يسعى هذا النص إلى التفكير في التناقض القائم بين التابوات العربية الإسلامية والتابوات الغربية الألمانية، في خصوص المسألة اليهودية الإسرائيلية، والطرق القائمة أو الممكنة لتناول هذا التناقض والتفاعل مع (سوء) الفهم المرتبط به، والسائد في كل ثقافةٍ، تجاه الثقافة الأخرى. وسيُناقش، في هذا الخصوص، النظرة أو الصورة النمطية السائدة لدى (معظم) السوريين، بوصفهم عربًا أو مسلمين، والنظرة أو الصورة النمطية السائدة لدى الألمان، وفقًا للصورة النمطية التي يمتلكها السوريون عنهم وعن الصورة النمطية التي لديهم.
على الرغم من أنّ التابوات الألمانية/ الغربية المتعلقة بالمسألة الإسرائيلية/ اليهودية ذات تاريخٍ "عريقٍ"، فإن هذه التابوات ترتبط، في ألمانيا خصوصًا، ارتباطًا خاصًّا، بما فعلته "ألمانيا النازية" باليهود بين عامي 1933-1945. فقد تعرض اليهود حينئذٍ للنفي والإبادة الجماعية في عملياتٍ أفضت إلى قتل ملايينٍ من الأشخاص الأبرياء. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي أفضت إلى هزيمة ألمانيا (النازية)، وتقسيم ألمانيا إلى ألمانيتين (شرقية وغربية)، حرصت ألمانيا الرسمية والشعبية على إظهار ندمها وتعاطفها مع اليهود، وبذلت جهودًا كبيرةً لمحاربة "معاداة السامية"، ولإظهار جسامة الجرائم التي ارتُكبت بحق اليهود وضرورة التصدي للأفكار والقيم والتصرفات المؤسسة لهذه الجرائم عمومًا ولمعاداة اليهود أو السامية خصوصًا. في إطار السعي إلى "تحمل مسؤولية ألمانيا التاريخية أمام العالم تجاه جرائم العهد النازي"، شدد الرئيس الألماني هورست كولر على أن "مسؤولية ألمانيا عن المحرقة تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويتها"([1])، واعترفت ألمانيا بإسرائيل بوصفها ممثلًا لحقوق اليهود الذين فقدوا حياتهم ضحية للإرهاب النازي، وعملت على دفع التعويضات إلى ذويهم وعلى مساعدة إسرائيل اقتصاديًّا، وجعلت "المحافظة على كيان دولة إسرائيل والمساهمة في حماية حقها في العيش بأمن وسلام أحد الركائز التي تقوم عليها السياسة الخارجية الألمانية تجاه الشرق الأوسط".([2]) ومن التابوات أو المحظورات القانونية أو الاجتماعية التي ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إنكار (استثنائية) الجرائم المقترفة بحق اليهود أو التخفيف منها أو التقليل من هولها أو فظاعتها، أو إظهار أي شكلٍ من أشكال "معاداة السامية"، كالحديث بالسلب عن اليهود، لمجرد كونهم يهودًا، أو اتهامهم بالبخل أو بالطمع أو بالجشع (على نمط شايلوك الشكسبيري)، أو المبالغة في إظهار قوتهم و/ أو سيطرتهم (المزعومة) على الاقتصاد أو السياسة أو الإعلام في هذه الدولة أو تلك أو في العالم الغربي عمومًا.
بالانتقال إلى العلاقات بين العالم العربي واليهود/ الإسرائيليين، والتابوات المرتبطة بهذه العلاقة في الثقافة العربية، نجد أنفسنا في عالمٍ مختلفٍ جذريًّا. ومثلما هو الحال في العلاقة بين ألمانيا واليهود، فإن تاريخ هذه العلاقات يعود بجذوره إلى عهودٍ قديمةٍ، لكن النقطة المحورية المعاصرة فيه هي إعلان دولة إسرائيل عام 1948، ومن ثم احتلال إسرائيل لأراض فلسطينية وعربية في حرب 1967، وفي حروبٍ أخرى خاضتها ضد البلدان العربية المجاورة لها. إسرائيل، في الوعي السوري المعاصر، هي تجسيدٌ للشر في الميدان السياسي- الأخلاقي؛ فهي دولة تحتل أراضي أكثر من دولة عربية، وقد قتلت، خلال حروبها مع العرب، عشرات الآلاف من الأشخاص، وهي مازالت تقضم الأراضي الفلسطينية، وترفض إقامة دولة فلسطين المستقلة، وتعتقل آلافًا من الفلسطينيين، وتحاصر مئات الألاف منهم ... إلخ. إسرائيل هذه هي غالبًا، في الخطاب الرسمي والشعبي السوري، نموذجٌ لدولة الاحتلال العدوانيةـ المعتدية والعنصرية. والتابوات "السورية" في خصوص اليهود/ الإسرائيليين مختلفةٌ تمامًا عن نظيرتها الألمانية، فمن المحظور الحديث عن إمكانية التخلي عن الأراضي "العربية" التي تحتلها إسرائيل، أو التخلي عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة. وفي المستوى القانوني يُحظر على السوريين التواصل مع الإسرائيليين أو إقامة علاقات "طبيعية" معهم، ومن يفعل ذلك أو يقيم اتصالاتٍ مع اليهود الإسرائيليين يعرِض نفسه لتهمة الخيانة، ويمكن أن يُحكم عليه بالإعدام الفعلي و/أو الاخلاقي.
من الضحية؟
اليهودي/ الإسرائيلي هو "الضحية" أو وريثه الشرعي في المنظور الألماني، في حين أنّ السوري/ العربي يرى أنه ضحية "هذا الضحية". ﻓ "الضحية"، في المنظور الألماني، هو المحتل والمعتدي والدخيل في المنظور العربي/ السوري. هذا الاختلاف الكبير بين المنظورين يجعل العلاقة بين المنظورين الألماني والسوري متوترة غالبًا، في هذا الخصوص. فتابوات كل طرف تبدو منتهكةٍ أو واجبة الانتهاك عند الآخر. كيف يمكن التعامل مع مشكلة التناقض بين هذين المنظورين أو بين الأشكال العديدة من سوء أو عدم الفهم الناتجة عن هذا التناقض؟ ولا يبدو نادرًا وجود سوء الفهم هذا، والمعاناة أو الشكوى بسببه، لدى "الطرفين". فمن وجهة النظر السورية/ العربية، لا يتفهم كثيرٌ من الألمان خصوصية علاقتهم مع إسرائيل ومواطنيها ومؤيديها، لأنهم يستسهلون كثيرًا اتهام الآخرين (السوريين) بالعنصرية ومعاداة السامية لمجرد أنهم معادون لإسرائيل أو رافضون لإقامة علاقة طبيعية رسمية مع اليهود/ الإسرائيليين، والظهور معهم في مناسبات عامة مشتركة، تحت عناوين براقة مثل السلام والحب والإنسانية ... إلخ. في المقابل، يرى كثيرٌ من الألمان أنه، على الرغم من الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني الكبير الذي قدمته وتقدمه ألمانيا للسوريين والفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، فإنَّ اللاجئين (السوريين) المعادين لإسرائيل لا يظهرون تفهمًا كافيًا للعلاقة الخاصة التي تربط ألمانيا باليهود/ الإسرائيليين وبدولة إسرائيل. ويظهر ذلك، من وجهة نظرهم، في قيام بعض اللاجئين، على سبيل المثال، بالتنديد العلني والشديد بسياسات إسرائيل وتصرفاتها تجاه الفلسطينيين، أو بحرق علم دولة في التظاهرات التي تجري في ألمانيا، أو في الإعلان أنهم لا يعترفون بدولة إسرائيل و/أو بحقها في الوجود، إلى أن تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي تحتلها، وتعترف بحق الفلسطينيين الكامل في دولةٍ كاملة السيادة، ... إلخ.
اليهودي/ الإسرائيلي هو "الضحية" أو وريثه الشرعي في المنظور الألماني، في حين أنّ السوري/ العربي يرى أنه ضحية "هذا الضحية". ﻓ "الضحية"، في المنظور الألماني، هو المحتل والمعتدي والدخيل في المنظور العربي/ السوري.
ثمة مقارباتٌ عديدةٌ للتفاعل مع مشكلة التناقض بين هذين المنظورين والأشكال العديدة من التابوات وسوء أو عدم الفهم المرتبطة بهذا التناقض. ومن أهم هذه المقاربات: المنظورية أو النسبوية، الدوغمائية الأحادية أو المطلقة، التلفيقية السياسية العمياء أو المتعامية. وسأقدم فيما يلي شرحًا مكثَّفًا ونقديًّا، لمضمون كل واحدة من هذه المقاربات، قبل أن أشير إلى إمكانية وجود مقاربة مختلفة تأخذ بعين الاعتبار سلبيات المقاربات الثلاث الأخرى وإيجابياتها، في الوقت نفسه.
