(إدلب)، "إدلب أرضنا سنحيا فيها ونموت من أجلها".
"إدلب هي سوريا الصغرى لتحرير سوريا الكبرى".
"الشعب يريد إسقاط النظام"، "ديمستورا والأسد شركاء في القتل والتهجير..."
هذه شعارات صدحت بها حناجر سكان محافظة إدلب وتعالت أصواتهم من خلال تجديد مظاهراتهم التي باتوا من خلالها يناشدون دول الجوار والمجتمع الدولي للنظر بعين العطف لآمالهم وتطلعاتهم، ومنع حرب باتت تدق طبولها على أبواب مدنهم وقراهم.
تتسارع الأحداث والتطورات العسكرية في محافظة إدلب شمال سوريا، والتي باتت حديث الساعة بعد الأنباء المتواترة عن الإستعداد لمعركة يخوضها النظام وحلفاؤه للسيطرة على آخر معاقل المعارضة السورية.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال سكان محافظة إدلب يحافظون على هدوئهم ويمارسون حياتهم الطبيعية وسط تخوفات وحذر من بدء المعركة التي باتت قاب قوسين أو أدنى، والتي أضحت رهينة التفاهمات الدولية وتباين مواقف الدول المؤثرة في الملف السوري: روسيا وتركيا وإيران، وهو ما دفعهم للتظاهر حاملين أعلام الثورة والأعلام التركية، طالبين الوصاية التركية ومندّدين بالعدوان السافر عليهم من قبل النظام والمجتمع الدولي المتآمر.
الصمود والتشبث بالأرض
"لا بد وأن كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ستحدث إن وقعت هذه المعركة، وأكثر ما يؤلمني أنه لا مكان يلجأ إليه المدنيون بعد إدلب". هكذا عبّر المزارع الأربعيني، عمران الأبرش، عن مخاوفه مما قد يحدث، مضيفا "كنت متوقعا أن تزحف جحافل النظام باتجاه إدلب، وخاصة بعد سيطرته على كامل المناطق المعارضة لا سيما الغوطة ودرعا وغيرها، فقد استعاد ثقته بنفسه وشعر بقوته، على الرغم أنه مجرد صفر على الشمال لولا مساعدة حلفائه الروسي والإيراني". ومع ذلك، فالأبرش لا يفكر بالنزوح إطلاقا لأنه عازم على البقاء والدفاع عن أرضه مهما كلفه ذلك من ثمن، كما يقول لحكاية ما انحكت.
يوافقه في الرأي عامل البناء، حسام الحسيني (29عاما)، فهو أيضا لا يرغب بالنزوح، وهو من المتمسكين بأرضهم ووطنهم، حيث يقول: "ربما علي الخوف مما هو آت إن حدثت المعركة فعلا، ولكن أملي بالله كبير بأن تفشل مخططاتهم، كما أنني آمل أن تستطيع تركيا المتضرّر الأكبر من المعركة، جرّاء موجات اللاجئين التي سوف تقصدها أن تفعل شيئا. وفي أسوأ الاحتمالات، وهي الحرب، فأنا سأبقى مدافعا عن أرضي وبيتي، وسأنضم للفصائل المقاتلة، فإما النصر أو الشهادة"، وهنا يستطرد الحسيني، قائلا: "لن نعود لحياة الذل والإهانة وخاصة بعد تذوقنا طعم الحرية والكرامة من خلال ثورتنا المحقة، لن نصالح ولن نهرب، سندافع عن حقوقنا، سندافع عن ثورتنا حتى آخر رمق"، وكغيره ممن لن يغادروا منازلهم حتى لو بدأت المعركة، فالحسيني يقوم بالتحضيرات اللازمة لمواجهة الموقف. ومن تلك التحضيرات حفر الملاجئ على مقربة من المنازل وتزويدها بما يلزم من أثاث وماء ومؤونة غذائية تكفي لأكثر من شهرين، بالإضافة لبعض الأدوية والمواد الإسعافية. فيما لم ينسى الحسيني تحضير بعض الأقنعة الواقية لزوجته وأبنائه لاستخدامها في حال تعرّضوا لضربة كيماوية متوقعة من النظام وحلفائه.
من جهتها، لم تستطع المعلمة رنا الأحمد (30عاما) أن تخفي تفاؤلها بوجود نقاط المراقبة التركية في مناطق متفرقة من محافظة إدلب، فهي برأيها تشكل عامل ارتياح لدى الأهالي بعدم وقوع الحرب على إدلب. وتؤكد بأنّه وإن تم وحدث الهجوم فعلا، فهي لن تجازف بحياتها وحياة أبنائها، مبينة "سوف أقصد المناطق الحدودية وأحاول الدخول للأراضي التركية ما إن تسمح لي الفرصة، إذ أنّ بقائي تحت القصف والدمار يعتبر انتحارا".
