مكب نفايات "البصة"

نصف قرن في خدمة التلوث البيئي!


تحوّلت قصة مكب البصة للنفايات (على بعد حوالي 15 كم عن مركز اللاذقية بمساحة 100 هكتار حالياً) إلى واحدة من أشهر قصص فشل الإدارات المتعاقبة في المدينة على مدار عقود في تقديم حلول حقيقية لمشكلة مزمنة طالت في ضررها منطقة واسعة من الساحل السوري. هنا تحقيق موسع عن هذا المكب، أضراره، أثاره على البيئة والبشر، وإمكانيات إيجاد حل له

28 أيلول 2019

حازم مصطفى (اسم مستعار)

كاتب وصحفي سوري مقيم في اللاذقية

(اللاذقية)، أقل من واحد كيلومتر تفصل بيت "نضال حمادي" (اسم مستعار، 45 عاماً) عن مكب نفايات قريته، البصة، الواقعة على بعد 10 كم عن اللاذقية، ومنذ إنشاء المكب الملاصق للبحر تماماً في سبعينيات القرن الماضي عرض بيته للبيع عشرات المرات دون جدوى.

للرجل، الموظف في أحد مؤسسات الدولة السورية، ثلاثة أولاد، أكبرهم يدرس في جامعة تشرين ومصاب بنوع من الربو، ما يدفعه يومياً لتناول رذاذ من بخاخ يشتريه 4 مرات في الشهر من صيدلية القرية بما يعادل ربع راتبه البالغ حوالي 50 دولاراً بأسعار الصرف الحالية حيث كل 650 ليرة تعادل دولاراً واحداً. يمشي الرجل برفقتنا على شاطئ الموقع وسط أكوام النفايات، يهزّ رأسه وهو يهمس: "على كذب المحافظة، سيتم إغلاق المكب العام القادم، هذا الكلام عمره خمس وعشرون عاماً".

مكب في منطقة سياحية

يقع المكب على أطراف قرية البصة الزراعية، على بعد حوالي 15 كم عن مركز اللاذقية بمساحة 100 هكتار حالياً بعد أن كانت عام 2002 وفق دراسة أجرتها الجايكا (الوكالة اليابانية للتعاون الدولي) بالتعاون مع مجلس المدينة المحلي، (60) هكتاراً، أي أن مساحته تضاعفت تقريباً في أقل من خمسة عشر عاماً. ويعود ذلك إلى تضاعف عدد السكان، إضافة إلى الدفق الكبير الذي نالته المحافظة من المهجرين بسبب الحرب، وقد تحوّلت قصة المكب إلى واحدة من أشهر قصص فشل الإدارات المتعاقبة في المدينة على مدار عقود في تقديم حلول حقيقية لمشكلة مزمنة طالت في ضررها منطقة واسعة من الساحل السوري، بلغ عدد سكانها فوق مليون ونصف نسمة أواخر العام 2014.

(تنتشر النفايات في الموقع على ارتفاع يصل إلى 3 أمتار عن مستوى اﻷرض، ويقدر إجمالي كمية النفايات غير المطمورة بحدود مليون طن/ خاص حكاية ما انحكت)

صُنفت منطقة المكب عقارياً منذ السبعينيات على أنها منطقة توّسع سياحي جنوب المدينة، وهي تمتلك مواصفات تؤهلها لتكون كذلك، فهي شاطئ رملي طويل، ولعل أحد أهم أسباب التفكير بنقل المكب رسمياً هو هذه النقطة في ظل التدافع على ما تبقى من مناطق بحرية بعد استملاك أغلبها من قبل حيتان الفساد في البلاد. 

كان يجب إغلاق المكب منذ عام 2010 بعد أن وصل تخزينه إلى ضعف طاقته الاستيعابية وفقاً لقراءات مشروع إدارة النفايات الصلبة الذي كان مقرراً تنفيذه منذ العام 2002، حيث استقبل على مدار السنوات الفائتة ملايين اﻷطنان من النفايات، وإلى اليوم يستقبل المكب يومياً بين 800 ـ 1200 طن من النفايات التي توزع في مساحة يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات ملاصقة لشاطئ البحر.

الحياة في مكب نفايات

يتحكم بالحياة داخل المكب البالغة مساحته مئة هكتار عائلات من الجوار، تقوم بتشغيل العديد من المراهقين واﻷطفال، خاصة من المهجرين القادمين من محافظات نائية مثل حلب وإدلب، ومناطق محلية مثل الرمل الفلسطيني. يقول "محمد ز" (17 عاماً، من حلب، متزوج) أنه يقوم "بنبش القمامة بحثاً عن مواد يمكن إعادة تدويرها والاستفادة منها" حيث يقوم ببيع ما يجمعه من بلاستيك إلى أحد التجار"، تعرض "محمد" للاعتقال أياماً  معدودة لجمعه البلاستيك من قبل الشرطة المحلية.

تمثل هذه الطرق في نبش القمامة واحدة من أبسط وأسوأ الطرق في إعادة تدوير القمامة، وهي منتشرة في كل أنحاء سوريا في ظل ضعف السياسة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، وزادت الحرب انتشارها في ظل الوضع الاقتصادي المتردي لملايين السوريين. 

يقول "جهاد" وهو أيضاً من العاملين في المكب في النبش أن الشرطة تهددهم دائماً بالاعتقال إن لم يتوقفوا عن النبش، يضيف: "صادروا لي دراجتي النارية قبل شهر، دفعت أكثر من 50 ألفاً حتى أعدتها". جهاد (18 عاماً، أيضاً متزوج) من ريف حلب (عندان)، دفعته الحرب في محيط بلدته إلى الانتقال إلى الساحل دون أن يجد عملاً سوى النبش في القمامة، رفض محمد وجهاد وآخرون أن نقوم بتصويرهم خوفا من اﻷذى الذي يمكن أن يتعرضوا له.

تنتشر النفايات في الموقع على ارتفاع يصل إلى 3 أمتار عن مستوى اﻷرض، ويقدر إجمالي كمية النفايات غير المطمورة بحدود مليون طن، ويعمل في المكب حالياً ثلاثة أو أربعة بلدوزرات تابعة للقطاع العام، وتقوم بفرش النفايات بعد الانتهاء من نبشها من قبل النباشين وغيرهم، وحتى وقت قريب لم يكن هناك أي مراقبة للمطمر من قبل أي جهة رسمية.

إعادة تدوير ومكابس ومزايدات يومية

يوم 12 آب 2019، وصلنا المنطقة، وحوالي العاشرة صباحاً وصلت سيارة نفايات أوقفها السائق داخل المكب منتظراً لبضع دقائق حتى التف حول سيارته عدة أشخاص لمعاينة "البضاعة".

النزوح والبيئة... دروس من سوريا والشرق الأوسط

23 تموز 2018
يستعرض هذا المقال تأثير النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الصحة البيئية للنازحين الذين يعيشون في المخيمات والأحياء العشوائية ورفاههم، نظراً للممارسات الملوّثة وظروف الحياة الخطيرة وغياب البدائل....

 "من اﻷميركان" (حي من أحياء اللاذقية)، يقول أحد الحاضرين بعد أن عرف السائق وسيارته، وبدأت المزايدة بين الحاضرين فيما وقف السائق مدخناً بانتظار النتيجة. يقول أحدهم: "خمسة آلاف، اليوم ما في شي والناس طفرانه". لا يتدخل السائق لحين انفضاض الاجتماع، يقترب الشخص الذي رست عليه المنافسة ويناوله مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية، ويصعدان معاً السيارة باتجاه نقطة محددة داخل المكب حيث يتم إفراغها.

يتكرر المشهد مع كل سيارة قادمة، يقول أحمد (46 عاماً،) وهو ابن إحدى هذه العائلات، ويعمل هنا منذ ربع قرن: "تختلف المزايدات تبعاً للمنطقة التي قدمت منها السيارة، فإن كانت من منطقة شعبية (الدعتور، السكنتوري، الرمل الفلسطيني، وهي مناطق ذات مستوى معيشي منخفض) فإن سعر "النقلة" لا يتجاوز 500 ليرة (أقل من 1 دولار)، وإن كانت من مناطق الطبقة الراقية (الزراعة، الصليبة، الأميركان ..) فإن المزاد يفتتح بوسطي ثلاثة آلاف (6 دولارات)".

يقوم عمل "أحمد" مع إخوته وآخرين على استقبال سيارات القمامة القادمة من المدينة ثم نبشها بحثاً عما يمكن إعادة تدويره والاستفادة منه، يقول: "تحتوي الحمولة على زجاجات فارغة، مثل زجاجات المشروبات الكحولية، وعلب معدنية (علب العصير) والزجاج وبقايا الخشب والكرتون واﻷلبسة، وفي اﻷعياد مثل عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية (باعتبار السمة الغالبة لتلك المناطق أنها مسيحية وذات مستوى معيشي مرتفع)، يرتفع السعر الذي ندفعه لسائق شاحنة القمامة إلى عشرة آلاف (16 دولار)، نقوم بتجميع هذه المواد ونقلها إلى مستودعات في منطقتنا ومن ثم نبيعها إلى أصحاب المعامل أو التجار أو غيرهم".

يتم كبس بعض المواد الناتجة من النبش (الكرتون مثلاً أو الخشب) عبر مكابس بدائية، وما يتبقى، وهو في الغالب مواد عضوية يترك في مكانه، حيث يفترض طمرها بشكل صحي، وهو ما يجري لبعض الكميات، في حين أن غالبيتها تترك في الهواء الطلق دون طمر.

الأخطار التي تطال العاملين في المكب كثيرة، يعتبر "خالد" (19 عاماً، يعمل مع والده في المكب) إن الخطر اﻷكبر له هو النفايات الطبية التي ترد من المشافي المحلية دون أي تعقيم أو تغليف خاص كما يفترض. يقول: "قبل شهرين تعرض أحد اﻷولاد إلى جرح في أصابعه بسبب مشرط طبي، وبسبب عدم وضع أي دواء أو معقم على جرحه فقد التهب الجرح وكاد أن يؤدي إلى قطع إبهامه، كان الخوف اﻷكبر أن يكون الالتهاب معدياً".

 أخطار أخرى تحدث عنها خالد بقوله: "الجرذان التي تعيش معنا ونعيش معها، ولا يتم تعقيم المكان بأي شكل"، ويناهز عدد العاملين في المكب زهاء عشرين شخصاً بشكل يومي.

حرائق مقصودة؟

في شهري تموز وآب 2019 غطت سحابات من الدخان الملوث أجواء مدينة اللاذقية على امتداد أسبوع كامل. يقول "محمد" (طالب جامعي، 22 عاماً): "وصلت الروائح الكريهة نتيجة الحرائق إلى القرى المجاورة مثل الهنادي وفيديو وحتى مدينة جبلة الواقعة على بعد 20 كم. كما شهدت بعض المناطق حالات اختناق، وفيما ضج الواقع الافتراضي بالشكاوى مما يجري في المكب، فإن السلطات المحلية اكتفت بوضع غرفة مسبقة الصنع مع موظف على مدخل المكب لمراقبة مفتعلي الحرائق فيه وهي تقع على بعد 1.5 كم على اﻷقل عن المكب، دون توقفها، مع اجتماعات متكررة منذ سنوات تعد بالانتقال إلى مكب جديد عام 2020"، مطلع الشهر الحالي تمت إقالة مجلس مدينة اللاذقية دون معرفة خلفية القرار الذي جاء دون سابق إنذار.

حرب على غابات الساحل السوري... من يحرقها عمدا؟

05 حزيران 2019
في يوم 3 تشرين الثاني عام 2016، اندلعَ خمسة عشر حريقاً في جبال ريف اللاذقية في وقت واحد، بعد مغيب الشمس بساعات قليلة، كان أكبرها في محيط قرية إبراهيم، الأمر...

بشكل يومي تقريباً، يرى سكان المنطقة حرائقاً مندلعة في موقع المكب، بعضها يستمر أياماً، بامتداد يصل إلى عشرات اﻷمتار. يعترف "أبو خالد" (56 عاماً، من العاملين في المصلحة) أن ما يجري في المكب "بعض منه متعمّد، وسيتكرر ما دام المكب موجوداً"، حيث تطال عملية الحرق النفايات غير المطمورة، وتقدّر بآلاف اﻷطنان، التي تحولت إلى مصدر لانبعاث الغازات السامة (غاز الميثان وأول أوكسيد الكربون)، ويجري إحراقها، كما يقول "أبو خالد" من قبل "البدو" المقيمين في جوار المكب الذين لديهم أعداد من الأغنام ترعى في المكان ملتهمةً البقايا العضوية، وما يجري بعد انتهاء عملية النبش هو حرق النفايات العضوية القديمة بغاية توسيع المساحات الممكنة لإفراغ مزيد من النفايات".

لكن هناك أسباباً أخرى للحرائق لا علاقة للبشر بها، وهي تلك الناتجة عن التفاعلات الكيميائية للنفايات العضوية المدفونة في المكان منذ عشرات السنوات والتي تتحول إلى غاز الميثان، يقول أحد العاملين في المكب لنا (موظف، 45 عاماً) إن الكمية الكبيرة والسماكة الهائلة للنفايات العضوية تجعل غاز الميثان يخرج يومياً من النفايات، ولا يمكن الاستفادة منه لعدم توفر اﻷدوات المناسبة هنا، يضيف: "في مكب قاسية الجديد هناك إمكانية للاستفادة منه".

أكثر من نصف إنتاج السماد العضوي من المكب للإتلاف؟

بدأ المكب عمله بشكل عشوائي منذ سبعينيات القرن الماضي دون وضع دراسات بيئية ولا دراسات تتعلق بالاستخدام المستقبلي للمكان، وما زال إلى اليوم يستقبل 90% من نفايات مدينتي اللاذقية والقرداحة، وأكثر من 67% من النفايات الواردة إليه هي نفايات عضوية وفقاً لدراسة أجرتها جامعة تشرين العام 2018. 

منذ العام 1979 أقيم في سوريا أربع معامل ﻹنتاج السماد العضوي من النفايات العضوية، أحدها في اللاذقية، وقد بدأ عمله عام 1981 بطاقة إنتاجية تبلغ 100 طن يومياً يستجر حاجته من مكب البصة ومن نفايات سوق الخضرة الواقع في المنطقة الصناعية على طريق حلب، إلا أن آلة التدوير في مرحلة التخمير (SILODA) للمعمل انكسرت عام 1995 دون استبدالها، واستعيض عنها بهرس النفايات بواسطة بلدوزرات، اﻷمر الذي جعل إنتاج المعمل سيئاً، كما أن نسبة استجرار النفايات في حدها اﻷدنى.

ووفقاً لمهندس، طلب عدم ذكر اسمه، من المعمل الواقع في قرية "الحمي" القريبة من "البصة"، فإن نسبة اﻹنتاج المفروضة تتجاوز 30 ألف طن سنوياً، إلا أنّ الفعلي لا يتجاوز 5 آلاف طن، ونسبة السماد المباع فوق ذلك لا تتجاوز 15% من إجمالي اﻹنتاج، ويباع الطن بسعر يتراوح بين 7-10 دولارات، إلا أن المشكلة اﻷساسية في هذا السماد هي أنه من النوع السيئ نتيجة أسباب عديدة، أحدها الرطوبة الناتجة عن سوء التخمير، لذلك يعاد إتلاف السماد الناتج وفقاً للمهندس السابق، إضافة إلى أن التسويق لدى المزارعين ضعيف.

التخريب البيئي مستمر للموارد

طالت التهديدات البيئية طويلة اﻷمد التي سببها وجود المكب بالقرب من أراض زراعية كبيرة المساحة تنتج الخضروات والفواكه، ويوجد فيها مئات البيوت البلاستيكية المخصصة ﻹنتاج الخضار. أيضا، المياه الجوفية التي لم تعد صالحة للشرب منذ عقود، وجميع أشكال التنوع الحيوي في المنطقة، ومنها الأسماك والطيور، والأهم تحول المكب إلى بيئة خصبة للجرذان والصراصير والبرغش.

الثمن البشري لآثار الحرب البيئية

02 تشرين الثاني 2016
كثيرة هي الأضرار الغير منتبه لها في سوريا، إذ تغطي الحرب وآثارها المباشرة على كل خطر آخر الآن. إلا أن هذا لا يلغي هذه الأضرار التي تتراكم، وفي مقدمتها تلك...

يقول المزارع "نعمان" (اسم مستعار، 52 عاماً) من أهالي البصة إن هجوم الجرذان على المحاصيل الزراعية أصبح أمراً شائعاً، "مهما استخدمنا المبيدات والأفخاخ، فإن العدد الكبير للجرذان والآفات اﻷخرى جعلت حياتنا جحيماً لا يطاق، لا يمكن أن تغفل عن البيت البلاستيكي وتترك بابه مفتوحاً لدقائق وإلا أصبح موسمك في مهب الريح".

تشير دراسة جامعة تشرين السابقة إلى أن تجاوز اﻷثر البيئي للأضرار التي تسبب بها المكب ستحتاج سنوات طويلة تصل إلى ربع قرن، فالمياه أصبحت بكاملها ملوثة، وحتى الخضار التي تسقى منها ليست آمنة بالكامل. يقول المزارع "نعمان": "إن سمعة خضرتنا في سوق الهال سيئة ولا تباع كما غيرها بأسعار مناسبة".

إجراءات حكومية .. غير ناجعة بسبب الفساد؟

بعد احتجاجات قام بها أهالي المنطقة في الواقع الافتراضي والفعلي، منها قطع الطرقات المؤدية إلى المكب عدة مرات، قرر مجلس مدينة اللاذقية حزمة من الإجراءات للحد من المشكلة.

 يتحدث العضو في مجلس المدينة المقال "جعفر.ح" لحكاية ما انحكت، فيقول: "أقر المجلس تكليف شرطة المحافظة بملاحقة نباشي القمامة وضبطهم ومصادرة أية مواد تخرج من المكب أو من يفتعل الحرائق ضمنه، كذلك تقرر البدء بإغلاق الطرقات الزراعية المؤدية إلى المكب مباشرة بمؤازرة قيادة الشرطة ومصادرة المكابس داخله أو أية آلية تخرج منه، ومصادرة الأغنام ومتابعة الرعاة في المكب وتسليم الأغنام المصادرة للمسلخ في البلدية".

كان قد سبق للمحافظة نفسها أن أقرت نقل نقل مكاتب المعنيين بالنفايات الصلبة في المحافظة والخدمات الفنية إلى مواقع العمل بالمكب، مع "إعداد دراسة للبدء بطمر القمامة في المكب والمباشرة في المواقع التي تتعرض بشكل دائم للاحتراق، ومتابعة العمل من قبل الشرطة وعدم الاكتفاء بعناصر ناحية الهنادي المجاورة وضبط أي متورط في موضوع مكب البصة وإحالتهم إلى القضاء من نباشين ومتورطين معهم من عاملين في الدولة" وفقاً للمهندس "وائل الجردي" مدير الخدمات الفنية في المدينة في تصريحات لصحيفة محلية.

(بدأ المكب عمله بشكل عشوائي منذ سبعينيات القرن الماضي دون وضع دراسات بيئية ولا دراسات تتعلق بالاستخدام المستقبلي للمكان، وما زال إلى اليوم يستقبل 90% من نفايات مدينتي اللاذقية والقرداحة/ خاص حكاية ما انحكت)

في اﻷسبوع اﻷول من شهر أيلول الحالي، نقلت حكايات الشارع في اللاذقية أن إقالة مجلس المدينة كان وراءها مكب البصة الذي وصلت روائح فساده وحرائقه إلى العاصمة إثر احتجاجات كان مزمعاً إقامتها في قلب اللاذقية من قبل أهالي المنطقة وآخرين من المهتمين بالبيئة.

 يقول "أبو أحمد" (مزارع، تقع أرضه قرب المكب) أن "الأمور لم تعد تتحمل، لذلك كان هناك نية للقيام باعتصام في ساحة المحافظة في المدينة، ولكي لا تتفاقم الأمور، فقد جاء المحافظ ومعه مجلس المدينة وآخرين ووعدوا بحل المشكلة بأقرب وقت".

وعلى إثر ذلك قامت المحافظة مع قيادة الشرطة وقوات حفظ النظام بمداهمة المكان بأكثر من 200 عنصر والقيام بمصادرة المكابس الموجودة، إضافة إلى اﻷغنام واعتقال عدد من الرعاة والعاملين وتحويلهم إلى القضاء بتهمة "التعدي على أملاك الدولة"! وتم تشغيل أربعة بلدوزرات في المكان لطمر النفايات الباقية.

إضافة إلى ذلك تم إنشاء مخفر شرطة على مدخل المكان يقوده ضابط في الشرطة، وإلى اليوم لا يعرف إلى متى ستستمر هذه اﻹجراءات خاصةً في ظل الفساد المتحكم في كل مفاصل الأجهزة اﻷمنية والشرطية.

البديل المنتظر من ربع قرن

ازدادت كمية النفايات الصلبة ماعدا الطبية ونفايات الإنشاءات منها، في اللاذقية من 150 ألف طن/سنوياً عام 2005 (حسب الخطة القطاعية للنفايات الصلبة عام 2005) إلى حوالي 170 ألف طن/سنة عام 2013 بمعدل 468 طن / يوم. وحسب مديرية النظافة في مجلس مدينة اللاذقية (باتصال هاتفي مع أحد موظفيها) فقد كانت كمية النفايات 800 طن/يوم لعام 2015 أي 292 ألف طن/سنة، وحسب مديرية النفايات الصلبة في اللاذقية فقد بلغت 1200 طن/يوم لعام 2017.

الجفاف.. ليس المشكلة البيئية الوحيدة في سوريا قبل ٢٠١١

24 تشرين الأول 2017
تظهر صورة مأخوذة من قمرٍ صناعي للحدود بين سورية وتركيا، فرقا مذهلا في كثافة اللون، كما لو أنّ شخصاً ما استخدم ممحاة على الجانب السوري ليمحي اللون بعض الشيء. فعلى...

يوضح التصاعد في الكميات الحاجة الماسة إلى اﻹسراع في إنهاء المكب البديل الذي كان يفترض أن ينتهي العمل فيه منذ سنوات، وهو مكب "قاسية" (ضمن حدود قرية السامية اﻹدارية) على بعد حوالي 14 كم عن المدينة، وقد أعدت دراسته الفنية منذ عام 2002 وبدء بتنفيذه وإلى اﻵن لم يتم الانتهاء منه.

من الجيد أن اختيار موقع مكب قاسية الجديد جاء بناء على دراسات فنية عالمية ومحلية (دراسة الجايكا السابقة)، وهو ليس قريباً من مناطق سكنية ولا زراعية، وهو ما سيجعله مكباً مناسباً للمحافظة، لكن يواجه إنهاؤه تحديات كثيرة، أولها ارتباط بدء عمله بوجود محطات معالجة متنقلة غير متوافرة حالياً لأسباب تتعلق بالوضع العام للبلد، حيث كان متوقعاً أن توضع في الخدمة بعد استيرادها، لكن ذلك لن يتم في القريب المنظور.

المستقبل اﻵن

تقوم مؤسسة اﻹنشاءات العسكرية بتنفيذ عقد بقيمة 300 مليون ليرة سورية مع مجلس مدينة اللاذقية لطمر مساحات واسعة من مكب البصة طمراً صحياً، وتنفيذ طرقات داخل المكب تسمح بالوصول إلى كل مقاطعه، وتبذل جهود كبيرة من قبل العاملين القليلي العدد في المكب للانتهاء من العقد بحلول شهر شباط القادم، على أمل إغلاق ملف المكب.

 يقول "إبراهيم" (36 عاماً، اسم مستعار): "نعمل ليل نهار ﻹنهاء الردميات فوق النفايات، ونأمل ألا يأتي الشتاء إلا ونكون قد انتهينا، لكن ذلك يتطلب مزيداً من الجهود التي على الجهات الرسمية القيام بها، وأولها زيادة أعداد العمال في المكب، وإلا فإن إغلاق المكب لن يكون في المنظور الحالي".

مقالات متعلقة

"الجبنة الحموية" ليست مقابل " التبغ اللاذقاني"

30 أيار 2018
يتحدث التاجر الحموي "أبو محمد" فيقول وهو يشارك في تعزية في قرية في الساحل السوري: "شو يعني؟ ليش جايين لهون؟ لحتى نشتري الدخان، دخان دوير بعبدة والقدموس والدالية ما في...
مصابو الساحل السوري: الموت أريح من هالعيشة

23 أيار 2019
ما حال مصابي جيش النظام والمليشيات التي حاربت معه؟ كيف هي حياتهم بعد الإصابة؟ كيف يتعامل معهم النظام ومؤسساته؟ أي شعور ينتابهم اليوم؟ هل يشعرون بالندم أم الفخر؟ هنا تحقيق...
في الساحل السوري.. مفاحم غير مرخصة

25 تشرين الأول 2019
لم تترك الحرب السورية مجالا لم تترك بصماتها عليه، لذا لم تنجو البيئة السورية من آثارها الكارثية، حيث توسعت مؤخرا ظاهرة المفاحم كوسيلة لكسب الرزق والعيش، الأمر الذي خلق "باب...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد