تعمل على رفع قضية بنطاق اختصاص دولي في إسبانيا ضد الأشخاص العاملين في نظام الأسد المسؤولين عن اختطاف أخيها وتعذيبه وبالتالي وفاته.
ليس هناك تعريف واحد لنطاق الاختصاص الدولي، إذ يبدو أنّ التعريفات تختلف تبعاً للأكادميين المختلفين وتبعاً للمعاهدات والقوانين المختلفة ذات الصلة. ومع ذلك فإن أحد التعريفات البارزة لنطاق الاختصاص الدولي تعرّف المبدأ على أنه صلاحية قضائية جنائية تعتمد على نوع الجريمة حصراً، دون اعتبار لمكان الجريمة أو لجنسية المتهم أو المعتدي المُدان أو لجنسية الضحية أو لأي ارتباط آخر بالدولة صاحبة نطاق الاختصاص. ويعد هذا ذا أهمية خاصة بالنسبة للجرائم الدولية الخطيرة، كالتعذيب والمجازر الجماعية والاختفاءات القسرية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وإرهاب الدولة.
ومع ذلك، فقد أخبرت المحاميتان، ألمودينا بيرناباو ومايت باريخو من غرنيكا 37، "حكاية ما انحكت" أنّ الأمور في مدريد ليست مثالية. حيث أشارتا إلى المتاهات التي تعيق نطاق الاختصاص الدولي في التشريعات الوطنية الإسبانية، كما حدثتانا عن الجهود السورية والدولية التي قادتهما بالنهاية إلى أمل. فقد قام ستيفن جيه راب، السفير السابق للأمم المتحدة لدى مكتب العدالة الجنائية الدولية، بوصل أمل وغرنيكا 37 ببعضهما.
لكن، ورغم الجهود للحفاظ على سرية هويتها، لم يكن ذلك ممكناً، لذلك فإن عائلتها في سوريا اضطرت لنقل سكنها من مناطق يسيطر عليها النظام إلى أماكن يسيطر عليها الثوار، وبالتالي فهم يعيشون الآن تحت القصف ويواجهون خطر الموت يومياً.
الحيثيات القانونية والسياسية
على الرغم من تمتع أمل بالجنسية الإسبانية، فإنّ قضيتها لم تسر بشكل سلس. فقد قام المدعي العام الإسباني بتقديم طلب عاجل باستئناف قرار القاضي إيلوي فاليسكو بقبول القضية. حيث قام الادعاء بالطعن بقرار اعتبار أمل ضحية، مع أنها خسرت أخاها قسراً دون أيّة محاكمة وعانت من تبعات اختفائه لما يزيد عن السنتين إلى أن ظهرت صورة جثته المعذَبة ضمن الصور التي سربها قيصر، والتي تعرّف إليها ابنه.
تبعاً للقانون الدولي فإنّ عائلات ضحايا الاختفاء القسري أو القتل دون أية محاكمة يعتبرون ضحايا أيضاً. وتحتوي القوانين الإسبانية على تعريفات فضفاضة للضحايا، خاصة بعد التعديلات الأخيرة عام 2015، في حين يدعم الدستور الإسباني حق الضحية في الحصول على العدالة. ومع ذلك، وبحسب ما شرحت الآنسة باريخو، فإن بعض القضايا السابقة ضد بعض الدول كالصين والولايات المتحدة جعلت الادعاء الإسباني متحفظاً جداً اتجاه تحركات قضائية كهذه. وقد قاد هذا إلى إصلاحات قانونية (عامي 2009 و 2014) قيّدت نطاق الاختصاص في القضايا الدولية بشكل كبير. ومع أنّ سوريا لا تتمتع بنفس القوة التي تتمتع بها الدول المذكورة آنفاً، فإنّ القوانين ذاتها تنطبق على الجميع. ولكن ذلك لا يعني نهاية الطريق لأنه حتى قضية التيبت ضد الصين قد وصلت إلى المحكمة العليا.
الفيديو 2 (عنوان يوتيوب: قضية في محكمة إسبانية تختبر التحديات التي تواجه نطاق الاختصاص الدولي في سوريا الجزء الثاني؛ المقتطف: الجدل الدائر حول الضحية، وموقف الادعاء الإسباني السلبي دائماً اتجاه قضايا نطاق الاختصاص الدولي).
إشكالية الاعتقال
على الرغم من أنّ الصلاحية القضائية العالمية والتعريف الأكثر شمولية للضحية يمكن أن يسمحا بأن يتم قبول القضية، فإنّ البدء بإجراءات المحاكمة الفعلية تتطلب أن يكون المتهم محتجزاً. ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، أخذ المسؤولون التسعة المتهمون في هذه القضية وهم: مدير مكتب الأمن القومي علي مملوك، ونائبه عبد الفتاح قدسية، ورئيس شعبة المخابرات العامة محمد ديب زيتون، ورئيس إدارة مخابرات القوى الجوية جميل حسن، ونائب رئيس الجمهورية السابق فاروق الشرع، والأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم محمد سعيد بخيتان، بالإضافة إلى اللواء محمد الحاج علي، والعميد جلال الحايك والعقيد سليمان اليوسف، أخذ هؤلاء المتهمون احتياطات إضافية في تمويه أسفارهم خارج سورية. ما يجعل من الصعب جداً على الشرطة الإسبانية اعتقال أي منهم، إلا أنّ مجرد قبول الدعوى يسمح بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحقهم، مما يحد من تحركاتهم بشكل أكبر ويهدد بمصادرة ممتلكاتهم خارج سوريا.
وهذا يعني أنّ قضية كهذه "ستكون بداية عملية المحاسبة" بحسب ستيفن جيه راب، السفير السابق للولايات المتحدة لدى مكتب العدالة الجنائية الدولية، إذ إنّ ضباط نظام الأسد يمارسون عنفاً ممنهجاً لسنوات دون أيّة محاسبة، وجود تحقيق قانوني كهذا سيضعف ثقتهم بإفلاتهم من العقوبة ويضيف عقبة في وجه إرهاب الدولة.
آخر المستجدات
بعد تولي القاضي مانويل غارسيا كاستيون القضية خلفاً للقاضي فاليسكو، تم النظر في استئناف المدعي العام وقبوله في 21 يوليو من قبل غالبية أعضاء لجنة قضائية عليا، وذلك لأسباب تتعلق بتعريف الضحية وفق بعض التقارير الإخبارية. لم يتم إعلام غرنيكا 37 بتفاصيل هذه الأسباب بشكل رسمي بعد، لذلك فضلت المؤسسة تأجيل التعليق على الحكم.
ومع ذلك، فقد أكدت المحاميتان لـ "حكاية ما انحكت" أنه "إن كان قرار المحكمة الوطنية الإسبانية مبنياً على قرائن تقدم بها مكتب المدعي العام وقام فريقنا القانوني بالطعن فيها، فإن القرار قد يكون قابلاً للاستئناف أمام المحكمة الإسبانية العليا". وأضافت غرنيكا 37 أنّ قبول استئناف المدعي العام لا يعني الهزيمة، إذ سيقوم فريقهم القانوني "باستخدام كافة الوسائل المتاحة والموارد القانونية المتوفرة لتحقيق العدالة التي ينتظرها آلاف الضحايا في النزاع السوري. لا بد أن ذلك يعتبر إخفاقاً ولا شك بأننا خائبو الأمل، لكننا على يقين بأن هذه ليست إلا خطوة في العملية القانونية. إننا واثقون من قوة قضيتنا وأساسها القانوني الراسخ والمتعلق بنطاق الاختصاص".
(الصورة الرئيسية: لوحة "حلب نيكا" للفنان البرتغالي فاسكو غارغالو، 3/10/2016. المصدر: صفحة الفنان على تويتر. والحقوق محفوظة للفنان، وتستخدم اللوحة ضمن سياسة الاستخدام العادل)