في الوقت نفسه، فالأحمد كما الكثيرون من الأهالي، يرفضون أي مصالحة مع نظام الأسد أو الروس لسببين: الأول، عدم الثقة بنظام الأسد الذي أثبت على مدى سنوات الثورة عدم مصداقيته بأيّ وعود يمنحها أو أي اتفاقيات يبرمها، وتعطي مثالا على ذلك "رأينا كيف أجرى أهالي الغوطة مصالحات معه، ولكن ما الذي حدث، لقد خانهم النظام وفتك بهم، حيث أعدم واعتقل البعض، وجنّد البعض الآخر". والسبب الثاني، هو عدم رغبة أيّ من الأهالي بالعودة إلى حياة العبودية والظلم والكبت والقهر التي كان ينتهجها النظام على مدى عقود مضت، وخاصة بعدما رأوا إجرامه ودمويته وحرقه البلد خلال سني الثورة.
إرهاب عن إرهاب يختلف..
"بحجة الارهاب يقتلون المدنيين ويقصفون المدارس والمشافي ويدمرون البنى التحتية ويهجرون السكان، لقد سئمنا سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها المجتمع الدولي إزاء التعامل مع الملف السوري بالمقارنة مع الملفات الأخرى".
بتلك الكلمات عبر الحقوقي علاء الزمو (38عاماً) عن امتعاضه من هجوم الروس على إدلب بذريعة تواجد النصرة، وبالمقابل فإنهم لا يهاجمون حزب الله اللبناني أو الحرس الثوري الإيراني وغيره... على الرغم من أنهم صنّفوا من الجماعات الارهابية أيضاً. فالزمو يدرك تماماً كما بات يدرك غالبية الشعب السوري أنّ مصالح تلك الدول (روسيا، أمريكا، إيران) وأطماعها هو ما يحرّكها في أي منطقة، والحجة هي دائماً الإرهاب.
ولا ينكر الزمو بأن تصرفات النصرة لا تعجبه، ولكن برأيه أن ذلك لا يستدعي إعلان حرب على أكثر من أربعة ملايين مدني، فثمة طرق كثيرة أخرى، ومنها التفاوض معهم سلمياً لحل التنظيم أو مغادرته البلاد أو اندماجه مع بقية الفصائل المعتدلة المعارضة بمساعدة تركية. رأي الزمو بهذا الخصوص يؤيده شريحة واسعة من سكان إدلب، فهم يرفضون الحرب كما أنهم يرفضون المصالحة مع نظام الأسد وحليفه الروسي اللذين كانا السبب الأول والأخير بقتل نسبة كبيرة من الشعب السوري واعتقاله وتهجيره، فنظام الأسد "لم يعد شرعياً بعد أن فتك بنا وبآمالنا وحقوقنا، فعن أي مصالحة يتحدثون، وأي حضن وطن يقصدون؟" يتساءل الزمو مستهزئاً.
فشل سياسي ذريع
وفي تحليل مفصل لما يجري على الساحة السياسية والشعبية يحدثنا الناشط الإعلامي منهل باريش (35عاما)، فيقول بأن "الجميع كان يعوّل على قمة طهران التي عقدت في السابع من الشهر الحالي سبتمبر 2018 لإيجاد حل يمنع تعرّض إدلب لهجوم عسكري، غير أنّ تعنت الروس أفشل المحادثات التي انتهت دون أي نتيجة، فهناك اختلاف كبير بوجهات النظر حول إدلب، فمع تأكيد الجانب التركي على أن أمن إدلب يعتبر أمنا لتركيا كونها تتشارك معها في الحدود، فقد أصر الجانب الروسي على خوض العملية، والعمليات العسكرية التي بدأت منذ أيام قليلة، والتي تمثلت بقصف النظام لمناطق واقعة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي، وهذه ما هي إلا استفزازات سوف تدفع بتركيا لإيجاد حل على طريقتها في إدلب، بمعنى أنّ الأخيرة سوف تأخذ على عاتقها زمام المبادرة لحسم قضية إدلب".
ويشير باريش إلى أنّ التعزيزات العسكرية التي أرسلتها تركيا إلى نقاطها الموزعة في إدلب غير كافية، وعليهم، من وجهة نظر باريش، التوجه لحل النصرة التي تعتبر ذريعة النظام والروس للهجوم على إدلب بحجة محاربة الإرهاب.
ويرى باريش بأنّ المرحلة التالية ستكون بمثابة تسوية سياسية تتضمن تسليم السلاح المتوسط والثقيل، ودمج المقاتلين مع جيش النظام، فتركيا "لن تستطيع حماية إدلب حتى النهاية".
ويعتقد باريش أنّ النظام سيعاد إلى إدلب لا محالة غير أنّ شكل السيطرة سيكون مختلف مع وجود النقاط التركية.
أما فيما يتعلق بالمدنيين فهم "لا يملكون أي قرار سياسي، سواء على مستوى الفعاليات السورية السياسية الموجودة في الداخل، أو على المستوى الأعلى كالإئتلاف، حيث أنّ الأخير خارج النطاق تماما وما يفصّله الأتراك يلبسه، بانتظار ما تفضي إليه التفاهمات الدولية"، على حد وصفه.
الفصائل تستعد
بعيدا عن كل ما هو متوقع، الفصائل العسكرية في إدلب تعدّ العدّة لخوض معركة مصيرية بالنسبة لهم.
"نكون أو لا نكون"، بهذه العبارة، بدأ القيادي في الجيش الحر، محمد العبدو (39عاما)، حديثه لحكاية ما انحكت، موضحا أنّ المقاومة والصمود خيارهم، والترتيبات العسكرية بلغت أعلى المستويات للمجابهة، فجميع الفصائل متفقة على المواجهة، إذ "أصبح لدينا غرفة عمليات مشتركة تضم كافة الفصائل المتواجدة في الشمال المحرّر وتوّحدها. إنها معركتنا الأخيرة فنحن نتحدث عن آخر معاقل الثورة، ولذا فالمعركة ستكون حاسمة".
وينوّه العبدو إلى أنّ معظم الفصائل تجاوزت خلافاتها ووحدت قياداتها ضمن ما سمّي الجبهة الوطنية للتحرير استعدادا لمحاربة النظام وحلفائه والدفاع عن إدلب. ويذهب العبدو للحديث عن عمل عسكري لن يقتصر على الدفاع بل على الهجوم أيضا، متحدثا عن أساليب "غير تقليدية" سوف تتبع للضغط على النظام، مردفاً فيما يخص المصالحة "تعلمنا الكثير من التجارب السابقة في الغوطة وفي درعا وغيرها، فهذه المرحلة لن تكون كسابقاتها وإدلب لن تكون كسابقاتها، ثورة الشعوب لا بد وأنها منتصرة، وثورتنا لن تنكسر وستهزم كل أعدائها بإذن الله".
المجتمع المدني أيضا يستعد
المجتمع المدني من جهته، يتحدث عن تجهيزات واستعدادات يتم العمل عليها للتخفيف من وطأة الهجوم العسكري المرتقب على المدنيين.
مصطفى الحاج يوسف (30عاما) مدير الدفاع المدني في المحافظة، يؤكد لحكاية ما انحكت، على أنّ فرق الدفاع المدني جاهزة لأي حالة طارئة كالعادة، وقد وضعت خططا تتناسب مع الوضع الراهن، وقد تحفّظ عن ذكرها، حرصا على سلامة كوادرهم ومراكزهم المستهدفة من قبل النظام.
وأوضح بأنهم على "استعداد للتعامل مع كافة حالات الإسعاف والإطفاء والإنقاذ ومساعدة النازحين في إيصالهم إلى أماكن إيواء مؤقتة". ويتمنى الحاج يوسف أن لا يحدث الهجوم لأنه إن حدث فسوف "يؤدي إلى تهجير أكثر من ثلاثة ملايين نسمة لا يعرف هؤلاء أين يذهبون، وهذا يعني أكبر كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين"، محمّلا المجتمع الدولي المسؤولية الأكبر في هذه الكارثة كونه لم يمنع وقوعها.
من جانبه تحدث، عبيدة دندوش (32عاما) مسؤول السلامة في منظمة سوريا للإغاثة والتنمية عن استعدادات طبية تمثلت بتجهيز المشافي ومنظومة الإسعاف والعيادات المتنقلة، والتي سوف تتوجه نحو أماكن النزوح على الحدود التركية.
أما بالنسبة للمجالس المحلية، فقد صرح هيثم الخطيب (35عاما) رئيس المجلس المحلي مدينة كفرنبل، بأنهم وكوادرهم سوف ينسقون مع جميع المنظمات والهيئات الإنسانية والدفاع المدني لتقديم المساعدة للمدنيين ومحاولة إيصالهم إلى مناطق آمنة "نوعا ما"، إذ سيكون المكان الأبعد عن محور المعركة هو المكان الأكثر أمنا على حد تعبيره.
بين التجاذبات الدولية والاستعدادات الميدانية، يطالب سكان محافظة إدلب العالم بأن يمنع عنهم آلة الحرب السورية المدعومة روسيا وإيرانيا، قبل أن تفتك بأكثر من أربعة ملايين مدني، نصفهم من النازحين، قتلا وتدميرا.