(إدلب)، يحمل عبد التواب الكامل، وعاء المازوت كل صباح إلى محل الديزل الواقع في بلدة كفرومة بريف إدلب الجنوبي، من أجل جلب 5 ليتر من المازوت للتدفئة بعد عجزه عن شراء برميل كامل، بسبب ارتفاع سعره ووصول سعر البرميل الواحد إلى ما يتجاوز 120 دولاراً للبرميل بعدما كان يساوي ما يقارب 90 دولاراً.
عبد التواب (28 عاماً) لديه طفلين، يعمل في البناء ولا يكفيه مدخوله الشهري في تحمّل أعباء فصل الشتاء، وحاله حال أغلب الأهالي في الشمال السوري، بسبب ارتفاع نسبة البطالة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر المحروقات نتيجة انقطاع الطريق من المناطق الشرقية لسورية أي محافظات دير الزور والرقة الغنية بالنفط، واحتكار المازوت والبنزين المستورد من قبل شركة وتد للمحروقات التي توزع النفط في الشمال السوري.
وتعاني المناطق المحررة من انقطاع مادة المحروقات بشكل مستمر والارتفاع الكبير في الأسعار فور انقطاع الطريق، حيث كان هذا السبب محفزاً من أجل إدخال النفط الأوكراني عن طريق معبر باب الهوى الحدودي عن طريق شركة وتد للمحروقات، ليكون بديلاً عن المحروقات التي تأتي من الآبار في المناطق الشرقية عند انقطاع الطريق.
وقامت شركة وتد للمحروقات التي تم إنشاؤها بداية العام 2018 من قبل بعض تجار محروقات والمهندسين، ومعظمهم من الشمال السوري، والتي تعمل في المناطق الحدودية ومدينة إدلب ومعرة مصرين وحارم ومناطق ريف حلب الغربي التي تعتبر مناطق تحت سيطرة تنظيم تحريرالشام، وتقوم باستيرادالنفط الأوكراني عن طريق معبر باب الهوى الحدودي بالتعاون مع شركات نفط تركية، حيث تقوم الأخيرة باستيراد النفط الأوكراني، ويتم بيعه لشركة وتد عن طريق معبر باب الهوى حيث تم تخفيض الرسوم الجمركية إلى 3 دولار للطن الواحد بعد أن كان 10 دولاراً، حيث أنّ كل صهريج يحمل 25 طن من الوقود عبر معبر باب الهوى الحدودي.
ويقول تاجرالنفط عبدالله الياسين (40 عام/ مستعار) من ريف حلب الغربي، وتحدث إلينا عن طريق الهاتف بأن: "هيئة تحرير الشام في بداية 2018 ساهمت على مبدأ الشراكة بقيام شركة وتد للبترول بهدف احتكار سوق المحروقات في الشمال السوري، بعد أن تمكنت من السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والمعبرالبري مع النظام في مدينة مورك بريف حماة الشمالي، لتتحكم بشكل كامل بكل ما يدخل للمحرّر من محروقات بأنواعها".
ويضيف "بأنه في 7 من الشهرالثاني هذا العام بدأت شركة وتد بإدخال مادة المازوت وكانت تدخل بشكل يومي، أثناء إغلاق طريق عفرين من معبر باب الهوى، حيث كانت شركة وتد تمنع المازوت على التجار بحجة أن هذه الكميات تذهب للعسكريين، بينما تذهب لتعبئة الآليات في عمليات الرباط ضد قوات النظام، في حين يتم بيع قسم قليل للمراكز والأسواق، وتبيع بقية النفط في السوق السوداء بأسعار مرتفعة".
سوق لبيع المازوت في سرمدا
وقد تم افتتاح سوق لبيع المازوت والبنزين الأوكراني في مدينة سرمدا الحدودية بريف إدلب الشمالي من قبل شركة وتد في الخامس من الشهر الأول هذا العام، حيث يقع السوق شرقي مدينة سرمدا، وتبلغ مساحته أكثر من كيلومتر، إذ يقوم التجار والناس بشكل عام بالذهاب إليه بشكل يومي من أجل شراء المازوت، وتقوم عشرات السيارات من عدة مناطق من أرياف إدلب وحماة وحلب بالذهاب إلى السوق بشكل يومي من أجل شراء المازوت والبنزين، ورفد الأسواق، فيما تعاني بعض المناطق، وخصوصاً سهل الغاب وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي من نفاذ الكميات بسبب الطلب الكثيف عليه أثناء انقطاع المازوت من المناطق الشرقية.
وتقسم الشركة إلى أربعة أقسام، مهمة القسم الأول المسمّى محروقات وتد، استيراد المحروقات التي تشمل البنزين والمازوت من أوكرانيا بالإضافة إلى المناطق الشرقية.
فيما يقوم القسم الثاني للشركة على استيراد النفط الخام وتحويله إلى مازوت وبنزين عبر محطات التكرير التابعة للشركة، التي تنتشر على طريق حزانو بريف إدلب الشمالي ومنطقة ملس بريف إدلب الغربي، حيث قامت ببناء المصافي من أجل تكرير النفط.
فيما يتضمن القسم الثالث مراكز للغاز، تتوزع على ثلاثة مراكز في منطقة أورم الكبرى في حلب، وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ومدينة إدلب، وتعتبر مهامه الأساسية هي استقبال شحنات الغاز وتنظيم توزيعه على المراكز.
ويتضمن القسم الرابع للشركة سلسلة أسواق وتد، شكلتها الشركة في مدينة سرمدا لضمان وصول المحروقات إلى الشمال السوري، خصوصاً بعد أن اعتمد الجانب التركي شركة وتد لاستيراد النفط الأوكراني من خلال استيراد النفط وبيع المازوت والبنزين. وأخيراً قامت بتعبئة مادة الغاز وتوزيعه على بعض المراكز في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.
وتد واحتكار السوق
خالد أبو مالك (33 عام) يقيم في منطقة أطمة بريف إدلب الشمالي، هو أحد مالكي الصهاريج الذين يجلبون الوقود من دير الزور من قبل بعض التجار الذين يقومون بتكرير النفط بعد شرائه من قبل الوحدات الكردية إلى المراكز في ريف إدلب الجنوبي، حيث يرغب تجار المازوت بجلب النفط من دير الزور لأن أسعاره أرخص من أسعار المازوت والبنزين الأوكراني الذي يتم استيراده من قبل شركة وتد عن طريق معبر باب الهوى.
تسبّب احتكار سوق المحروقات من قبل شركة وتد وفرض الأسعار التي تحددها بأزمة وقود كبيرة في الشمال السوري لا سيما محافظة إدلب
و بعد أن التقينا معه شخصياً، قال بأن "شركة وتد أدخلت كمية من الغاز المنزلي إلى المناطق المحررة في الشمال السوري عبر معبر باب الهوى، بعد انقطاع الغاز لأكثر من شهر بعد وقف قوات النظام إمداد المناطق المحررة بالغاز عبر معبر مورك في 13/3/2018 حيث تم وضع سعرالجرة الواحدة ب6500 ليرة".
وأضاف بأن: "أحد المسؤولين في شركة وتد تحدث أثناء أزمة الوقود بأنّ توزيع الغاز سيقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة تحرير الشام في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بحجة عدم قدرتهم على ضبط أسعار الغاز في المناطق الخارجة عن سيطرتهم".
ويشير إلى أنه : "في وقت سابق تم إرسال 17 جرة من شركة وتد إلى مدينة ترمانين، في حين وصلت الأسماء المسجلة في المدينة إلى أكثرمن 3500، في حين تمنع شركة وتد بمساندة تحرير الشام الشركات الأخرى من أخذ تراخيص لمنافستها في مجال الوقود في المناطق المحررة، خوفاً من تقليل أرباحها ومن أجل التحكم في سوق النفط".
وتسبّب احتكار سوق المحروقات من قبل شركة وتد وفرض الأسعار التي تحددها بأزمة وقود كبيرة في الشمال السوري لا سيما محافظة إدلب، حيث كان سعر ليتر المازوت في الشهر الأول من عام 2018 يبلغ نصف دولار، ثم شهدت الأسواق ارتفاعا جنونياً في الأسعار، حيث وصل سعر الليتر إلى دولار ونصف الدولار، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المدنيين وأعمالهم، والتي تعتمد بشكل أساسي على المحروقات، إضافة لتأثر مرافق المدينة من مشافي وأفران ومعامل، حيث أعلنت عدد من أفران الخبز توقفها عن العمل، بسبب ارتفاع سعر المازوت، فيما قامت عدد من معامل البلوك والبلاط ومواد البناء في ريف إدلب التي تشغل اليد العاملة بوقف عملها أيضا.
أثر الاحتكار على أعمال المواطنين
عبد التواب العادل، التقينا معه شخصياً في محل المازوت أثناء شراءه لكميات قليلة بسبب عدم توفر المال الكافي يقول: "عندما تنقطع الطريق بين المناطق الشرقية ومناطق الشمال السوري يقوم التجار برفع أسعار المازوت بشكل كبير حيث أحياناً يرتفع سعر البرميل في اليوم الواحد إلى أكثر من 50 دولاراً بشكل مفاجئ بسبب الاحتكار".
مضيفاً بأن شركة وتد لاعب أساسي ومهم في موضوع احتكار الوقود، حيث أنه في الفترات التي تنقطع فيها المحروقات عن الشمال السوري لا تقوم بتعويض النقص الحاصل في المازوت والبنزين للمحافظة على الأسعار، إنما تقوم بتخزينه للحصول على أرباح ضخمة.
شركة وتد لاعب أساسي ومهم في موضوع احتكار الوقود، حيث أنه في الفترات التي تنقطع فيها المحروقات عن الشمال السوري لا تقوم بتعويض النقص الحاصل في المازوت والبنزين للمحافظة على الأسعار، إنما تقوم بتخزينه للحصول على أرباح ضخمة
من جهة أخرى، يقول ياسر أبو محمود (43 عاماً) من سكان مدينة كفرنبل بريف إدلب، وهو مسؤول عن شركة لمواد البناء حيث تحدث عن طريق الهاتف: "حين ارتفع المازوت قبل شهر من الآن قمنا بإغلاق الشركة، وصرفنا أكثر من 45 عاملاً، كانوا يعيشون من العمل في صنع مواد البناء، وذلك لأن ارتفاع أسعار الديزل بشكل كبير يؤدي إلى خسارة الشركة".
مضيفاً بأن "على شركة وتد أن تتحمل أعباء مناطق الشمال السوري في تأمين جميع مستلزماتها من النفط الأوكراني حين انقطاعه من المناطق الشرقية، أو تسمح بإشراك شركات أخرى معها في استيراد الوقود عن طريق معبر باب الهوى".
عبدالله النافع (37عاماً)، وهو صاحب كازية لبيع الوقود، ويقيم في مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، وموزع جوال على مناطق ريف إدلب الجنوبي التي تشمل منطقة خان شيخون ومعرة النعمان وحاس وكفرنبل وكفرومة، يقول: "بعد إيقاف تصدير مادة البنزين عن طريق النظام أجبر جميع التجار على شراء البنزين والمازوت من شركة وتد، وخصوصاً بعد إغلاق طريق المازوت عبر مدينة عفرين بسبب معركة غصن الزيتون في وقت سابق، حيث تعتبر هي الشركة الوحيدة التي تستورد النفط الأوكراني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام". مضيفا "بأنه بعد فتح طريق المازوت عن طريق مدينة عفرين وضخه بالأسواق، تسبّب هذا الأمر بضرر كبير لشركة وتد التي تبيع البرميل بـ 170 دولاراً حيث وصل سعر برميل المازوت من ريف حلب الشمالي إلى 120 دولاراً، حيث أجبرت شركة وتد التجار الذين يودون شراء البنزين على شراء برميلين مازوت مع كل برميل بنزين من أجل تصريف كميات المازوت بسعر مرتفع".
ويشير: "إلى أن شركة وتد ترتبط بشكل أو بآخر بهيئة تحرير الشام حيث أنّ كل المؤسسات أو الشركات التي تعمل في المناطق المحررة لا يمكنها التحرك إن لم تكن تدفع ضرائب أو تتبع لأشخاص مع هيئة تحريرالشام، وذلك من خلال تأمين الحماية لهذه الشركات ومنع منافستها مقابل دفع الضرائب الباهظة للهيئة مقابل عملها واحتكارها لسوق النفط".
تحرير الشام والمنظمات المدنية
وبالنسبة للضرائب، تفرض تحرير الشام على المنظمات بشكل شهري نسبة من السلال الغذائية، حيث قامت بأخذ أكثر من 100 سلة غذائية من الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية، مقابل تمرير الشحنات الغذائية من معبر باب الهوى وتقوم بإيقاف أي شحنات للمنظمات في حال رفضها تسليم الضرائب.
يقول محمد أبو أحمد (اسم مستعار) وهو مسؤول منظمة مجتمع مدني رفض الكشف عن اسمها "بعد تعبير المنظمة عن رغبتها في استيراد 40 ألف لتر من الوقود قام فريق من المكتب الاقتصادي التابع للهيئة بزيارة المنظمة والطلب منها برغبتهم بتوريد الكمية للمنظمة"، مضيفاً: "بأنه عند رفضنا عرضهم بتوريد الكمية، وخصوصاً أنه هناك أسعار في السوق منخفضة بشكل أكبر قاموا بتوقيف الشحنات الغذائية من معبر باب الهوى والتهديد بإغلاق المكتب حتى تم الاتفاق على توريدهم لنصف الكمية".
ويذكر أن بعض المنظمات العاملة في الداخل السوري أنهت أعمالها أو أوقفتها بسبب المضايقات التي تتعرض لها من قبل هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى منها منظمة (حماية الطفل) ومنظمة (بنفسج) بعد اعتقال مديرها عبد الرزاق عوض من قبل حكومة الإنقاذ.
بعض المنظمات العاملة في الداخل السوري أنهت أعمالها أو أوقفتها بسبب المضايقات التي تتعرض لها من قبل هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى
الناشط في مجال الصحافة المكتوبة أيهم العبد الله (28 عاماً) ويقيم في المخيمات الحدودية بالقرب من بلدة قاح بريف إدلب الشمالي، وقد تحدثت معه عن طريق الهاتف يقول بأن "شركة وتد قامت بضخ كميات قليلة في الكازيات في ريف إدلب حيث يتم تعبئة 15 لتر مازوت للسيارة فقط، في حين تم ضخ كميات واسعة من المازوت في السوق السوداء، حيث وصل سعر ليتر المازوت إلى 700 ليرة سورية مما حقق للشركة مبالغ طائلة في ظل انقطاع".
ويرفد بأن "المسؤول الإعلامي لشركة وتد يطلب من أي إعلامي يريد أن ينجز تقريراً عن عمل الشركة بكتابة تعهد عن إضافة شكر لحكومة الإنقاذ في التقرير لتسهيلها عمل الشركة وإدخال الوقود من معبر باب الهوى بضرائب رمزية، وذلك عن طريق مقطع صوتي على برنامج الواتس أب"، مضيفاً بأن "المناطق الخارجة عن سيطرة هيئة تحرير الشام وخصوصاً في ريف حلب الغربي وسهل الغاب وقسم من جبل الزاوية، بالإضافة إلى منطقة معرة النعمان التي تعاني من حصار اقتصادي وارتفاع أسعار الغاز بشكل جنوني أثناء انقطاع طريق المحروقات، وذلك بسبب خروجها عن سيطرة تحرير الشام، في حين تم توزيع مادة الغاز في مدينة إدلب لعناصر من هيئة تحرير الشام عن طريق شركة وتد".
وفي إطار عمل المنظمات في الداخل السوري منها بنفسج وشام الإنسانية وpah، تقوم أغلب المنظمات بطرح عروض من أجل توريد النفط والبنزين للمشاريع التي تقوم بها في الشمال السوري، وخصوصاً المشاريع التي تتعلق بتوريد كميات كبيرة من المازوت من أجل توزيعها على الأهالي أو المخيمات، حيث تقوم شركة وتد بأخذ أغلب العروض، وذلك بضغط من مكتب المنظمات التابع لتحرير الشام.
ويقول محمد أبو عمرو (45 عاماً/ اسم مستعار) ويقيم في بلدة كللي في محافظة إدلب، وهو مسؤول التوريد في منظمة "اكفهم بعطائك" العاملة في الشمال السوري بأن: "مكتب المنظمات التابع لهيئة تحرير الشام يقوم بمتابعة المشاريع التي تقوم بها المنظمات وفرض ضرائب تصل إلى 10 أحياناً بالمائة من قيمة المشاريع، لذا فإن الكميات الضخمة من المازوت تقوم شركة وتد بتوريده عن طريق الهيئة وبأرباح جيدة".
مضيفاً بأنّ "عدم الترخيص لشركات أخرى في معبر باب الهوى الذي يتبع لتحرير الشام من أجل جلب النفط الأوروبي وتخفيض الرسوم عليهم وتسهيل عملهم من قبل حكومة الإنقاذ التي تتبع للهيئة، بالإضافة إلى أن عملها يقتصر على مناطق تحرير الشام، يدل على أنها إما تابعة بشكل مباشر للمكتب الاقتصادي للهيئة، أو أنه تقوم بأخذ نسبة مئوية مرتفعة من الأرباح من قبل إدارة الشركة".
(كل ما ورد في هذا التحقيق من معلومات يمثل وجهة نظر كاتب التحقيق ولا يعبّر عن وجهة نظر حكاية ما انحكت)