تتمثل المقاربة النسبوية، في هذا السياق، في القول إنّ كلًّا من هذين المنظورين المتناقضين محقٌّ بالكامل؛ ولهذا ليس بالإمكان تكاملهما أو الجمع بينهما في نظرةٍ كليةٍ شاملةٍ. فمن ينظر من المنظور أو المنظار السوري/ العربي يرى اليهودي/ الإسرائيلي عدوًّا ومجرمًا، بقدر تأييده لاحتلال إسرائيل لأراض جيرانها، ولممارستها العنف والقمع بحق العرب المعارضين والمقاومين لهذا الاحتلال، وبقدر مشاركته أو إسهامه في هذا الاحتلال وتلك الممارسة. ومن هذا المنظور، يكون التطبيع مع اليهودي الإسرائيلي المؤيِّد لسياسة الاحتلال تابوًا لا ينبغي انتهاكه، لأن هذا التطبيع هو تنازلٌ عن الحقوق وتخلٍّ عن الضحايا وإهدارٌ لدمائهم وتضحياتهم، ودعمٌ لمن قام بقمعهم وظلمهم والإجرام في حقهم. ويمكن وصف هذا التابو بالإيجابي، من الناحية القيمية/ الأخلاقية، بقدر اتساقه مع، أو استناده إلى، المبادئ الأخلاقية العامة ومنظومة حقوق الإنسان المعاصرة، والقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة بهذه المسألة. في المقابل، ومن منظورٍ نسبويٍّ آخر، يكون الألماني/ الغربي محقًّا في حديثه عن المسؤولية الخاصة التي تتحملها ألمانيا تجاه اليهود/ الإسرائيليين ودولة إسرائيل؛ فالجرائم الفظيعة والمريعة التي ارتكبتها ألمانيا النازية بحق اليهود تبررّ العلاقات الخاصة التي تقيمها ألمانيا مع اليهود/ الإسرائيليين ومع دولة إسرائيل، والتزامها الكامل بأمنها ومساعدتها المستمرة لها اقتصاديًّا وسياسيًّا، في محاولة لتحمل المسؤولية الخاصة التي ترى ألمانيا محقةً أنها تقع على عاتقها تجاه اليهود/ الإسرائيليين. ومن هذا المنظور، تبدو التابوات الألمانية/ الغربية مسوَّغة أخلاقيًّا، بالإضافة إلى كونها مسوَّغةً سياسيًّا: فإنكار جرائم ألمانيا بحق اليهود وغيرهم جريمة، ومعاداة اليهود أو السامية هي امتدادٌ، مباشرٌ أو غير مباشرٍ، لمعاداة النازية لليهود، أو صياغة معاصرة لها يجب رفضها وحظرها، حظرًا كاملًا.
بعيدا عن النظرة الأحادية الدوغمائية
يمكن للمرء أن يبقى في إطار هذه المنظورية النسبوية، بحيث يتأرجح بين هذين المنظورين، من دون امتلاك القدرة على إنكار معقولية أي منهما أو على التوفيق بينهما في رؤية متكاملةٍ. لكن هذه المنظورية النسبوية تتحول إلى دوغمائية أحادية و/ أو مطلقة عندما يُتبنى، تبنيًّا كاملًا، أحد المنظورين المذكورين، مع إنكار وجود أي معقوليةٍ كبيرةٍ وأساسيةٍ للمنظور الآخر.
ﻓ "الدوغمائية الأحادية و/ أو المطلقة" هي رؤيةٌ أحاديةٌ لا تعترف بأي معقوليةٍ كبيرةٍ للرؤى والمنظورات المختلفة عنها، وترى أن لديها ما يكفي، معرفيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا، لتبني موقفٍ، كاملٍ ونهائيٍّ، في خصوص مسألةٍ ما، بدون الاكتراث، اكتراثًا كبيرًا، بأي رؤية مختلفةٍ عنها أو مخالفةٍ لها. ووفقًا للتبني الدوغمائي للمنظور السوري/ العربي، فإن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه في التعامل مع هذه المسألة، هو أن إسرائيل دولةٌ تحتل أراض جيرانٍ لها وتقمع و/ أو تحارب كل من يعارض احتلالها ويقاوم هيمنتها ويرفض ممارساتها الإجرامية، وأنه من المعقول جدًّا القول بأنه لا شرعية قانونية ولا مقبولية أخلاقية أو حتى سياسية لوجود هذه الدولة، طالما أنها ترفض التنفيذ الكامل لمضامين القرار الدولي الأممي الذي تمت إقامة كيانها على أساسه. الانطلاق من هذا الأساس يعني، وفقًا للتبني الدوغمائي للمنظور السوري/ العربي، أنه عند تناول موضوع دولة إسرائيل أو المسألة الإسرائيلية/ اليهودية المتصلة بها، ليس هناك أهمية (كبيرة) لاستحضار المسائل المتعلقة بالمجازر التي تعرض لها اليهود سابقًا وظاهرة معاداة السامية في الثقافات الحديثة والمعاصرة ومنها الثقافة العربية/ الإسلامية. فهذه المسائل، إما غير ذات صلةٍ كبيرةٍ بالقضية المطروحة، أو هي نتاجٌ ثانويٌّ للمسألة الأساسية المتمثلة في الاحتلال وهيمنته، أو عرضًا من أعراضها.
في المقابل، يشدِّد التبني الدوغمائي في المنظور الألماني/ الغربي على أن النقطة الأساسية في تناول المسألة اليهودية/ الإسرائيلية تكمن في تعرض اليهود المستمر، ومنذ زمنٍ طويلٍ، لتمييزٍ عنصريٍّ إجراميٍّ بحقهم؛ وقد تجسَّد هذا التمييز في صورة مجازر وحشية سابقًا، كما تجسَّد في صورة معاداة لليهود وللسامية، وهي المعاداة التي ما زالت موجودةً، جزئيًّا ونسبيًّا، حتى الآن، في الثقافات الغربية والعربية والإسلامية المعاصرة. فالهدف الأول لأي تعامل مع المسألة اليهوديةـ الإسرائيلية يجب أن يتجسد في التصدي لظاهرة معاداة السامية، وحماية اليهود من أن يكونوا مجدّدًا ضحايا كارهيهم ومعاديهم، وتعويض ذوي الضحايا اليهود، والنظر إلى الالتزام بحماية "دولتهم" ووجودهم على أنه الواجب، الأخلاقي والسياسي، الأول والأهم، في هذا السياق. ولا يرى متبنو هذه الدوغمائية أي معقوليةٍ في حديث كثيرٍ من الفلسطينيين أو السوريين أو العرب عن اليهود الإسرائيليين الداعمين لسياسة دولتهم الاحتلالية، بوصفهم مجرمين وأعداء تاريخيين. اليهود/ الإسرائيليون، وفقًا لمتبني هذه الدوغمائية، هم ضحايا فعليون سابقًا، ومحتملون حاليًّا، لبيئةٍ معاديةٍ وكارهةٍ لهم؛ وتكمن المشكلة الأساسية في هذه المعاداة وذلك الكره، وما ينجم عنهما من إرهاب وعدوانٍ وعنفٍ. وينبغي فهم كل المسائل الأخرى، المتصلة باحتلال إسرائيل لبعض أراضي جيرانها ومنع الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة، على أنها رد فعلٍ إسرائيليٍّ – مبررٌ جزئيًّا ونسبيًّا، على الأقل – على هذه البيئة المعادية وتجسداتها. فالاحتلال هو نتيجةً لوجود البيئة المعادية لليهود أكثر من كونه سببًا أساسيًّا لها. والدعوة إلى إنهاء الاحتلال ينبغي أن يسبقها ويرافقها دعوةٌ إلى التخلص من البيئة المذكور ومن تجسداتها، ونجاحٌ، عمليٌّ وفعليٌّ، واضحٌ لهذه الدعوة الأخيرة.
تختلف مقاربة التلفيقية السياسية العمياء أو المتعامية عن المقاربتين السابقتين، من جهةٍ، وتتفق مع كل منهما، من جهةٍ أخرى. فهي تتفق مع مقاربة المنظورية النسبوية، وتختلف بالتالي مع الدوغمائية الأحادية أو المطلقة، في القول بوجود منظورين مهمين أو أكثر ينبغي أخذهما في الحسبان، عند تناول هذه المسألة ومحاولة فهمها والتعامل معها، نظريًّا وعمليًّا، معرفيًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا. في المقابل، تختلف المقاربة التلفيقية عن مقاربة المنظورية النسبوية، لكونها تزعم إمكانية التوفيق بين المنظورين المختلفين. وهذا التوفيق المزعوم هو "في الحقيقة والواقع" تلفيقٌ، بقدر قيامه بالجمع بين أضداد ومتناقضات، بدون أساسٍ أخلاقيٍّ ومعرفيٍّ، واضحٍ و/ أو كافٍ و/ أو متينٍ. فالتلفيقية هي توفيقٌ شكليٌّ أو شكلانيٌّ يحاول التركيز على مستوى الخطاب النظري العام، لا على الواقع المتعين، وعلى مستوى الشعارات العامة والضبابية، لا على مستوى المبادئ المحددة ذات المضامين الواضحة والفاعلية الراسخة. وتكمن تلفيقية هذه المقاربة في كونها تستسهل الزعم ﺑ (إمكانية) التوفيق بين الواقع والمثال، أو بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. فباسم الواقعية السياسية، يمكن لهذه هذه المقاربة أن تنكر الحقوق المبدئية والحقائق البديهية، برضوخها للواقع المفروض بالقوة بدلًا من أن ترفض الواقع المتعارض مع تلك الحقوق والحقائق، وبمماهاتها لما هو كائن مع ما يجب أن يكون. ويتعزز هذا العمى أو التعامي عندما تقتصر هذه المقاربة على التجريدات والعموميات الضبابية، والتنظيرات المثالية، بما يفضي إلى غض النظر، قصدًا أو عفوًا، عن الفروق أو الاختلافات بين المجرم والضحية، بين الظالم والمظلوم، بين السبب والنتيجة، في مساواةٍ شكلانيةً، على مستوى الخطاب، تعزز اللامساواة السلبية القائمة في الواقع، وتخفيها، في الوقت نفسه، بدلًا من أن تفضي إلى إزالة هذا التفاوت أو التخفيف منه، على الأقل.
وترتبط السمة التلفيقية لهذه المقاربة بنزوعها السياسي؛ فهي ليست مرتبطةً بهمٍّ أو انهمامٍ معرفيٍّ و/ أو أخلاقيٍّ يتأسس على معطيات الواقع والتاريخ، ويتناسب فعلًا مع قيم الحقيقة والحق والخير والعدل، وإنما هي مرتبطةٌ بضروراتٍ أو تطلعاتٍ سياسيةٍ مصلحيةٍ ضيقةٍ و/ أو منظوراتٍ عامةً بالغة التجريد والتعميم. وتتمثل المقاربة التلفيقية على سبيل المثال في الحديث العام عن ضرورة التآخي وسيادة المحبة في العلاقات بين الشعبين اليهودي- الإسرائيلي والعربي- الفلسطيني، بدون توصيفٍ واضحٍ للمعطيات الواقعية للمشكلة ولأسبابها وأبعادها ونتائجها الأساسية، وبدون اتخاذ موقفٍ واضحٍ، على سبيل المثال، في خصوص ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وغير الفلسطينية، وعودة ملايين الفلسطينيين النازحين أو المهجرين من بيوتهم... إلخ. ويندرج، في هذا الإطار، العمل على تنظيم نشاطاتٍ فنيةٍ وحفلاتٍ موسيقيةٍ، على سبيل المثال، تجمع أدباءً وفنانين يهودًا/ إسرائيليين مع فنانين فلسطينيين أو عرب، تحت شعارات السلام والمحبة والتآخي، بدون اكتراث فيما إذا كان المشاركون في هذه الحفلات مؤيدين للاحتلال الإسرائيلي أم معارضين له، وبدون اهتمامٍ بالوظيفة السلبية التي يمكن أن يؤديها تطبيع العلاقات مع الاحتلال والمحتلين ومؤيديه ومؤيديهم، في ترسيخ هذا الاحتلال وتشجيع المحتلين على الاستمرار في احتلالهم وعدوانهم وقمعهم. إنّ الزعم بإمكانية الفصل بين السياسة وواقع الاحتلال من جهةٍ أولى، وهذه النشاطات الفنية والأدبية هو زعمٌ تلفيقيٌّ سياسيٌّ بامتيازٍ.
في مقابل هذه الرؤى الثلاث، أرى وجوب اتباع مقاربةٍ مختلفةٍ تتضمن إيجابيات المقاربات الثلاث المذكورة آنفًا، وتتجاوز، في الوقت نفسه، سلبياتها الكبيرة والكثيرة. وينبغي لهذه المقاربة أن تأخذ في الحسبان تعدد المنظورات، من دون أن تخضع لأيٍّ منها، وأن ترفض الحياد والوسطية، بدون أن تكون لا- موضوعيةً. فعلى هذه المقاربة أن تنحاز إلى ما هو حقٌّ وحقيقيٌ، بحيث يكون ذلك سبيلها إلى الحصافة المعرفيةـ الأخلاقية، بدلًا من إقامة تعارضٍ زائفٍ بين الانحياز والموضوعية، أو إقامة تماهٍ أو ترابطٍ دائمٍ بين الوسطية و/ أو الحيادية، من جهةٍ، والصواب الأخلاقي والمعرفي أو حتى السياسي، من جهةٍ أخرى. والطريق إلى هذه الحصافة المعرفية ـ الأخلاقية المنشودة ليس سهلًا ولا واضح المعالم دائمًا؛ فنحن هنا في منطقة رماديةٍ غالبًا. وعلى الرغم من ذلك، ثمة قيمٌ ومبادئ، معرفيةٌ ومنهجيةٌ وأخلاقيةٌ، أساسيةٌ ينبغي لها أن تكون محرِّكًا و/ أو موجهًا لسلوكنا وفكرنا، في تعاملنا مع "المسألة الإسرائيلية"، ومع التابوات المرتبطة بها، بغض النظر عن كوننا ألمانًا أو عربًا، مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا، من ذوي الضحايا أو من ذوي المجرمين ...إلخ.
المساواة وتجنّب سياسات الهوية
المحور الأساسي والأهم في هذه المقاربة هو ضرورة التشديد على المساواة الأخلاقية المبدئية بين الناس، أفرادًا وجماعاتٍ، من جهةٍ، وتجنُّب سياسات الهوية، تجنُّبًا كاملًا أو شبه كاملٍ، في هذه المسألة، من جهةٍ أخرى. فمحاكمة الأفراد والجماعات، من جهة الأقوال والتصرفات والمواقف والقيم والأفكار... إلخ، ينبغي أن تنطلق من الإقرار بالمساواة الأولية الكاملة فيما بينهم أو بينها، وعدم معاملة أي طرفٍ معاملةٍ تفضيليةٍ تجعله يحظى بميزات غير عادلة، مقارنةً مع المعاملة التي يتلقاها الآخرون. وما ينبغي التخلص منه، في التابوات أو في تأثيراتها في السلوك والتفكير، هو الرؤية القيمية والمعرفية والسياسية المتأسِّسة على التضاد مع المساواة، والمؤسِّسة لهذا التضاد، في الوقت نفسه. ففي التابوات الألمانية عن اليهود، يبدو أن اليهود/ الإسرائيليين يحظون بمكانةٍ إيجابيةٍ مميزةٍ، لأنهم، أو لأن ذويهم، تعرّضوا سابقًا لاضطهادٍ وإهانةٍ ومجازر مروعةٍ. في المقابل، يبدو أن الصورة العامة لليهود/ الإسرائيليين في الوعي العربي المعاصر سلبية وتتضمن، في كثيرٍ من جوانبها، حطًّا منهم، لدرجةً ارتبطت بهويتهم، فأصبح معها اليهودي/ الإسرائيلي سيئًا أو موضع شكٍّ وشبهةٍ أو حتى إدانةٍ، لمجرد كونه يهوديًّا/ إسرائيليًّا. ومن هنا ضرورة التشديد على ضرورة تجنب سياسات الهوية.
والمقصود ﺑ "سياسات الهوية"، في السياق الحالي، هو التركيز على انتماء الضحايا أو المجرمين و/ أو ذويهم إلى هذه المجموعة الإثنية أو الدينية أو تلك، وجعل ممارسة فعل الإجرام أو التعرض له جزءًا أساسيًّا من هوية الجماعة الإثنية أو الدينية وأفرادها، ومن ثم اختزالهم، اختزالًا كاملًا أو جزئيًّا، إلى هذه الهوية "المزعومة"، والتعامل معهم على أساس هذا الاختزال. وانطلاقًا من سياسات الهوية، يحظى اليهودي/ الإسرائيلي بمكانة متميزةٍ، ومعاملةٍ تفضيليةٍ، وتقييم إيجابيٍّ مبدئيٍّ، لمجرد أنه يهوديُّ من (ذوي) الضحايا؛ في المقابل، تتأسس مساندة بعض العرب والمسلمين للفلسطينيين على كون الفلسطينيين عربًا أو مسلمين، وليس على كونهم أصحاب حقٍّ. فتجنب سياسات الهوية يعني ضرورة أن تتأسس مساندة الضحايا و/ أو مناهضة الإجرام والمجرمين على رفضٍ مبدئيٍّ للظلم، بغض النظر عن هوية الظالم و/ أو المظلوم. ومن هنا يمكن وينبغي لكل إنسانٍ أن يكون ضد جرائم الهولوكوست المرتكبة بحق اليهود، وأن يتعاطف مع الضحايا وذويهم، وأن يكون، في الوقت نفسه، ضد الاحتلال الإسرائيلي وما يرافقه من قتل وقمعٍ وجرائم كبيرةٍ وكثيرةٍ ونتائج كارثيةٍ، وأن يتعاطف مع الضحايا وذويهم. بل يمكن القول إن رفض جرائم الهولوكوست وتكريم ضحاياها يتم، بالدرجة الأولى، من خلال رفض أي ظلمٍ يحاول توظيف هذه الجرائم في ممارسة جرائم أخرى على ضحايا آخرين. ومن هنا ضرورة مراجعة أو تجاوز التابوات الألمانية التي قد تمنع، أحيانًا أو غالبًا، اتخاذ موقفٍ واضحٍ وصريحٍ من الاحتلال الإسرائيلي وممارساته بحق الفلسطينيين أو غير الفلسطينيين. ولا ينبغي للجرائم التي ارتكبت سابقًا بحق اليهود أو الفلسطينيين أو الأرمن أو الأكراد ... إلخ أن تسمح بحصول ذوي الضحايا على امتيازاتٍ خاصةٍ أو معاملةٍ تفضيليةٍ تسمح بالتغاضي عن أي جرائم أو أعمال سلبية يقترفونها. وإذا كان هناك إحساسٌ بوجود مسؤوليةٍ خاصةٍ تجاه ضحايا الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود في زمنٍ ما، فهذا لا يعني أن يحظى اليهود المعاصرون بمعاملةٍ تفضيليةٍ، إذ ينبغي لهذا الإحساس أن يُفضي إلى الوقوف مع المظلومين في عالمنا المعاصر، بغض النظر عن جنسية المجرم أو الظالم و/ أو ضحيته وهويتهما الدينية أو الإثنية ... إلخ. فتجنب تطبيق سياسة الهوية في هذا السياق يعني أن لا وراثة ولا توريث، في هذا الخصوص. فذوو المجرمين لا يتحملون وزر ما فعله ذووهم، كما لا ينبغي أن يتلقى ذوو الضحايا أي معاملة تفضيلية تسمح لهم بممارسة الظلم أو انتهاك حقوق الآخرين.
محاكمة الأفراد والجماعات، من جهة الأقوال والتصرفات والمواقف والقيم والأفكار... إلخ، ينبغي أن تنطلق من الإقرار بالمساواة الأولية الكاملة فيما بينهم أو بينها، وعدم معاملة أي طرفٍ معاملةٍ تفضيليةٍ تجعله يحظى بميزات غير عادلة، مقارنةً مع المعاملة التي يتلقاها الآخرون
على الرغم من أن ما سبق يبدو بديهيًّا، معرفيًّا وأخلاقيًّا، إلا أنه ليس نادرًا تحويل حالة الضحية إلى هويةٍ، من خلال تحويل الظلم إلى مظلوميةٍ، والمظلومين، في خصوص أمرٍ معينٍ، إلى "ضحايا" دائمين، ينبغي أن يحظوا بامتيازاتٍ ومعاملةٍ خاصةٍ. إن تحويل الظلم إلى مظلوميةٍ يحوِّل العالم إلى مانوية قطبيةٍ: من جهةٍ أولى، هناك مظلومون وهم على حق دائمًا، لمجرد أنهم، في خصوص أمرٍ ما، مظلومون؛ ومن جهةٍ ثانيةٍ، يوجد ظالمون، وهم على باطلٍ دائمًا، لمجرد أنهم، في خصوص أمرٍ ما، ظالمون. وبدلًا من أن يكون الظالم هو عدونا، يصبح عدونا هو الظالم، وأنه بالتالي من الأشرار؛ ونحن، بطبيعة الحال، المظلومون، وبالتالي (من) الأخيار. هذا ما يبدو أن كثيرًا من العرب الفلسطينيين أو السوريين يظنونه في حديثهم عما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي. لقد حاججت، في سياقٍ آخر، أن ثمة أسبابًا خاصةٌ تجعل كثيرًا من العرب والمسلمين أكثر تفهمًا لمعاناة الفلسطينيين ورغبةً في دعمهم. فبالنسبة إلى السوريين، إسرائيل ما زالت تحتل قسمًا من أرضهم (الجولان)، وهي بالتالي عدوةٌ لهم، بقدر رفضها للانسحاب من الأراضي التي تحتلها. لكن خصوصية وضع السوريين، أو غير السوريين، ينبغي لها أن تتأسس على القيم الأخلاقية الإنسانية العامة، لا أن تتعارض أو تتناقض معها. فمساندة العرب (وغير العرب) للفلسطينيين ينبغي أن تتأسس على كون الفلسطينيين مظلومين، وبقدر ما يكونوا على حقٍّ، وليس على مجرد كونهم عربًا أو مسلمين أو ما شابه. المقاربة الأخلاقية المبدئية تتجنب تمامًا التأسس على انتماءات النسب الإثنو-ديني التي تتخذ من مقولة "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب ..." شعارًا لها. فلكي يكون الموقف المتعاطف مع اليهود أو الفلسطينيين أخلاقيًّا ينبغي له، أن يتأسس على القيم لا على الانتماءات، وعلى نظرة أخلاقيةٍ معياريةٍ مبدئيةٍ، وليس على انحيازات سياسيةٍ غير أخلاقيةٍ. كما ينبغي لهذا الموقف ألا يتحول إلى حقدٍ عنصريٍّ لا يرى إلا السلبيات في الأعداء المفترضين، ولا يرى إلا الإيجابيات لدى من يؤيده أو يتعاطف معه.
