حرب الأطفال: صور أبلغ من الكلمات شرق حلب (3)

أرجوحة وسيارة حمراء


"ما يحزنني هو أنّني لم أعُد أستطيع إنقاذ الناس بالطاقة والحيوية نفسها كالسابق". هذا ما يقوله نور الذي خسر رجله خلال هجوم بالبراميل المتفجرة خلال عمله كمسعف، مؤكدا أن كلمة "إعاقة" هي حالة ذهنية لا جسدية. كما قال لأمير الحلبي الذي التقط صورته وصور هذه المادة في شرق حلب مركزا على الطفولة وما تتركه الحرب من تحولات في أرواح البشر وحيواتهم.

25 أيلول 2020

أمير الحلبي

مصوّر سوري وُلد في العام 1996 في مدينة حلب في سوريا. ربح أمير جائزة "صورة الصحافة العالمية" في العام 2016، وكرّمته شركة "كانون" على مشروعه الذي عمل عليه في حلب تحت عنوان "مُنقذ من تحت الركام". أثنت جوائز دولية عديدة على عمله. يعيش أمير الآن في باريس حيث يعمل كمصوّر، كما أنّه تخرّج من كلية التصوير "سبيوس" في العام 2019 (صورة أمير من تصوير: كونستانس نيغر).

(هذا المقال جزء من سلسلة مقالات عن التصوير السوري والمصورين السوريين. بتمويل من مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية)

الحرب كلعبة!

في العام 2012، كان الخوف سيّد الموقف في حلب. كان القتال قد بدأ بين النظام السوري والقوات الأجنبية الداعمة له ضدّ قوى المعارضة. في ساحة المعركة، هيمن عدم التوازن بين النظام وترسانته العسكرية، من جهة، والمقاتلين المعارضين وأسلحتهم الخفيفة، من جهة أخرى. كانت المناوشات تتكرّر، وكذلك مظهر الجنود في شوارع المدينة.

التقطت هذه الصورة بعد أربعة أعوام على بدء القتال، خلال عطلة العيد في العام 2016. بالكاد مرّت بضعة أشهر حتى أحكمت قوات النظام قبضتها على المنطقة في حصار قاتل وحملة تفجيرات أفضت إلى موجة هائلة من النزوح القسري. 

عادةً ما يتمتّع الناس خلال عطلة العيد بهواياتهم المفضّلة ونشاطاتهم الترفيهية. ربما لم يختَر الأطفال هذه اللعبة، تمامًا كما لم يختاروا العيش هنا. يبدو كلّ شيء قسريًا وإلزاميًا هنا، وما بيَد الأطفال في  شرق حلب سوى القليل لا بل أقلّ من القليل.

أنا أيضًا كنت طفلًا في الرابعة عشرة من عمري عندما بدأت الثورة في العام 2011، وبعدها بعام، أُصبت بطلقتين في يَدي.

أعتقد أنّ الناس يتغيّرون حين يعيشون في مناطق نزاع، خصوصًا الأطفال. وكيف لا، والحرب تؤثّر في أذهانهم وتمسّهم شخصيًا بشكل أو بآخر. أنا أيضًا، غيّرتني الحرب.

أرجوحة وسيارة حمراء

خلال العام الخامس من الحرب في سوريا، بدا تأثيرها واضحًا أينما ذهبت. كانت المباني، والمدارس، والشوارع مدمّرة بالكامل، وبات المنظر العام كناية عن سيارات محطّمة ومحلّات مفجّرة.

ألِفت هذه الفتاة الصغيرة منظر السيارة الحمراء المحطّمة التي بدَت شبيهة بأرجوحة للأطفال خلال الحرب. بات ذلك الروتين اليومي الذي تعيشه. يختلف معنى وطعم الحياة للأطفال الذين يكبرون متأثرين بالحرب. بدلًا من أن يذهبوا إلى المدارس التي فجّرتها قوات النظام وحلفائه، يقضون وقتهم في اللعب في الشوارع المدمّرة وبين ركام المباني والسيارات المحطّمة.

جنازة لعب!

أصبحت المآتم حدثًا يوميًا بالنسبة إلى سكّان حلب. بحلول 2016، بات الأطفال المجاورون يتبعون مواكب الجنازات المُعتادة. كان عدد ضحايا التفجيرات الكثيفة فوق حلب مرتفعًا جدًا في ذلك العام.

تأثّر الأطفال بشكل كبير بالفظائع اليومية المحيطة بهم وبتجاربهم الخاصّة. فقدوا الإحساس تجاه الموت والعنف. في الصورة، يلعب الأطفال لعبة "الشهيد" التي تشكّل بالنسبة إليهم طريقة لإعادة تفسير العنف في حياتهم اليومية. كانت اللعبة كناية عن موكب جنازة يقلّده الأطفال، يحملون طفلًا يتظاهر أنّه ميت ويشيّعونه في الشوارع.

حزن من نوع آخر

نور، مُسعف يبلغ 18 عامًا من العمر، خسر رِجله بعد هجوم بالبراميل المتفجّرة شنّته القوى الموالية للرئيس السوري بشار الأسد قرب منزله في حيّ بستان القصر. على الرغم من صِغَر سنّه، يفهم أنّ كلمة "إعاقة" هي حالة ذهنية لا جسدية. قال لي حينها: "ما يحزنني هو أنّني لم أعُد أستطيع إنقاذ الناس بالطاقة والحيوية نفسها كالسابق".

كنت ونور في السنّ نفسه تقريبًا، وبدلًا من الحديث عن السنوات الأولى في الجامعة، تحدّثنا عن الإعاقة الناجمة عن الحرب.

دموع عبر سكايب

كان لؤي مشهدي (25 عامًا) عنصرًا في الجيش السوري في 2012/2013. انشقّ وعاد إلى بلدته حلب، حيث يسيطر الجيش السوري الحرّ. كان لؤي شاهدا على تفجيرات يومية، وبعد بضعة أشهر، انضمّ إلى الدفاع المدني بداية 2014. أُصيب مرّتين خلال عمله مع الدفاع المدني في حلب لأنّ التفجيرات غالبًا ما تستهدف مسعفين مثله. يقطن لؤي الآن في تركيا. تحدّثت إليه ذات مرّة عبر تطبيق سكايب، لكنّه صدمني عنها انهمرت الدموع من عينيه أمامي، على الرغم من أنّني كنت دائمًا ألجأ إليه عندما أشعر بالحزن ليقوّيني.

منذ نعومة أظافري، أعبّر عن جميع مشاعري بالصور. أطفال سوريا بدورهم حاولوا التعبير عن مشاعرهم بشتّى وسائل اللعب والنجاة.

كانت النجاة بالنسبة إلينا مغامرة يومية، ويا لعمق معنى الحياة! كنّا هناك حبًّا بالحياة والنجاة، وحبًّا بتخليد لحظات الشباب! كنّا نريد أن نعيش ونضحك، ولم نرضَ أن نجلس منتظرين الموت.

 

مقالات متعلقة

سوريا تحت المجهر: البداية (1)

28 تموز 2020
"سوريا تحت المجهر" مشروع جديد تطلقه حكاية ما انحكت تحت إدارة المصورة سيما دياب، يهدف إلى تفكيك الصور ودراسة السياق الذي التُقطت فيه، وفي بعض الأحيان، السياق الذي نُشرت فيه...
محمد بدرة: أي كادرٍ سيتسع لنا! (2)

21 آب 2020
ليست كلّ الصور تقع داخل كوادرها، بعضها يقع خارجاً ليصل القلب قبل العين، ويد الطفل مرسومةً وسط عينيَ فأراها في كل شيءٍ، تحاول التقاط الضوء أمام يديَ التي تحاول التقاط...
الصورة والمصوّر: ربّما حان الوقت لنمتلك ذواتنا (4)

17 تشرين الأول 2020
رغم فداحة ما جرى ويجري، من زاوية توثيقيّة تأريخيّة، فإن السؤال الأكبر في قضيّة رواية القصّة السوريّة وتمثيل من يعيشونها بها هو: "من الراوي؟" من يتخذ منبراً ويسرد قصّة المجموعة؟...
مخيم العرموطة.. خيم لا تحمي قاطنيها

08 نيسان 2020
في منطقة، هناك عشرات المخيمات، "النظامية" أو "العشوائية"، نذكر منها مخيمات سجُّو، الإيمان، القطري، الرسالة، النور، باب السلامة، الحرمين، شمارخ، العرموطة الذي نعرض منه هذه الصور التي تعكس حال المخيم...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد