لم يصدر قانون قيصر منفرداً، حيث تم رفض إصداره من قبل، وأمّا صدوره الأخير فجاءً مرفقاً بقانون ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية. مشروع القانون، بدء بنقاشه في الإدارات الأمريكية منذ 2014، ولم يقر إلّا في 2019، وبُدِءَ بتطبيقه 17/6/2020. إذاً، ليست مصالح الشعب السوري هي غايات هذا القانون، ولو كان الأمر غير ذلك، لأقرَّ منذ 2014، أو منذ أن بدء النظام بتدمير سوريا وتهجير شعبها، واعتقاله وقتله وسواه. هو قانونٌ أمريكيٌّ بامتياز، ولحماية الأمن الوطني الأمريكي فعلاً، والمقصود هنا، حماية أمن إسرائيل، الأن، ومستقبلًا، سيما أن الوضع السوري المتأزم غير قابلٍ للاستدامة، بضغط من هذا القانون، أو لأسبابٍ متعدّدة، تخص النظام، أو تخص إيقاف الحرب، أو تخص الدول المتدخلة في سورية، وبالتالي، استوى الوضع وأصبح يفترض تسويةً أو حلاً سياسيّاً ما.
"قيصر".. ليس قانونا لحماية المدنيين
هو ليس قانون لحماية المدنيين، سيما أن أكثر من عشرة ملايين مدني أصبحوا خارج سورية، وملايين أخرى، انتقلوا من مدنهم الأصلية إلى مدنٍ أخرى داخل سورية. ولو أردنا التحدث عن أوضاع السوريين منذ 2011، وحصار المدن منذ حينه، وسواه، لتعجبنا من "ثرثرة" القول إن القانون لحماية المدنيين. لنشيح النظر عن كل ذلك، ولنتأمل الوقائع: ساهمت أمريكا في إقرار اتفاق جنيف 2012، وفي إقرار كافة القوانين الدولية لمعاقبة النظام، وأخذت من النظام السلاح الكيمياوي الذي قصف فيه الشعب، ولاحقاً تدخلت بحرب عالمية ضد قوى الإرهاب 2014، ولا سيما داعش، وأيضاً هي تشرف على قوات كردية وتحتل مناطق واسعة في شرق سورية. السؤال: أليس كل هذا التدخل يقتضي حماية المدنيين؟ لماذا لم تفعل ذلك؟ أيضاً، هناك مسلمة تقول: إن روسيا دخلت إلى سورية بطلبٍ إيرانيٍّ وموافقةٍ أمريكية، وكثير من التصريحات الأمريكية تؤكد أن روسيا هي الدولة الشرعية الوحيدة في سورية، وأن أمريكا مستعدة لإخراج قواتها من سورية شريطة خروج القوات الإيرانية وسواها، وإبقاء القوات الروسية للإشراف على أيّة تسوية أو حلٍّ سياسيٍّ سوري، وكذلك للبقاء في سورية مستقبلاً. أليس هذا موافقة أمريكية واضحة الدلالة على عدم تغيير النظام السوري، وترك روسيا تفعل ما تشاء. نضيف أيضاً، لماذا وافقت أمريكا على إصدار قانون 2254 ولدينا اتفاق جنيف؟ كذلك لماذا سمحت بمسار الآستانة ولاحقاً سوتشي ومناطق خفض التصعيد، واللجنة الدستورية، وغيرها. أليست هذه وقائع تشير أن أمريكا ليست مهتمة أبداً، بمصالح الشعب السوري، وتستهدف تدمير كل من النظام والمعارضة وسورية بالنهاية. أليس هذا ما حدث فعليّاً، بعد كل أشكال التدخل الأمريكي والروسي والتركي، وقبلهما جميعاً عبر النظام وإيران وحزب الله والمليشيات الأجنبية الشيعية المدارة من قبل إيران!
قانون قيصر... هل يقف خلفه سوريون؟ ولماذا؟
قانون قيصر، الذي عَمِلَ من أجله سوريون أمريكيون كثيراً، يتضمن بنوداً ممتازة، ولكن للقانون ملحقات كثيرة، وبدأت تظهر تباعاً، وسيُطلب تنفيذها أثناء تطبيقه، أي ليس فقط القانون سيطبق وكذلك ملحقاته، والتي هي مفتوحة لتقديرات السياسة الأمريكية ومصالحها ومصالح حلفائها، وبالتالي أصبح القانون سيفاً بيد الأمريكان، وسيهددون به كافة دول المنطقة، وليس فقط النظام السوري وروسيا وإيران، وإيقاف كل علاقات النظام بالخارج. هناك أهدافاً إضافيةً للقانون، وبدء الإعلان عنها، كتسليم ما تبقى من الأسلحة الكيماوية التي هربها النظام! وإنهاء الطابع العدواني للنظام السوري المستقبلي، أي ليس نظام الأسد الحالي فقط، بل أيِّ نظامٍ مستقبليٍّ كذلك، وإلا لن يطوى القانون! المقصد هنا بالتحديد، نزع أي موقف وطني لاستعادة الجولان أو للوقوف مع الفلسطينيين في نضالهم التحرري ضد إسرائيل. الأهم هنا، أن الدولة الامريكية، تريد عبر قيصر الحفاظ على أمن إسرائيل مستقبلاً. هي لن تتسامح بالتأكيد مع أيّةِ دولةٍ تُهدّد أمن مُدللتها في منطقتنا، ولكنها أضافت هذا البند، لابتزاز الروس أكثر فأكثر، ولإذلال النظام والمعارضة، وإجبار الجميع على الاعتراف بإسرائيل مستقبلاً، وإقامة علاقات طبيعية معها!.
بعد إضافي
قانون قيصر يعطي أمريكا، بعداً إضافياً على وجودها في سورية، فهي لم تعد تحتل شرق سورية فقط، ولم تعد خيرات سورية الباطنية والمائية تحت سيطرتها، بل وكذلك كل الاقتصاد السوري، وبذلك تفتح بازاراً جديداً، للتفاوض مع الروس. ليس مخطئٌ من يقول إن قيصر يتقصد الضغط على الروس، ولكنه بالوقت ذاته يستهدف ما أشرنا إليه أيضاً. إذاً، مع هذا القانون لم تعد أمريكا في شرق سورية بل أصبحت مؤثرة على كل ما يخص سورية الحاليّة والمستقبليّة. رغم ذلك، تؤكد مراراً وتكراراً، أن سورية من حصة روسيا. هذا يمكن تحليله، ضمن الصراعات الدولية، وابعاد روسيا عن تحالفها مع الصين، كمسألة استراتيجية، وكذلك لأن سورية ليست مكاناً مثاليّاً للاستثمار الأمريكي، ربما فقط كمكانٍ لتنفيذ بضع سياسات أمريكا في المنطقة كالضغط على إيران وتركيا ورفض تسليم سورية لروسيا كاملة قبل الاتفاق على ملفاتٍ كثيرة، ومنها إنهاء الوضع في سورية وإخراج إيران من سورية وإضعاف العلاقات بين روسيا وإيران.
باعتبار القانون أمريكيّاً، كان جدالنا أعلاه في مواضيع كثيرة. الآن، كيف سيؤثر القانون على السوريين؟ أهل سيؤثر على النظام أم على الشعب أم على الاثنين معاً. القانون، الذي ليس قانوناً أممياً، أو محمياً بشقٍ عسكريٍّ لمراقبة تطبيقه، والتهديد بالتدخل العسكري لتنفيذه، يظلّ قانوناً أمريكيّاً، وصادر عن الدولة الامريكية، وبالتالي تطبيقه مسألة واجبة، وسيخضع بالضرورة لمصالح الدولة الامريكية داخلياً وخارجياً.
أمريكا ليست مهتمة أبداً، بمصالح الشعب السوري، وتستهدف تدمير كل من النظام والمعارضة وسورية بالنهاية
محض بروباغندا
أن يعدُّ القانون، لحماية المدنيين السوريين، فهذا محض بروباغندا، يكرّرها بعض المعارضين الحالمين بالوصول إلى السلطة كبديل عن النظام، أو الناقمين عليها، مستخدمين أكذوبة لطالما أخفقت في دول كثيرة، وبالتالي كيف ستنجح في سورية؟ أهل نسينا كيف نشرت أمريكا الحرية والديموقراطية في العراق؟ يَستثني القانون الغذاء والأدوية من عقوباته، والمساعدات. وبخصوص الأخيرة، لطالما "عفشها" النظام، ووزعت وفقاً لسياساته مع السوريين ومنذ 2011 وقبلها: سَرقَ أعوانه أغلبها، ووزِع بعضها على أفراد جيشه، وبيعت أقسام منها في السوق بأسعار مخفضة، ووصل القليل منها للشعب؛ لن يتم استثناء المساعدات إذاً. بخصوص الغذاء والأدوية، فقلد بدأت مفاعيل التأثير عليها، قبل تطبيق القانون وحينما لُوِحَ به، وبعد تطبيقه: غلاءً شديداً في الأسعار، فقدان أنواع متعدّدة من الأدوية، إغلاق محالٍ ومشاريع كثيرة وبالجملة، وبالتالي، هناك ازدياد في أعداد العاطلين عن العمل، وارتفاع نسبة المفقرين والمدقعين منهم. ولو أضفنا الشعور النفسي بالمأساة والتعاسة والمرض، فحدث ولا تتوقف عن ذلك ابداً.
لو كان هناك بالفعل إعفاءً للأغذية والأدوية أو للمساعدات أو الحوالات البسيطة، لتضمن قانون قيصر بنوداً واضحة، عن كيفية ضمان وصول تلك الحاجيات للناس، وهو ما حاجج به الدكتور عارف دليلة في أكثر من حوارٍ، على وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضائيات التلفزيونية، وكتبه كذلك في مقالةٍ طويلة نشرها على صفحته. لم يتضمن القانون، شيئاً عن ذلك، وبالتالي، ترك الأمر للإدارة الأمريكية وللبحث عن آلية للمراقبة. أسوأ ما يسمعه المرء هذه الأيام من بعض المؤيدين للقانون، التأكيد على أنّه لحماية المدنيين! وأن على الشعب السوري أن يراقب تطبيقه، بل وراح البعض يتكلم عن تشكيل مجموعات هنا وهناك لمتابعة تطبيقه، وإرسال الملاحظات حوله للإدارة الأمريكية وذلك بهدف تصويب الأغلاط تلك... هذا المثال، يوضح رداءة الفعاليات التي وقفت خلف إقراره، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة الأمريكية ليست جميعة خيرية، ولم تحمِ السوريين منذ 2011، وليست معنية ب11ألف شهيد التي تكلّم عنها السيد قيصر. القصد أن السوريين سيعانون من قانون قيصر، وسيضيف هذا القانون إلى معاناتهم كوارث إضافية أكثر فأكثر، وسيُرهن مستقبل سورية إلى مفاوضاتٍ وتسويات بين روسيا وأمريكا وإسرائيل وتركيا، وقد تُجبر أية حكومة مستقبلية على الاعتراف بإسرائيل كما هي دولة صهيونية، محتلة لأراضٍ كثيرة، وساعية لتكون دولة لليهود فقط.
بكل الأحوال، وباعتبار روسيا مهيمنة على سورية، نأمل أن تظهر حصافةً، ولو لمرةٍ واحدةٍ، وفهماً عميقاً لدورها "الانتدابي" نفسه، وتتقدم بمبادرةٍ وتسوية للأمريكان، بما يسهل لها احتلال سورية، والبدء بمرحلةٍ انتقالية للوضع السوري. إن تحقق ذلك، فسيكون لقيصر إيجابية واحدة، والإيجابية الثانية، إن أُشرِك الشعب في تلك المرحلة؛ سوى ذلك، وتأخر حدوث ذلك، فسيكون قانون قيصر أداةً جديدة، وهو كذلك الآن، لتحقيق مصالح أمريكا وحلفائها في سورية والمنطقة.