(ريف إدلب)، بيدين متعبتين ووجه خضبته أشعة الشمس الحارقة، تعجن أم محمد الخمسينية الخبز لأولادها الجائعين الذين لم يجدوا ما يسدون به جوعهم بعد نزوحهم من ريف إدلب الجنوبي، نتيجة الحملة الهمجية التي يشنها نظام الأسد والروس على مناطقهم التي دمرتها طائرات الغدر والإجرام.
أم محمد وغيرها آلاف السوريين من الذين نزحوا إلى مناطق الشمال السوري باحثين عن الأمن والسلام، هربا من القصف الذي أجبرهم أن يسكنوا تحت أشعة الشمس الحارقة وبين الأشجار وفي الأراضي الزراعية التي لا تقيهم حرّ الصيف ولا برد الشتاء.
تصف أم محمد لحظات نزوحها من مدينتها، كفر نبودة (جنوب إدلب وشمال غرب مدينة حماة)، لحكاية ما انحكت، حيث تقول: "لم نستطع أن نخرج شيئا من أمتعتنا وأرزاقنا. خرجنا بثيابنا فقط حتى وصلنا إلى منطقة سرمدا الحدودية، لنفاجئ بأسعار إيجارات البيوت الخيالية التي لا نملك ربع ثمنها، ما دفعنا إلى السكن تحت أشجار الزيتون دون مأوى أو مرافق خدمية".
كفر زيتا وقلعة المضيق والهبيط وخان شيخون لم يكن حظها أحسن من حظ سابقتها نتيجة القصف الممنهج على المراكز الحيوية والمناطق السكانية، ما اضطر سكانها إلى النزوح منها إلى مخيمات الشمال التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة.
أم محمد من كفر نبودة في ريف حماة الشمالي: لم نستطع أن نخرج شيئا من أمتعتنا وأرزاقنا. خرجنا بثيابنا فقط حتى وصلنا إلى منطقة سرمدا الحدودية، لنفاجئ بأسعار إيجارات البيوت الخيالية التي لا نملك ربع ثمنها
يروي خالد الأحمد (مزارع) رحلة نزوحه عن منزله بقرية الهبيط بريف إدلب الجنوبي، قائلا: "نجونا بأعجوبة.. القرية كانت تحترق تحت ضربات النظام الجوية والبرية، لم نكن نسمع إلا أصوات القصف والصواريخ والطائرات، بالإضافة لصراخ المكلومات وأنات المصابين. خرجنا من منزلنا الذي تدمر كليا بفعل القصف، لم نستطع حمل أمتعتنا لعدم توافر واسطة نقل حيث مشينا أكثر من ثلاث ساعات على أقدامنا مخافة من الطيران الرشاش الذي يستهدف الآليات والسيارات، حيث استقر بنا الحال في مخيم سلقين".
يصمت قليلا، ليتابع بصوت مرهق: "لم أكن أتخيل أن أعيش في مثل هذه الظروف المعيشية القاسية حيث نبيت في العراء بعيدا عن منزلنا الذي باتت العودة إليه صعبة المنال".