(ينشر هذا التحقيق بالتعاون والشراكة بين حكاية ما انحكت ومؤسسة نيريج)
"منعوا وصولنا إليهم وسقايتهم، وقاسمونا زيارتهم وترابهم، لكن أسلاكهم الشائكة لا تستطيع ردّ نظراتي عنهم.. أشتمّ رائحتهم عن بعد أمتار".
هذا ما تقوله لحكاية ما انحكت الستينية "أم عامر" المتكئة على بوابة المقبرة الحديدية البيضاء، تقول ولا تُشيح ناظريها عن تلك الرقعة الترابية التي تضم اثنين من أبنائها، والتي طمست حكومة النظام السوري معالمها لإخفاء جريمته.
بردائها الصوفي الأسود، ووشاحها الأبيض المُلقى على شعرها وكتفيها، حانية ظهرها، وبخطواتها البطيئة الثابتة، تخرج أم عامر من منزلها فجر كل يوم، متوّجهة إلى مقبرة الشهداء في بساتين جديدة عرطوز بريف دمشق الغربي، حاملة ذكرياتها بين تجاعيد جبهتها، وعيناها الخضراوان الدامعتان تحملان مأساتها، رغم الابتسامة التي لا تفارق شفتيها.
يكشف التحقيق التالي الاستراتيجية التي اتبعتها حكومة النظام السوري، في طمس معالم المقابر التي ضمّت العشرات من ضحايا مجازرها، من خلال جرف القبور الجماعية، وتخصيص مئات القبور للمدنيين في محيط المقابر الجماعية، وبيعها بربع قيمتها وبطريقة غير قانونية، ومنح أخرى لقتلى قواتها خلال المعارك الدائرة في سوريا، للتخلص من الشاهد الأكبر على مجازر قوات النظام بحق المدنيين في سوريا.
إنشاء المقبرة
مقبرة الشهداء في بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق، أقامها الأهالي عقب مجزرة ارتكبتها قوات النظام السوري، في الأول من أغسطس/ آب 2012، راح ضحيتها سبعة وأربعين شاباً من أبنائها، وثلاثة عشر من المهجرين إليها، دُفنوا جميعاً في قبر مشترك عُرف باسم "القبر الجماعي"، وباتت المقصد الرئيسي لمعظم الأهالي وبشكل يومي. لكن وضعها لم يدم على حاله طويلاً، فما إن مرّت أشهر قليلة، حتى عادت قوات النظام السوري لجرفها بالكامل، وارتكاب مجزرة أخرى، في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وبالطريقة ذاتها.
في يوم الرابع عشر من شهر رمضان، الموافق لأول أيام أغسطس/ آب 2012، ومع ساعات الفجر الأولى، اقتحمت قوات الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، مدعومة بوحدات عسكرية تابعة للحرس الجمهوري وأخرى تتبع للفرقة العاشرة، بلدة جديدة عرطوز من جهاتها الأربعة، ولا سيما جهة منطقة "البيادر" الملاصقة لمساكن سرايا الصراع على أطراف البلدة، والتي سالت فيها أول نقطة دم بتلك المجزرة.
كلمة "جديدة عرطوز" أمام خانة مكان الولادة أسفل البطاقة الشخصية، كانت بمثابة حكم "الإعدام" لحاملها في ذلك اليوم، الأول من آب ٢٠١٢".
بلال أحمد (28 عاماً) وهو أحد أبناء بلدة جديدة عرطوز، يقول لـ "حكاية ما انحكت": "وردت أنباء لأهالي البلدة آخر أيام تمّوز 2012، عن نية النظام السوري باقتحام بلدة جديدة عرطوز، ولم تمر ساعات قليلة حتى بدأت أرتال الدبابات والعناصر تتوافد من محيط العاصمة دمشق، وأخرى قدمت من مدينة قطنا المجاورة، وأحكمت إغلاق جميع المداخل والمخارج الرئيسية والفرعية، لتبدأ اقتحامها فجر الأول من أغسطس/ آب".
ويضيف بلال: "عدد كبير من أهالي البلدة غادروا إلى المناطق المجاورة برفقة عائلاتهم، وبقي آخرون في منازلهم. لم نكن نعرف أن الاقتحام سيكون بهذا الشكل، ظننا أنها مداهمة كغيرها، وأن القوات المقتحمة ستداهم أشخاص معينين، لكن الأمر لم يكن كذلك، فكلمة "جديدة عرطوز" أمام خانة مكان الولادة أسفل البطاقة الشخصية، كانت بمثابة حكم "الإعدام" لحاملها في ذلك اليوم".
وصف ذلك اليوم قائلا: "ما إن بدأت خيوط الشمس بالظهور من خلف الجبال، حتى ملأت أصوات الدبابات والآليات العسكرية أرجاء البلدة، كانت قادمة من منطقة البيادر غربي البلدة، وما أن مرت دقائق قليلة، حتى انقطعت جميع الاتصالات الأرضية والخليوية عن جميع الأحياء، لم يعرف أحدنا ما يحصل خارج منزله.. لا شيء يُسمع حينها سوى صوت الرصاص".
قوات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري انسحبت من جديدة عرطوز قرابة الساعة الرابعة عصراً، وعادت الاتصالات لخدمتها المُعتادة، وبدأت أنباء وجود جثامين أبناء البلدة الملقاة على أرصفة الشوارع وفي مداخل المباني، ترد للجميع.
يتابع بلال: "خرج جميع أهالي البلدة إلى الطرق بحثاً عن أبنائهم، وعاد معظم الشبان الذي خرجوا من البلدة قبل اقتحامها بساعات، وبدأت جولات البحث عن جثامين الشبان في أقبية الأبنية المهجورة والمحال المغلقة، وبساتين البلدة لنوثّق في الساعات الأولى للبحث أربعة وخمسين قتيلاً، وستة آخرين صباح اليوم التالي".
وبحسب بلال، فإن أهالي البلدة قرّروا إقامة مقبرة خاصة لضحايا المجزرة في إحدى الأراضي الزراعية على أطراف البلدة، كون مقبرة البلدة الرئيسية لا تتسع لهذا العدد الكبير من الجثامين، ولا خيار آخر أمامهم، فعزموا على حفر قبر جماعي دُفنوا فيه جميعاً، وحمل اسم "مقبرة الشهداء".
انتقامٌ يطال التراب!
تحوّل المقبرة إلى مزار لأهالي الضحايا، أفقد النظام صوابه. يقول لحكاية ما انحكت أحد أعضاء المجلس المحلي في جديدة، باسم البقاعي (36 عاماً): "كان النظام على يقين أن المقبرة نالت اهتماماً كبيراً من الأهالي، وباتت المزار الرئيسي في المناسبات المعتادة، أذكر جيداً أننا جميعنا زرنا مقبرة الشهداء صباح عيد الفطر ذاك العام في الثامن عشر من أغسطس/ آب، وتركنا زيارة المقبرة القديمة التي اعتدنا زيارتها منذ ثلاثين عاماً، ما اعتبره النظام تصرفا استفزازيا، فاختار إزالتها قبل زيارة عيد الأضحى بأيام".
يصف الأمر بالقول: "دخل عناصر النظام البلدة فجر الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2012، دون أي مواجهة، وسرعان ما أقاموا حواجزهم على مداخلها وساحاتها الرئيسية، لتتوّجه القوة الأكبر منهم إلى مقبرة الشهداء، مصطحبة معها "جرافة" عسكرية أقدمت على جرف القبر الجماعي ومحيطه، وتسويته مع الأرض المُقام عليها، لتُخفي أثره بشكل كامل"، فيما تصف الأمر نفسه أم عامر (مستعار- 61 عاماً) قائلة: "كانت أرتالهم تُشبه تلك التي اتجهت نحو الجولان من أمام بلدتنا قبل خمسين عاماً، مرت دباباتهم من أمامي، لم أكن أعرف أين طريقها، لكن رجفة قلبي حينها، كانت تُشبه رجفة الخوف على الأولاد".
تقول أم عامر لحكاية ما انحكت واصفة قوات النظام: "كانت أرتالهم تُشبه تلك التي اتجهت نحو الجولان من أمام بلدتنا قبل خمسين عاماً، مرت دباباتهم من أمامي، لم أكن أعرف أين طريقها، لكن رجفة قلبي حينها، كانت تُشبه رجفة الخوف على الأولاد"
وتتابع قائلة: "قبل شروق الشمس ببضعة دقائق، بدأت مجموعات تابعة لجيش النظام السوري، باقتحام البلدة من جميع مداخلها، كانوا يسيرون على أقدامهم دون أي خوف أو رادع، وما إن مرت الدفعة الأولى منهم، حتى بدأت أرتال الدبابات تسير واحد تلو الآخر، لتعود أرتال المشاة بالتقدم من خلفهم. ساعات قليلة وانسحب جميع عناصر النظام، وخرج الأهالي يبحثون عن جثامين مجزرة أخرى ارتكبتها قوات النظام في ذلك اليوم، أما أنا فكانت وجهتي قبور الأولاد، كنت أعرف أنهم ذهبوا إليها، لكن لا أعرف ما حلّ بهم، لأتفاجأ بجرف القبر الجماعي كاملاً".
بصوت مرتجف ودموع تغمر عينيها، تقول أم عامر: "ما كفاهم أنهم حرقوا قلوبنا عليهم وحرمونا إياهم، حتى حرمونا شوفة الورود فوق ترابهم".
زيارة المقبرة ممنوعة، وتسميتها تهمة أمنية!
لم يعد الأمر كما كان عليه قبل اقتحام البلدة الأخير وإقامة الحواجز العسكرية داخلها، فزيارة المقبرة باتت ممنوعة بشكل كامل، وتعرّض صاحبها للمساءلة بنهج النظام السوري، كما هو حال ذكرها أو تسميتها، فبات نطق "مقبرة الشهداء" تهمة تودي بناطقها إلى معتقلات الأفرع الأمنية، ولو كان هاتفياً.
تقول أم عامر: "بعد إقامة الحواجز العسكرية في البلدة، لم تعد زياراتنا إلى المقبرة متاحة بحرية كما كانت عليه سابقاً، وأُجبر معظم الأهالي على التخلي عن زيارتها بشكل نهائي، لا سيما بعد اعتقال عدد من الشبان العائدين منها".
وتتابع أم عامر: "كانت الحواجز العسكرية تُرسل عناصرها إلى طريق "الكورنيش" المؤدي إلى المقبرة، ويعملون على إيقاف المارة ذهاباً وإياباً للتأكد من هوياتهم وأسباب زياراتهم لتلك المنطقة، ومن لم يكن من قاطنيها أو قريب لأحد منهم، فهو بالتأكيد أحد الزائرين، ومصيره الاعتقال بتهمة "التواصل مع جهات إرهابية"، مضيفةً: "فقط في بلادنا، التواصل مع الأموات يهزّ كيان الدولة، ويضر أمنها الداخلي".
"فقط في بلادنا، التواصل مع الأموات يهزّ كيان الدولة، ويضر أمنها الداخلي".
أيمن (مستعار- 34 عاماً) أحد أبناء البلدة اللاجئين إلى لبنان عقب المجزرة مباشرةً، أكد بدوره لـ "حكاية ما انحكت" أن محاولات إبعاد الأهالي عن المقبرة لم تكن مقتصرة على الزيارات فقط، فذكر اسم "مقبرة الشهداء" فيما بينهم ولو كان "هاتفياً"، تهمة لا تقل شأناً عن سابقتها.
وبيَّن أيمن أنه وعلى الرغم من ابتعاده عن البلدة وإقامته في لبنان، إلا أنه مُنع من ذكر اسم "مقبرة الشهداء" أيضاً، أثناء الحديث مع عائلته أو أي من أصدقائه في الداخل السوري، مضيفاً: "لم أكن أعرف السبب حينها، كل ما عرفته هو أن الأهالي أطلقوا عليها اسم "بستان الوقف" كما كانت تُعرف الأرض قبل إقامة المقبرة فيها".
ولفت أيمن إلى أنه عرف سبب حظر تلك التسمية، والإجراءات المُتخذة التي زرعت هذا القدر من الخوف في قلوب الأهالي، بعد لقاء أحد أبناء البلدة اللاجئين إلى لبنان حديثاً آنذاك.
المقبرة بإشراف الحرس الجمهوري
استطاع النظام السوري عبر سياسة الترهيب وتضييق الخناق على الطريق المؤدية إلى المقبرة، من إبعاد الأهالي عنها نوعاً ما، لكن بعد مرور أشهر قليلة، عاد جزء من الأهالي لزيارة المقبرة بشكل شبه دوري، ولا سيما القاطنين في الأحياء القريبة منها، فما كان منه إلا أن عمد لاتخاذ نهجاً جديداً ينهي به قضية تلك المقبرة، وإلى الأبد.
"كنا خايفين ينبشوا القبور ويطالعوا الجثث وياخدوهن بالأول، بس بعد ما صار أبو صياح "الله يفك أسره" يهتم بالقبور صرنا نأمّن شوي عليهم، وبعد ما أخدوه رجعنا للخوف القديم"، تقول أم عامر.
"أبو صياح" رجل خمسيني من أبناء البلدة، أخذ على عاتقه مسؤولية رعاية مقبرة الشهداء، وخاصة بعد أن زاد عدد الضحايا فيها. كانوا قد سقطوا في مجزرتين متتاليتين وقعتا في البلدة خلال الفترة ما بين الأول من أغسطس/ آب 2012، والثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، ليرتفع العدد فيها إلى قرابة الـ 100 ضحية (ستون ضحية في الأول من أغسطس/ آب، وعشرة في الثالث عشر من أغسطس/ آب 2012، وتسعة في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، وقرابة الـ ثلاثين مدنياً قضوا جراء القصف على بساتين البلدة، والقناصة المنتشرة في محيطها بين الفترتين)، وثقتهم جهات حقوقية مثل مركز توثيق الانتهاكات في سورية، إلى جانب عدد من المدنيين النازحين إلى البلدة، ممن لم يستطيع ذويهم شراء قبور في المقابر الرئيسية. فبات عمله الرئيسي كل يوم جمع الأعشاب اليابسة من تراب القبور بعد سقايتها، والإشراف على عمليات الدفن فيها، دون أي مقابل. لكن الأمر لم يدم طويلا.
يقول عضو لجان التنسيق المحلية بريف دمشق "أبو عاصي" المنحدر من بلدة جديدة عرطوز لـ "حكاية ما انحكت": "أواخر نيسان 2013، داهمت قوة عسكرية تابعة للحرس الجمهوري، مقبرة الشهداء في البلدة، واعتقلت حارسها "أبو صياح"، واقتادته إلى أحد الأفرع الأمنية، التي لا يزال في أقبيتها حتى اليوم، دون ورود أية أنباء عن مصيره".
الحرس الجمهوري قام بتسييج القبر الجماعي بسلك شائك في السادس والعشرين من نيسان 2013، وأصدر أوامراً بمنع الاقتراب منه بشكل نهائي، تحت طائلة الملاحقة القانونية والاعتقال، وذلك قبل ساعات من إقامة حاجز تابع له على طريق "الكورنيش" المؤدية إلى المقبرة، لتبدأ السياسة الجديدة لإنهاء ملف المقبرة وطمس معالمها بشكل نهائي، بحسب عضو لجان التنسيق المحلية.
ويتابع أبو عاصي: "المهمة الرئيسية للحاجز المتمركز بداية طريق المقبرة، كانت تضييق الخناق على الأهالي، ومنعهم من زيارتها، فلا طريق آخر للوصول إليها، وقصد تلك المنطقة باتت تهمة لغير سكانها، وخاصة للعائلات التي فقدت أحد أبنائها خلال مجزرة البلدة الكبرى".
قبور للبيع بأسعار رمزية، واللجنة بعهدة الأمن السياسي
"كان النظام يُدرك تماماً أن منع الأهالي من زيارة المقبرة لا ينهي مشكلتها بالنسبة له، ولم يكن طموحه كف الناس عن الزيارة عنها فحسب، فالمخطط كان يهدف لطمس معالمها بشكل نهائي، فما كان منه في المرحلة الأولى إلا أن استقدم إليها زواراً جدد، عم قتلى عمليات عسكرية من قواته، ومدنيين آخرين"، يقول محمود (اسم مستعار/ 32 عاماً) أحد الناشطين من أبناء جديدة عرطوز.
وكانت مديرية أوقاف ريف دمشق بتوجيه مباشر من وزارة الاوقاف، قد تولت نهاية عام ٢٠١٣ مهمة إنهاء قضية مقبرة شهداء البلدة، عبر تشكيل لجنة من أبناء البلدة تتبع للجنة الأوقاف على أن تكون وظيفتها الوحيدة، إنشاء قبور جديدة في محيط القبر الجماعي، مع الحفاظ على السلك الشائك المقام حوله، والتأكد من قطع الطريق الواصلة إليه بشكل كامل.
ويبيّن محمود أن مديرية الأوقاف عيّنت أحد عناصر فرع الأمن السياسي في استخبارات النظام السوري برتبة مساعد أول من أبناء البلدة، يُدعى "عبيد عبيد" رئيساً للجنة، "تتجلى وظيفته بالإشراف على عملية بيع القبور للمهجرين والنازحين إلى البلدة، وتنسيق عملية إنشاء القبور الحديثة بحيث يؤدي الخطة الموضوعة بشكل صحيح، مع الحرص على منع أهالي البلدة الأصليين من دفن وفياتهم فيها".
ويتابع الناشط: "حددت اللجنة في بداية عملها عام 2013، سعر القبر للنازحين والمهجرين من المدن والبلدات المجاورة، والمحافظات السورية الأخرى، بخمسة عشر ألف ليرة سورية (ما يقارب مئة دولار أمريكي حينها)، وبدأت برفع أسعارها في كل شهر عن سابقه، ليبلغ سعر القبر منتصف عام 2014، مبلغ مئة وخمسين ألف ليرة سورية (ما يقارب تسعمئة وثلاثين دولاراً حينها)، واستمر سعره على هذا النحو حتى أعلنت اللجنة إيقاف جميع عمليات الدفن في المقبرة أواخر عام 2018، وأخذت بتوجيه ذوي المتوفين إلى مقابر الشهداء في البلدات المجاورة لدفنهم".
عضو لجان التنسيق المحلية بريف دمشق "أبو عاصي" رأى أن النظام السوري كان يحاول تغيير معالم المقبرة، والاستفادة من تسميتها الأصلية التي أطلقها الأهالي، كوسيلة لتبادل الأدوار بين القاتل والضحية، لذلك أقدم على إحاطتها بالأسلاك، مضيفاً: "من الصعب عليه إعادة إطلاق التسمية ذاتها إذا ما انتشل جثث ضحايا المجزرة من القبر الجماعي".
وأضاف أبو عاصي: "النظام يعمل ضمن نطاق سياسة المماطلة وامتصاص ردة الفعل، وبالتالي فإنه كان يسعى لإنهاء قضية المقبرة بأسلم طريقة ممكنة، لا سيما أن فصائل المعارضة كانت تتمركز في مدينتي داريا ومعضمية الشام، وبلدة جديدة عرطوز الفضل المجاورة للبلدة، ولم يكن مستعداً حينها لفتح جبهة جديدة في البلدة، والتي كانت لا بد أنها ستحدث إن انتشل الجثث آنذاك".
وبحسب عضو لجان التنسيق المحلية، فإن النظام بدأ بتعميم السياسة التي اتبعها في جديدة عرطوز، ضمن المقابر المشابهة في المدن والبلدات السورية الأخرى. وبالتالي فإن أي محاولة "لانتشال الجثث فيها قد يُفسد سياسته، ويعود لمواجهة الأهالي كما حدث في البلدات التي هُدمت المقابر فيها، أو التي عُرضت للبيع بشكل كامل"، مضيفاً: "لا أستبعد أن يتم انتشال الجثامين في الفترة القادمة، فإبقائها حتى الآن ما هي إلا سياسة مدروسة يتبعها النظام، ويمكن الانقلاب عليها فور الوصول إلى الغاية المرجوة منها".
أحد نازحي مدينة دير الزور شمالي شرق سوريا، يُدعى إبراهيم (42 عاماً) قال إنه اشترى قبراً لوالدته في التاسع من شباط 2015، بمبلغ مئة وعشرين ألف ليرة سورية (ما يقارب خمسمئة دولاراً أمريكياً)، مؤكداً أنه لم يحصل على أي إيصال قبض، أو وثيقة رسيمة تُثبت شراءه القبر.
وأشار إبراهيم إلى أن اللجنة طلبت منه إحضار شهادة الوفاة وتصريح الدفن من المشفى التي توفيت فيها والدته، وأنها حدّدت موعداً لإجراء عملية الدفن بحضور عدد من أعضائها.
وأضاف إبراهيم: "ذهبت أواخر عام 2018 مع أحد أقاربي إلى منزل رئيس اللجنة في البلدة، لشراء قبر لشقيقه الذي توفي في إحدى مشافي العاصمة دمشق، وحاولنا معه مراراً لبيعنا القبر، إلا أنه امتنع عن ذلك، مبرراً بأن المقبرة قد امتلأت، ولا مكان لإقامة قبور جديدة، علماً أن أصدقاء لنا اشتروا قبراً في المقبرة ذاتها قبل يومين فقط".
وبحسب إبراهيم، فإن رئيس اللجنة أرسله مع قريبه إلى لجنة أخرى في تجمع جديدة عرطوز الفضل المجاور، وتمكنا من شراء قبر في مقبرة للشهداء أُقيمت في التجمع، بمبلغ ثمانين ألف ليرة سورية (ما يقارب مئة وسبعين دولاراً أمريكياً).
نازح آخر من مدينة دوما في الغوطة الشرقية يُدعى "بسام"، قال لـ "حكاية ما انحكت" إن اللجنة رفضت بيعه قبر لوالده أواخر عام 2018 في تلك المقبرة، ما اضطره لقصد مقبرة جديدة عرطوز القديمة لشراء قبر فيها.
وأضاف بسام: "بعد محاولات عدة مع عائلات البلدة الأصليين المالكين للقبور، وافقت إحدى العائلات على بيعي قبر لمدة خمسة عشر عاماً فقط، بمبلغ أربعة ملايين ليرة سورية، لكنني لم أتمكن من تأمين المبلغ آنذاك، فعدت قاصداً أحد أعضاء لجنة الأوقاف مع صديق مشترك بيننا، وتمكنت من شراء قبر في مقبرة الشهداء، بسعر ثلاثمائة ألف ليرة سورية، إلا أن عضو اللجنة وضع شروطاً للبيع تمثلت بإتمام عملية الدفن دون مراسم واضحة أو تجمع، ودون إعلان رسمي عن مكان الدفن".
من يحق له بيع الوقف؟
بستان الوقف في جديدة عرطوز، أو ما أطلق عليه اسم "مقبرة الشهداء" خلال السنوات القليلة الماضية، هي أرض اقتطعت من ملكية جميع العائلات الأصلية في البلدة، من أصحاب الديانة الإسلامية، وتم تخصيصها وفقاً للوقف الطائفي لأصحاب الديانة من أبناء البلدة قبل قرابة الستين عاماً، على أن يتم تنظيمها عقارياً كمقبرة للبلدة، فيما اقتُطعت مثلها من أملاك أصحاب الديانات والطوائف الأخرى (هناك مقبرة للسنة، وأخرى للمسيحيين، ومقبرة للطائفة الدرزية) من عائلات البلدة للغرض ذاته، بحسب خبراء عقاريين.
يقول رياض عبيد (57 عاماً) وهو أحد تجار العقارات من أبناء بلدة جديدة عرطوز، إن الأوقاف خصّصت بموجب قوانينها عدة دونمات من الأراضي الزراعية، معظمها مشجرة بأشجار الزيتون، وبناء سكني كامل في شارع الجلاء الرئيسي بجوار مسجد عمر بن الخطاب، إضافة لثلاثة منازل أحدهم بات مقراً للجمعية الخيرية، وثلاثة محال تجارية وسط البلدة لصالح وقف البلدة، على أن تكون مستقبلاً مساجد ومقابر ومقرات للجمعيات الخيرية ودور الرعاية.
ويضيف عبيد: "جميع الأراضي الزراعية والعقارات التي سُجلت ملكاً لأوقاف البلدة يتم تضمينها وتأجيرها بشكل سنوي، بمبالغ كان من المفترض أن تعود إلى الفقراء والمحتاجين والأرامل من الأهالي، لكن جميع العائدات من تلك الأراضي يذهب إلى وزارة الأوقاف مطلع كل عام، ولا يبقى في عهدة اللجنة ما يكفي رواتبهم فقط".
ويتابع عبيد: "وفقاً لما خطط له الأهالي أثناء تخصيص أراضي الوقف، فكان من المفترض أن تُصرف عائداتها على جميع المحتاجين، وتتم إقامة مؤسسات خيرية وأخرى لليتامى والمقعدين والعجزة، وذوي الاحتياجات الخاصة، كما كان سيُخصّص منها جزء لسد ديون من مات وعليه دين، وأخرى لتزويج الشبان من أبناء البلدة، لكن فور الانتهاء من معاملات استملاكها من قبل الوقف، تبيّن أن كل ذلك كان وهم ليس إلا، وباتت عائداتها مع تبرعات المساجد الأسبوعية تذهب لوزارة الأوقاف بدمشق بشكل دوري".
وختم تاجر العقارات: "لدينا أراضٍ للوقف في البلدة، لو استثمرت بشكلها الصحيح لما وجدنا فقير بين أهالي البلدة على الإطلاق".
وعن النظرة القانونية في قضية بيع القبور والمقابر، يقول المحامي "أحمد مزنوق" المقيم في إدلب لـ "حكاية ما انحكت": "تقضي القواعد الشرعية والقانونية في سوريا، بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى محبوسة على حالها، وبالتالي فإنه لا يمكن التصرف بها بأي شكل من الأشكال كالبيع أو الهبة أو الرهن أو التوارث، ولا يحق لأحد ادعاء ملكيتها".
ويضيف "مزنوق": "ملكية معظم المقابر في سوريا لا تعود لمديرية الأوقاف، باستثناء تلك التي تبرع بها أحد مالكي الأراضي من المنطقة، فعادة ما تكون أملاك عامة تمت إشادتها على أملاك الدولة قبل التحديد والتحرير، أو قامت الدولة بوضع اليد عليها، سواء عن طريق استملاك مجموعة عقارات دون إعلام مالكها بأي إجراء قانوني تم اتخاذه، أو عن طريق المصادرة، وأخرى تكون مقتطعة من ممتلكات الأهالي لتخصيصها كمقبرة".
وختم المحامي: "بكل تأكيد لا يحق لوزارة الأوقاف بيع الأملاك التي خُصصت لأعمال وقف كمقبرة أو مسجد أو أراضٍ تابعة للمسجد، لكن سابقاً اتخذت الأوقاف قراراً يتيح تأجير أراضي الوقف، وتوظيف عائداتها بالأعمال الخيرية".
ضحية وقاتلها في ذات التراب!
بعد دفن قرابة ثلاثمئة من المدنيين في مقبرة شهداء جديدة عرطوز، أصدر النظام السوري في أيار ٢٠١٥ توجيهات لمديرية أوقاف ريف دمشق، تقضي بمنح القتلى من عناصر جيشه وعناصر الميليشيات المحلية المقاتلة إلى جانب قواته، قبوراً مجانية في تلك المقبرة، لا سيما العناصر القتلى من المحافظات الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، مستغلاً التسمية التي أطلقها الأهالي عليها، ليخرج نفسه من دائرة مرتكبي تلك الجريمة، ويلصق تهمة قتلهم بالمجموعات المعارضة، في الوقت الذي تابعت فيه الأوقاف عملية دفن المدنيين.
يقول عبد الله (مستعار- 29 عاماً)، وهو أحد أبناء البلدة: "للوهلة الأولى، وبمجرد النظر إلى "مقبرة الشهداء" التي استعادت اسمها مؤخراً، ولا سيما بعد تداوله من قبل عناصر ميليشيا الدفاع الوطني، تشعر وكأنك تنظر إلى القسم المخصص لشهداء حرب تشرين في مقبرة الدحداح بدمشق، فما أن تلقي نظرتك الأولى على شاهدات القبور في واجهتها، حتى تجد معظمها يحمل صفة "الشهيد الملازم شرف"، مرفقة بعبارة "استُشهد أثناء تأدية واجبه الوطني على جبهة إحدى المناطق"، فسرعان ما تعتقد أنها مقبرة مخصصة لقتلى عناصر جيش النظام دون غيرهم".
ويضيف عبد الله: "تضم المقبرة اليوم قرابة الألف قبراً، بينها أكثر من ستين قبر لقتلى عناصر جيش النظام والميليشيات المقاتلة إلى جانب قواته، وما تبقى منها مخصص للمدنيين من المهجرين والنازحين إلى البلدة، في حين تغيب أي شاهدة عن قبور الضحايا الذين سقطوا على أيدي قواته، والتي أُنشأت المقبرة وخصصت لهم".
الناشط السياسي، عبد الكريم العمر، المقيم في إدلب، يرى أن جرف المقابر التي تضم جثامين ضحايا مجازره والمعارك التي شنتها قواته على مختلف المحافظات السورية، أفعال انتقامية في الدرجة الأولى، مستشهداً بأحداث جرف القبور ونبشها والإساءة لرفاة من بداخلها في المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً في ريف إدلب الجنوبي، إضافة لقبر الطفل "حمزة الخطيب" أحد أوائل شهداء الثورة السورية في درعا، فضلاً عن نبش ضريح الخليفة الأموي "عمر بن عبد العزيز" في قرية دير شرقي قرب مدينة معرة النعمان بريف إدلب.
وفيما يتعلق بتخصيص قبور في المقابر ذاتها للقتلى من عناصر جيشه، والميليشيات المحلية الموالية له، يوضح "العمر" أن تخصيصها يأتي كجزء رئيسي من خطة طمس المعالم، إضافة لتخفيف العبء عن عائلات قتلاه، كتكريم لهم بحسب ادعاءات النظام.
أما عن السماح بدفن الوفيات من المدنيين في المقابر ذاتها، فيقول "العمر" إن النظام يهدف إلى إلغاء التسمية التي أطلقها الأهالي على تلك المقابر (مقبرة الشهداء)، وتحويلها إلى مقبرة عادية كغيرها من المقابر المقامة في سوريا منذ مئات السنوات، مشيراً إلى أن النظام السوري حوّل هذه الاستراتيجية لمورد مادي إضافي يعود بالأموال لخزينته في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.
وبحسب الناشط السياسي، فإنّ النظام السوري يسعى من خلال الإجراءات المذكورة إلى إزالة معالم جرائمه التي تدينه مستقبلاً أمام الهيئات الحقوقية والدولية، مؤكداً أنه لن ينجح في ذلك، كون عشرات المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية وثقت الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قواته.
رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، المحامي "غزوان قرنفل" قال إن العبث في المقابر ليست إلا واحدة من الأساليب البائسة لإخفاء معالم جريمة أصبحت مفضوحة على مستوى عالمي ومن المحال إخفاء أدواتها وأثارها وفاعليها.
ويشير قرنفل: "لدى المجتمع الدولي أطنان من الأدلة المكتوبة والسمعية والبصرية ما يكفي لإدانة النظام وأدواته الاجرامية بآلاف الجرائم كل واحدة منها كافية للحكم على الفاعلين بالحبس لمئات السنين"، مضيفاً: "قد يتمكن النظام من إخفاء بعض الأدلة لكن لن يتمكن من إخفائها كلها".
ويوضح قرنفل أن مسألة عدم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب من رؤوس النظام السوري في الوقت الراهن بالنسبة للمجتمع الدولي ليست مسألة عدم كفاية الأدلة، إنما هي عدم توفر العزيمة والقرار الدولي بتنحية النظام ومساءلته.
وعن إمكانية إرسال لجان دولية لتحديد هوية الضحايا بعد دفن عناصر النظام إلى جانب ضحايا مجازره، يرى قرنفل أنه من الطبيعي مستقبلاً أن يتم البحث عن القبور الجماعية ونبشها من قبل مؤسسات دولية مختصة لتحديد هوية الضحايا من خلال تحليل الـ DNA من بقايا عظام الجثث المتحللة إذا ما بقيت حالة الإنكار قائمة، إضافة للعناصر المكملة كالمكان والزمان وأسباب الوفاة، ما يساعد في تحديد الجهة الفاعلة.
ويؤكّد رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، أن اللجنة الدولية لشؤون المفقودين ICMP المتخصصة بالبحث عن هوية الضحايا، بدأت العمل بهدوء في سوريا، عبر جميع قاعدة بيانات عن المقابر الجماعية ومكانها، إلى جانب البحث عن المفقودين، مشيراً إلى أن اللجنة ذاتها عملت في البحث عن ضحايا البوسنة سابقاً، كما تعمل الآن في العراق وليبيا.
ويختم قرنفل: "هناك منظمات سورية حقوقية تعمل إلى جانب اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، لديها من الخبر والإمكانات المادية والتقنية ما يمكنها من تحديد المقابر ونبشها وتحديد هوية الضحايا".
ترميم القبر الجماعي ممنوع
أواخر عام 2019، ومع طرح عودة اللاجئين السوريين من أبناء جديدة عرطوز في لبنان إلى بلدتهم بموجب اتفاق "تسوية جماعية" كانت من المفترض أن تشمل قرابة المئة عائلة من أهالي البلدة، تقدم العشرات من الأهالي بطلبات لرئيس مجلسها، للحصول على موافقة تسمح لهم إعادة ترميم القبر الجماعي، منها بشكل مباشر، وآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مصدر مقرب من المجلس البلدي في جديدة عرطوز قال لـ "حكاية ما انحكت" إن العشرات من أهالي البلدة طالبوا رئيس المجلس البلدي بالتواصل مع الجهات المعنية لاستصدار موافقة تتيح لهم إعادة ترميم قبور أبنائهم، كون العدد الأكبر من الأهالي كان ينوي العودة بموجب التسوية الجماعية المطروحة، إلا أن رئيس البلدية تلقى أوامر بعدم التقدم بهذا الطلب لأي جهة كانت.
وأضاف المصدر: "رئيس البلدية تلقى معظم طلبات الأهالي عبر مجموعة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تضم معظم أبناء البلدة في الداخل السوري وفي دول اللجوء، وقدم وعوداً بإيجاد طريقة مناسبة لإعادة ترميم القبر الجماعي فور عودة الأهالي، لكنه لم يتمكن من التقدم بهذا الطلب على الإطلاق، كونه تلقى تهديداً بعد ساعات من مسؤولي الميليشيات المحلية المتمركزة في مساكن "سرايا الصراع" على أطراف البلدة، تضمنت عدم التطرق لهذا الموضوع مع أي جهة كانت "حفاظاً على سلامته"، ما أجبره على التراجع عن وعوده، دون تقديم أي عذر واضح".
تعميم الاستراتيجية
في استراتيجية مشابهة اتبعتها حكومة النظام السوري في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، طرح مجلس مدينة حرستا، وبالتنسيق مع مجلس محافظة ريف دمشق، أرض زراعية واقعة في المنطقة الفاصلة بين مدينتي حرستا ودوما، تُسمى محلياً "أرض الزعرورة" للاستثمار عن طريق مزاد علني، بعد أن اتخذ منها الأهالي مقبرة لضحايا المعارك التي دارت في المنطقة خلال سيطرة فصائل المعارضة عليها، بما فيهم من مدنيين سقطوا جراء القصف المستمر الذي استهدف جميع الأحياء السكنية، قبل الاتفاق القاضي بتهجير فصائل المعارضة ورافضي التسوية نحو الشمال السوري منتصف نيسان 2018.
وحدّد مجلس المدينة آنذاك، مدة زمنية لاستقبال طلبات الاستثمار، واشترط على المتقدمين دفع مبلغ مالي يُقدر بخمسين ألف ليرة سورية كتأمين للاشتراك بالمزاد، بعد شراء دفتر الشروط بمبلغ خمسة آلاف ليرة سورية، في محاولة منه لتحويل العملية المطروحة لإجراء رسمي.
بعد أيام قليلة على طرح مشروع الاستثمار، وتحديد الموعد الرسمي للمزاد العلني، أوقف مجلس حرستا المزاد المطروح، وتراجع عن قراره بوضع مقبرة "الزعرورة" في قوائم الاستثمار، بعد تدخل وجهاء المدينة نتيجة الضغط الشعبي الكبير، إلا أنه لم يتراجع عن قراره قبل طرح فكرة استخدام الأرض كمقبرة جديدة للمدينة، بعد امتلاء مقبرة حرستا الرئيسية، وفقاً لما نقلته مواقع محلية متخصصة بتغطية أخبار العاصمة دمشق وريفها، لتُطبق سياسة بيع القبور وطمس المعالم المُتبعة في سابقتها.
"رفضت الخروج من البلدة لأجل أولادي، ومهما حاولوا إبعادنا عنهم ومنعنا من ذكر أسمائهم، ستعود لنا الأيام التي سنعيد ترميم قبورهم ونرفع صورهم عالياً.. كنت أتمنى شراء قبر لأدفن بجوارهما من قبل، لكنهم رفضوا، أما اليوم فأتمنى أن أعيش لأشهد ذلك اليوم، وأعود لأُدعى بين الناس "أم الشهيد"، تختم أم عامر.