(ينشر هذا النص بالتعاون مع شبكة الصحفيات السوريات، ضمن مشروع إنتاج محتوى نسوي سوري)
في أنطولوجيا شعرية قرأت هذه العبارة عن نساء قبائل البشتون في أفغانستان "نساء البشتون لا ينتحرن بالرصاص، ولا بشنق النفس، فالسلاح والحبال من أدوات الرجال، وأجسادهن لا تجد راحة إلا في أعماق الأنهار: قفزة واحدة إلى الهاوية ويُغرق الماء كل الأحزان والرغبات."
وإن كان ينطبق ذلك على النساء البشتونيات في أفغانستان، فهو ينطبق على الكثير من المجتمعات النسوية في الشرق عموماً، وحتى على النساء اللواتي هربن من الحروب والتخلف والعادات من بلدانهن لبلدان أخرى أكثر انفتاحاً وحرية أيضاً.
ففي هذا العام قام لاجئ سوري في ألمانيا بقتل طليقته طعناً بالسكين لأسبابٍ يراها وجيهة ومحقة متعلقة بالشرف، رغم أنها كانت طليقته لا زوجته، ماتت طعناً بالسكين غارقة بدماءها على يد رجل كان زوجها في يوم من الأيام وأباً لأطفالها.
ولو قدر لها أن تكون في بلدها سوريا لربما لم تستطع أن تقدم على الطلاق الذي يكلف في بلداننا غالياً، التهديد بحرمان المرأة من أطفالها، ناهيك عن نظرة العائلة والمجتمع التي تكبّل المرأة المطلقة بآلاف القيود.
أجل لو كانت المرأة السورية التي قتلها طليقها في ألمانيا طعناً بالسكين في سوريا، لربما هي من أقدمت على قتل نفسها كما تفعل النساء البشتونيات، أو كما فعلت قريبة لي، لم تتحمل الظروف القاسية بعد ولادتها بطفلتها، فقامت برمي نفسها في نهر في إحدى المدن التركية، واضعة بذلك حداً لمعاناتها.
بعض النساء بعد وصولهن لألمانيا رمين خواتم زواجهن في نهر الراين لينهوا بذلك سنوات طويلة من المعاناة مع زوجٍ لم يستطع يوماً أن يكون شريكاً حقيقياً، نساء كثيرات بعد وصولهن لهذه البلدان الأوربية، استطعن أن يتنفسن أخيراً، أن يتخلصن من أنقاض حياتهن التي أثقلت أرواحهن بأحمال لا طاقة لهن على تحملها، فهن لم تعدن أسيرات المجتمع والحالة الاقتصادية التي تجبرهن على تقاسم الحياة مع رجالٍ يحولون أدنى مطالبة لهن بحق من حقوقهن إلى جحيم.
المواجهة الأهم التي يجب أن تدخلها المرأة هي مع ذاتها وإرثها الداخلي الذي يمنعها في الكثير من الأحيان من المطالبة بحقوقها
حالات الطلاق في المحاكم الألمانية التي تقدم من قبل النساء السوريات تشير إلى معدل مرتفع نوعاً ما، خاصة أن هذه الحالات تقدم من قبل المرأة لا الرجل، وهو يعود برأيي لسبب جوهري واحد: عدم القدرة والرغبة في دفع المزيد من الأثمان على حياة بائسة لا تقدم لهن شيئاً سوى الأسى، وليس كما يريد المجتمع الذكوري الترويج لها على أنها نتيجة انفلات أخلاقي.
لأنه إلى جانب هؤلاء النساء القادرات على اتخاذ قرار الطلاق والبدء من جديد، لا تزال آلاف النساء رغم المجتمع المفتوح والإمكانات والدعم المتوفر لهن، لا تزلن غير قادرات على اتخاذ قرار الطلاق أو التحدي ومواجهة السلطة الذكورية التي يفرضها الزوج والمجتمع.
فحتى في ألمانيا تتعرض النساء للعنف الزوجي والتمييز وضغوط العائلة، وهو ما يمنعهن من مواجهة المعركة التي سيخضنها في سبيل أن يكن أكثر حرية وتقديراً للذات.
وإذا كنا لا نغفل أهمية عامل الجغرافيا والمكان في قضية تحرر المرأة وحصولها على دعم أكثر في المجتمعات الأوربية مما يمكنها من القدرة على المطالبة بحقوقها، فإنه ليس حاسماً دائماً، لأن الإرث الاجتماعي الذي تحمله المرأة معها منذ الطفولة، والمتعلق بالتغاضي المستمر عن حقوقها والعنف الذي يمارس بحقها وصمتها لأجل الأطفال وسمعة العائلة... كل ذلك الأرث لا يمحيه وجودها في أرض أوروبية تدعم النساء، وتضع أمامهن فرص وخيارات أكثر إنسانية، وهو ما يجعل من موضوع تحرّر المرأة من القيود متعلق أولاً بالمرأة ذاتها، وبرغباتها، وبقدرتها على كسر حاجز الخوف الداخلي لمواجهة الحياة الجديدة بعيداً عن صراعاتها النفسية مع العائلة والتربية والمجتمع.
ولربما هذا ما يجعلني أؤكد أنّ المواجهة الأهم التي يجب أن تدخلها المرأة هي مع ذاتها وإرثها الداخلي الذي يمنعها في الكثير من الأحيان من المطالبة بحقوقها في مجتمع يكفل لها الكثير من الفرص والإمكانات لتكون شريكاً ورفيقاً حقيقياً للرجل، وقبل كل ذلك إنساناً له حقوقه الأساسية التي يجب أن لا يتنازل عنها مهما كانت المساومة قاسية وشبيهة بانتحار النساء البشتونيات.