ولتجنب سياسة الهوية وسلبياتها، وللبت في مضامين التابوات ومآلاتها، ينبغي للمقاربة الأخلاقية المبدئية أن تتسم بالسمة النقدية، وأن يكون النقد الذاتي أحد أهم أركانها. الغرض الأساسي من النقد الذاتي هو التمييز بين ما ينبغي انتهاكه وما ينبغي عدم انتهاكه من التابوات، إضافةً إلى الكشف عما يتم انتهاكه فعلًا من هذه التابوات. فلفظة "التابو" أو "المحظور" يمكن أن تثير مشاعر متباينة ومتناقضة، في عالمنا المعاصر. فمن جهةٍ أولى، ثمة ضرورة للاعتراف بالمعقولية الجزئية والنسبية على الأقل، التي يتأسس عليها وجود بعض التابوات، وبأن الثقافة تتأسس دائمًا على تابواتٍ ومحظوراتٍ وتحريماتٍ ما؛ ومن جهةٍ ثانيةٍ، ثمة ميلٌ للتحرر من التابوات، ولانتهاك المحظورات أو تجاوزها، وللتخلص من قيودها ومن الحساسيات المرتبطة بها. ﻓ "تحريم زنا المحارم"، على سبيل المثال، هو من التابوات العامة التي مازالت تحظى بقبولٍ عامٍّ في عالمنا المعاصر. وإنكار الجرائم والمذابح التي حصلت، في التاريخ الحديث والمعاصر خصوصًا، هو أيضًا، من وجهة نظر الكثيرين، تابو محمودٌ أو إيجابيٌّ، ينبغي الحفاظ عليه وعدم استسهال انتهاكه. ومن هنا نرى أنه على الرغم من محاذير هذا النوع من التابوات، لاحتمال تعارضه مع حرية التعبير والنقاش الديمقراطي، إلا أننا نرى معقوليةً ما في استمرار وجودها، مرحليًّا على الأقل. ويبقى ضروريًّا العمل على الحد من التأثير السلبي لهذه التابوات في النقاشات والأبحاث الجادة والنزيهة.
إن ممارسة الثقافة العربية للنقد الذاتي، في خصوص المسألة الإسرائيلية/ اليهودية، أمرٌّ ملحٌ وضروريٌّ، على ألا يتحول هذا النقد الذاتي إلى مجرد جلدٍ للذات ومبالغة في تضخيم سلبياتها الكبيرة والكثيرة أصلًا. ويتطلب النقد الذاتي وجود استعدادٍ للاعتراف والإقرار ورغبةٍ في الإنصاف. وما ينبغي إقراره والاعتراف به، في السياق الحالي، هو وجود نزعة عنصريةٍ قويةٍ في الثقافة العربية عمومًا. ففي الثقافة السائدة في سورية، على سبيل المثال، يرتبط مفهوم اليهودي بالطمع والبخل والأنانية وبكونه العدو الذي لا مشكلة كبيرة في معاملته بقسوةٍ ما؛ وعندما يقول شخصٌ ما يتعرض لظلمٍ ما: "أنا مالي يهودي" أو "شو شايفني يهودي!" فهذا يعني أنه يحتج على هذا الظلم الذي لا يستحقه، من وجهة نظره، سوى اليهودي! وينبغي لمثل هذا الاعتراف أن يترافق مع فهمٍ للأسباب أو العوامل التي ساعدت على وجود هذه النزعة العنصرية وتعزيزها. لكن محاولة الفهم هذه لا ينبغي أن تتخذ صيغة التبرير. فالاعتراف بالنزعة العنصرية ينبغي أن يكون خطوةً أولى، لتجاوزها، وليس لتبريرها وتعزيز وجودها. ولا ينبغي لنقد هذه العنصرية أن يكتفي بالتمييز بين اليهودي والإسرائيلي فقط، ولا بين الإسرائيلي العنصري المؤيد للاحتلال والإسرائيلي غير العنصري فحسب، بل عليه أن يعمل على إعادة الاعتبار لليهودي/ الإسرائيلي بوصفه إنسانًا، لا ينبغي شيطنته ولا مماهاته مع أي صيغة سلبية من الصيغ الشائعة أو المبتذلة للرؤية العنصرية المضادة للسامية. فالاعتراف يسمح بالتعرف على اليهودي بوصفه إنسانًا ويهوديًّا، بعيدًا عن الصور النمطية والتهويلات والتخيلات الجاهلة والتجهيلية.
إن ممارسة الثقافة العربية للنقد الذاتي، في خصوص المسألة الإسرائيلية/ اليهودية، أمرٌّ ملحٌ وضروريٌّ، على ألا يتحول هذا النقد الذاتي إلى مجرد جلدٍ للذات ومبالغة في تضخيم سلبياتها الكبيرة والكثيرة أصلًا.
إن (إعادة) أنسنة الآخر/ اليهودي هي شرطٌ ضروريُّ لإعادة أنسنة ذواتنا نحن، العرب (و) المسلمين، ولاستعادة إنسانيتنا أو للارتقاء بها. وينبغي لهذه الأنسنة أو إعادة أنسنة صورة الآخر/ اليهودي أن تترافق مع، أو تفضي إلى، إعادة التفكير في ما ينبغي انتهاكه أو الحفاظ عليه من التابوات والمحظورات المتعلقة بالمسألة الإسرائيلية/ اليهودية في الثقافة العربية (و) الإسلامية. والإقرار بضرورة المقاربة الأخلاقية النقدية للمسألة الإسرائيلية/ اليهودية، وبضرورة إعادة التفكير في التابوات المتعلقة بهذه المسألة، لدى العرب والألمان، هو شرطٌ ضروريٌّ لحصول أي نقاشٍ بنَّاءٍ أو حوارٍ أو فهمٍ أو تفاهمٍ بين هذين "الطرفين".