بقدم مبتورة.. تزرع الأرض وتقاوم


"لم أشعر بإصابتي في لحظاتي الأولى من هول المشهد، الدخان والغبار هو أكثر ما رأيته في تلك اللحظة، كانت دماء الناس ممزوجة بأرزاقهم، حاولت الوقوف ولكنني لم أستطع. رأيت قدمي وقد بترت. بضع لحظات لم أكن أصدق ما أرى، فقدت الوعي لأجد نفسي في المشفى الوطني، كان خبر إعاقتي من أكثر الأشياء التي أثرت في نفسي ولكن الحمد لله تأقلمت مع حياتي الجديدة". ولكن أية حياة تتحدث عنها ريما الأصفر (45 عام) من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي؟

15 تشرين الثاني 2019

(ريما الإصفر في حقلها في معرة النعمان/ تصوير: نايف البسوش/ خاص حكاية ما انحكت)
نايف البيوش

كاتب وصحفي من ريف إدلب

(ريف إدلب)،"لم أشعر بإصابتي في لحظاتي الأولى من هول المشهد، الدخان والغبار هو أكثر ما رأيته في تلك اللحظة، كانت دماء الناس ممزوجة بأرزاقهم، حاولت الوقوف ولكنني لم أستطع. رأيت قدمي وقد بترت. بضع لحظات لم أكن أصدق ما أرى، فقدت الوعي لأجد نفسي في المشفى الوطني في مدينة معرة النعمان، كان خبر إعاقتي من أكثر الأشياء التي أثرت في نفسي ولكن الحمد لله تأقلمت مع حياتي الجديدة". ولكن أية حياة تتحدث عنها ريما الأصفر (45 عام) من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي؟

ريما اليوم، رغم قدمها المبتورة، تعمل بالزراعة وبيع المنظفات، كي تعيل أسرتها المكونة من خمسة أولاد (ثلاث أطفال وبنتين)، في ظل عدم قدرة زوجها على العمل بسبب إعاقته.

قصف السوق

أصيبت ريما بغارة للطيران الحربي في 13 نيسان 2017 على سوق معرة النعمان، ما خلّف مجزرة راح ضحيتها الكثيرون. إذ تقول لحكاية ما انحكت: "بينما كنت وزوجي في السوق ذاهبين لشراء أدوية لمرض السكر، أغارت طائرات النظام علينا ما تسبّب ببتر قدمي وإصابة زوجي، بالإضافة إلى إصابة الكثيرين في تلك المجزرة".

لا يأس

لكن ريما لم تيأس من إعاقتها وإصابتها، بل أصرت على مواجهتها بالعمل والجهد الدؤوب عن طريق عملها بأرضها الزراعية وبيع المنظفات لتكون المعيلة والأم والزوجة.

تقضي معظم وقتها في العمل حيث تجد راحتها النفسية، غير أنها لا تجد فيه راحتها الجسدية بسبب صعوبة حركتها، إذ تقول "بعد إصابتي وعجز زوجي كان لا بد من تأمين عمل أستطيع من خلاله الإنفاق على عائلتي، لم أبحث على عمل بسبب يقيني بأنني لن أجد عملاً، فأرباب العمل ينظرون إلى المصابين بنظرة الشفقة، وأنهم لا يستطيعون أن يكونوا عضواً منتجاً في الحياة، لذا فضلت الاعتماد على نفسي عن طريق زراعتي لأرضي وبيع محصولها والعمل في تصنيع وبيع المنظفات، وهو  عمل لا يخلو من الصعوبة، ولا يتلائم مع إصابتي، فالطرف الصناعي يشكل عائقا كبيرا في عملي بسبب قدمه وعدم تناسقه مع الإصابة"، مؤكدة أن ما يجبرها على هذا العمل الصعب هو "صعوبة المعيشة وموجة الغلاء التي أجبرتها على تحمل أعباء العمل".

زوج مصاب أيضا

أصيب زوج ريما محمد الأصفر (٥٢عاما) بالديسك، وهو مرض يصيب فقرات الظهر، أثناء عمله الشاق في البناء، ما تسبب بإعاقته وعدم قدرته على العمل، الأمر الذي دفع ريما للعمل بسبب عدم قدرة زوجها على إعالتها وأولادها.

(رغم القصف والنزوح والدمار تستمر ريما في عملها متحدية إعاقتها وظروفها الصعبة لتكون بذلك نموذجاً لمئات الأشخاص من السوريين الذين حرمتهم آلة الأسد الهمجية من أدنى حقوقهم في العيش والحركة والعمل/ تصوير نايف البيوش/ خاص حكاية ما انحكت)

لم تتلق ريما أي دعم يذكر من المنظمات والجمعيات والمجالس المحلية، حيث أن معظم هذه المنظمات عاينت حالتها، ولكن دون فائدة حيث أن كل ما تطلبه هي قدم صناعية تساعدها في عملها في الحركة والتنقل بدون آلام.

ما دور المجالس المحلية؟

بلال الذكرى، رئيس المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان، يتحدث لحكاية ما انحكت عن إمكانية مساعدة هؤلاء الأشخاص، فيقول "نحن كمجلس محلي نطالب المنظمات والجمعيات الإغاثية بتأمين أجهزة وأطراف لذوي الاحتياجات الخاصة، والمجلس المحلي يبذل كل ما بوسعه لمساعدة هذه الفئة عن طريق تأمين هذه الإحتياجات، سواء بدعم المنظمات أو بجهود أشخاص ميسوري الحال. ونظراً لأعداد المصابين المرتفعة يقوم المجلس المحلي بتقديم الدعم المادي والأطراف الصناعية حسب حالة الشخص المادية والجسدية"، مشيراً إلى ضعف الإمكانيات المتوفرة بسبب الأوضاع التي تشهدها المنطقة من قصف ونزوح مئات العوائل من مناطق ريف إدلب الجنوبي.

رغم القصف والنزوح والدمار تستمر ريما في عملها متحدية إعاقتها وظروفها الصعبة لتكون بذلك نموذجاً لمئات الأشخاص من السوريين الذين حرمتهم آلة الأسد الهمجية من أدنى حقوقهم في العيش والحركة والعمل.

 

 

مقالات متعلقة

بأصابع مقطوعة تصنع الأمل

05 أيلول 2019
بيدين مصابتين غدرت بهما طائرات الأسد، تقصّ حليمة الأسمر، حجر الفسيفساء معلنة عن تحد شاق بينها وبين إصابتها التي حرمتها من الحركة والعمل. فصوت تقطيع الحجارة وجمال رسمها هو أكثر...
بقلاوة مكشوفة

27 أيلول 2018
خلعت علا الحجاب. كانت ابنتها في الرابعة عشرة من العمر. كبيرة بما يكفي لتتحدث عن نفسها. لم يمر الأمر طبعا. قامت القيامة في البيت. تحرّك أهل طليقها ليأخذوا البنت بعيداً...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد