امرأة تُدير أخطر مخيم في سوريا وتطمح للسلام

"نحن نريد السلام وهم/هنّ من قتلونا/قتلننا"


تدير همرين الحسن (35 عاماً) أحد أكبر المخيمات وأخطرها في سوريا، وهو مخيم الهول في محافظة الحسكة، حيث المشكلة لا تتجسّد في العدد الكبير الموجود في المخيم، بل في "العقل الحاكم" لنسوة داعش اللواتي ينظرن للعاملين في المخيم باعتبارهم/هن "كفرة"، فكيف، والحال هذا، تقدر على إدارة المخيم؟ وما هي المخاطر المحيقة بها وبالكادر العامل معها؟

04 كانون الأول 2020

هوشنك حسن

صحفي كردي سوري، مقيم في القامشلي، شمالي سوريا. يعمل منذ 7 أعوام في الإعلام المرئي والمكتوب. حاصل على جائزة أفضل صحفي في شمال شرق سوريا للعام 2019، عن فئة التقارير المصورة من قبل اتحاد الإعلام الحر.

(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة مع مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات)

(القامشلي)، على بعد أمتار من أكبر تجمعٍ لِزَوْجات عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي مكان لطالما تعرّض لحوادث أمنية خطيرة، تجلس همرين الحسن في مكتبها، وتوقّع على أوراق تُفضي إلى خروج مئات النازحين/ات السوريين/ات من "الدويلة البيضاء".

وتدير همرين (35 عاماً) أحد أكبر المخيمات وأخطرها في سوريا، وهو مخيم الهول في محافظة الحسكة، والذي يقع في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، ويضم 64,373 شخصاً، بحسب آخر إحصائيات إدارة المخيم.

أحلام همرين بمواجهة أقدار الحرب

لجأت إلى قرية معزولة.. فهل هذا هو الحل؟!

19 أيار 2020
يبدأ يوم هناء باكرا، فهي تقوم في الصباح الباكر بصنع الخبز، وتربية المواشي والعناية بالخضروات التي زرعتها في بهو منزلها، وذلك في قرية "جن وار" المخصصة للنساء في ريف مدينة...

قبل سنوات لم يخطر ببال همرين أنها ستجلس هنا لتُدير هذا المخيم؛ فمخططها كان إكمال الدراسات العليا بعد تخرّجها من كلية التربية (قسم معلم صف) لكنّ الحرب في سوريا أفشلت المخطط و"قضت على أحلام الجميع" كما تقول لحكاية ما انحكت.

الحرب لم تُفقِد السيدة الكُردية شهادتها وحسب، بل أدّت أيضاً إلى قتل زوجها برصاصة، قيل إنها طائشة، أثناء تجوله في مدينة الحسكة، وذلك بعد نحو أربعة أشهر فقط من ارتدائها "الأبيض" لترث عن زواجها القصير ثياباً سوداء وطفلاً لم يَنْعَم برؤية والده.

"أحسست حينها أن الحياة فقدت بهجتها، وأن بقائي هو فقط من أجل الطفل الذي أنجبته بعد وفاة زوجي بخمسة أشهر، والذي حمل اسم أبيه الذي كان كشمعة يضيء منزلنا" تصف همرين حالها.

يوماً بعد آخر أدركت همرين أن  "عجلات الحياة لا تتوقف، ويجب أن تُعَاش بحلوها ومرّها" لتقرر بعد ذلك الاعتماد على نفسها رغبةً منها في بناء مستقبل أفضل لطفلها.

بحثا عن دور مؤثر

العمل كنائبة لإدارة (بلدية الشعب في الحسكة) التابعة للإدارة الذاتية، لم يُرضِ شغف همرين بالتحول إلى "امرأة مؤثرة ضمن المجتمع" بحسب توصيفها لـ حكاية ما انحكت، لذا فقد خطت أولى خطواتها العملية بالانتقال إلى مخيم الهول، والذي غالباً ما يرفق اسمه بـ"التطرف" نسبة للعدد الكبير من عائلات تنظيم "داعش" هناك.

(همرين الحسن في مكتبها في المخيم/ تصوير هوشنك حسن/ نوفمبر ٢٠٢٠)

ويضم المخيم اليوم نازحين/ات سوريين/ات ولاجئين/ات عراقيين/ات، بالإضافة إلى أكثر من عشرة آلاف من نساء وأطفال عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" اللواتي/اللذين ينحدرن/ ينحدرون من جنسيات مختلفة.

مخاوف دائمة ومستمرة

أفين يوسف... ليس للأحلام أبوابٌ موصدة

12 أيار 2020
الظلم الذي تعرّضت له الصحفية أفين يوسف لم يمنعها من الإصرار على شق طريقها في الحياة، لتكون نموذجاً كُردياً للمرأة الصحافية العاملة في شمال وشرق سوريا، فرغم كل الصعوبات نجحت...

ولم تفارق المخاوف مخيلة همرين خلال الفترة الأولى من العمل في المخيم، لا سيما أن المنطقة حديثة السيطرة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ولا تزال إلى اليوم تتحرك ضمنها خلايا تابعة للتنظيم، بحسب قوى الأمن التابعة للإدارة الذاتية.

"زاد من إصراري أنّ العمل في المخيمات يحمل الطابع الإنسانيّ، وكان فضولي يدفعني إلى العمل في المخيم لكنّي، مع المخاوف، كنتُ متردّدة في الاستمرار بالعمل هناك" تقول همرين.

ولم يكن عدد قاطني المخيم يتجاوز ثمانية عشر ألفاً عند قدوم همرين لكن لجوء العراقيين/ات للمخيم، والسيطرة على آخر جيب للتنظيم المتطرف بقرية الباغوز شرقي سوريا في ربيع العام 2019  أوصل العدد إلى أكثر من 70 ألف شخص.

"نحن نريد السلام وهم/هنّ من قتلونا/قتلننا"

لكنّ المشكلة لا تتجسّد في العدد الكبير؛ حيث بات المخيم أشبه بدويلة ترتفع فيها خيم بيضاء يكسوها الغبار، تأوي زوجات عناصر التنظيم اللواتي تُعرَفن باسم "المهاجرات" نسبة إلى قدومهنّ من خارج سوريا، بل في كيفية التعامل معهنّ "خاصة من ناحية تشبثهنّ بفكر داعش" حسب ما تقول همرين لحكاية ما انحكت.

(صور من مخيم الهول في محافظة الحسكة/ تصوير هوشنك حسن بتاريخ تموز ٢٠٢٠/ خاص حكاية ما انحكت)

ولطالما راود سؤال "ما ذنب هؤلاء الأطفال؟" ذهنَ همرين، وإلى اليوم ترفض الكثير من تلك النسوة التعامل مع إدارييّ/ات المخيم، ويطلقن عليهم/هن اسم "الكفرة" لدرجة رفض "المساعدات" التي تقدّمها إدارة المخيم.

وتقول مديرة المخيم "الالتزام بالواجب الإنساني يدفعنا للعمل، لكن هناك تنافر وتناقض بين مفاهيمنا، فنحن نريد السلام وهم/هنّ من قتلونا/قتلننا".

جرائم وتهديدات

بعد عشرين عاما... أم محمد تتمرد على "زواج القاصرات"

26 أيار 2020
"فقدت الكثير بسبب الزواج المبكر، حرمتني الالتزامات الأسرية من عيش طفولتي، كنت لا أزال طفلة حين تزوجت، حرمت من التعليم، من الحب، لم أعش مرحلة المراهقة، حرمتُ حتى من الضحك". بهذه...

وتستذكر يوم وقوع أول جريمة ضمن قسم المهاجرات، حيث أقدمت زوجات عناصر التنظيم على تقطيع جسد سيدة اتُّهِمَت بالكفر من قِبَلهن، ورمينَ أشلاءها داخل حفرة مع رسالة تهديد تضمنت عبارة "هذا مصير الكفرة"، ليحلّ خوف عميق بقلب همرين في ظل استمرار العمليات الانتقامية من هؤلاء النسوة، ولا تخفي السيدة الثلاثينية خوفها من أن تستهدفها إحدى تلك العمليات في يوم ما.

وأعقب حادثة القتل تلك، انفجار جرة غاز بالقرب من مكاتب إدارة المخيم، ورغم وجودها في المنزل أقلقها "بشكل كبير" صوت المجيب الآلي لشركة الهواتف المحمولة قائلاً "إن الرقم المطلوب مغلق" عند اتصالها باثنين من أعضاء فريقها هناك للاطمئنان عليهم، ليجيب الثالث ويطمْئِنَها أنّ الجميع بخير.

تسوية أمور النازحين

وتعمل همرين حالياً على تسوية أمور النازحين/ات السوريين/ات الراغبين بالخروج من المخيم، وذلك بعد قرار الإدارة الذاتية بالسماح لهم/ن بالخروج، وفي هذا الخصوص تقول "في كل اللقاءات مع الأطراف المسؤولة كنا نقترح خروج النازحين/ات السوريين/ات".

وخرج حتى الآن /6/ دفعات من النازحين/ات السوريين/ات ممن ينحدرون/ينحدرنَ من منطقة دير الزور، آخرها خلال الأسبوع الحالي، ويتم التحضير لإخراج دفعات من منطقة الرقة.

وتعتبر همرين قرار إخراج السوريين/ات هذا فرصةً لإحلال السلام بين مكونات المنطقة بقولها "القرار له فوائد كبيرة على جميع الأطراف، حيث بات بمقدور آلاف السوريين/ات العودة إلى منازلهم/ن" وتعتبر أن القرار سيكون له "تبعات إيجابية على السلم الأهلي والتعايش بين المكونات الأصلية في المنطقة".

وبينما تقترب الشمس من المغيب تتجهز همرين للعودة إلى منزلها، تقول "آمل أن يعود كل هؤلاء المتواجدين/ات في المخيم أيضاً إلى منازلهم/ن يوماً ما" وتمضي السيارة غرباً نحو الحسكة لتسلك يوم غد الطريق نفسها.

مقالات متعلقة

حق المرأة بالميراث تكفله القوانين والشرائع ويمنعه "العيب"

30 أيار 2020
"قمت بتوكيل محامي ورفعت قضية لأجل أن أحصل على حقي في الميراث، وكانت النتيجة بأن أهلي وجميع أفراد العائلة قاطعوني واضطررت لسحب قضيتي والتنازل عنها حتى لا أخسرهم". هذا ما...
الخوف..السجن أم السفر.. خيارات سوريات في لبنان

23 نيسان 2020
لماذا تغادر الناشطات السوريات لبنان؟ ما هي العوائق والصعوبات والتهديدات التي يتعرضون/نّ لها؟ ما هي خيارات من يقررن البقاء؟ وهل تتعرض الناشطات لظروف أقسى من النشطاء حيث تقول مزنة أن...
"جميلات روج آفا"… في مواجهة كوفيد 19

16 أيار 2020
تجربة النساء في مجموعة "جميلات روج آفا" أثبتت قدرة المرأة على المبادرة والتكاتف وتقديم يد العون والتنظيم وقيادة مجتمع مليء بالتحديات؛ تجربة هي الأولى من نوعها في المنطقة. ورغم النواقص...
منصف أم مُجحف؟

23 أيار 2020
"فقدت زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش". هذا ما تقوله خديجة التي أعفيت من عملها كـ مضيفة ضمن إحدى مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا،...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد