التأثير المدمر للحرب على تعليم الأطفال

أي مستقبل ينتظرهم؟


وخلال الاختبارات التي أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية، وُجد أن 59 ٪ من طلاب الصف السادس، و 52 ٪ من طلاب الصف السابع، و35٪ من طلاب الصف الثامن لم يتمكنوا من قراءة قصة بسيطة تتكون من 7-10 جُمل، أي ما يعادل مهارات القراءة للصف الثاني. فأي مستقبل ينتظر الأطفال الذين ينشأوون في ظل الحروب؟

17 كانون الأول 2020

آلان عبد القادر رمو

كاتب وباحث سوري

هي الحرب، إنها قذرة بكل المقاييس. فما إن تحل في مكان ما حتى يحلّ معها الخراب والهلاك، هي من تشرّد الناس، توقع الضحايا، تدمر كل ما حولها من بشر وحجر. وإن ما نشاهده من صور مؤلمة للمصابين والقتلى والدمار، وقد يكون الزمان كفيلاً بتجاوزها ونسيانها، إلا  أنّ مالا نشاهده ولا يمحوه الزمن، هو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب داخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق، كل من فقد عزيزا أو قريبا أو منزلا يستظل بظله ليجد نفسه في العراء، فالسلاح الأشد فتكاً في هذه الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال.

أثرت الحروب والصراعات السياسية في العديد من دول العالم، بشكل كبير على الكثير من المؤسسات الحيوية ومنها المؤسسة التعليمية، التي تعاني اليوم من مشكلات وأزمات متنوعة، منها الاستهداف المباشر من قبل الأطراف المتحاربة، كما إنها أصبحت، وفي ظل تفاقم خطر وانتشار الفكر المتشدّد مركزاً مهماً لجذب وتجنيد الأطفال، وهو ما أثار قلق ومخاوف العديد من الجهات والمنظمات الدولية التي تخشى من استمرار وتفاقم هذه المشكلات، حيث قالت منظمة الأمم المتحدة لشؤون الطفولة "اليونيسيف" في وقت سابق، إن الصراعات في مختلف مناطق العالم تحرم 25 مليون طفلاً وشاباً من فرص الوصول إلى المدارس.

تؤثر الحرب على انعدام تركيز الأطفال على دروسهم في المدرسة، وتجعلهم عدائيين، وتخلق عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة لدى الكثير منهم

وأكدت المنظمة، في تقرير صادر عنها، أن الصراعات المسلحة طويلة الأمد في مختلف مناطق العالم تتسبّب في أضرار ثقافية أوسع أثراً على المستوى البعيد. وتشير المنظمة إلى أن 20 في المئة من التلاميذ في سن المرحلة الابتدائية لا يمكنهم التوجه إلى المدارس بشكل عام في مناطق الصراع في 22 دولة حول العالم. وإذا لم يتلقى هؤلاء الأطفال تعليماً مناسباً فسيدخلون على الغالب في حلقة مفرغة من العمالة غير العادلة والفقر، كما قد يكونون عرضة للانتهاكات الجنسية والانضمام لجماعات متشدّدة. وقالت المنظمة أيضاً إن هناك نحو 8850 مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، دمرت أو تضرّرت بحيث لا يمكن استخدامها، وهي تأوي الآن عائلات مهجرة أو أنها احتلت من قبل أطراف النزاع. وأضافت أن تعرّض المدارس والبنية التعليمية للهجمات هو سبب رئيسي وراء عدم ارتياد الأطفال للمدارس. كما أشارت إلى أن الخوف دفع آلاف المعلمين لترك وظائفهم، أو منع الأهالي من إرسال أطفالهم للمدرسة بسبب ما قد يحدث لهم في الطريق أو في المدرسة، وحذرت المنظمة من أن الفشل في إيجاد حل للصراع الذي تتزايد وحشيته في بعض المناطق يهدد جيلاً كاملاً من الأطفال، والنظام التعليمي يدفع ثمناً باهظاً. ودعت الـيونيسف المجتمع الدولي إلى تقديم المزيد من الدعم لأنظمة التعليم الوطنية في دول النزاع والدول المضيفة للاجئين وتدريب المعلمين وتوفير أدوات التعليم.

مستقبل التعليم في الشمال السوري

26 تشرين الثاني 2019
"بتنا نفضّل البحث عن عمل من أجل مساعدة أهلنا بدل الذهاب إلى المدرسة التي لم يعد فيها التزام بسبب تسرب الطلاب والمدرسين، وعدم وجود أعداد كافية من الكتب واللوازم المدرسية"....

ففي سورية كان جميع الأطفال تقريباً قبل الحرب مسجلين في المدارس الابتدائية وكانت نسبة التعليم 95% للأعمار ما بين 15 حتى 24 عاماً. أما في ظل الحرب فقد ظهرت آثار كارثية ووخيمة على التعليم، ففي مارس عام 2017 قامت لجنة الإنقاذ الدولية باختبار آثار الحرب على تعليم الأطفال بسوريا، وهنا ظهرت فجوة كبيرة في مهارات كثيرة من بينهم الرياضيات والقراءة والكتابة. حيث أظهرت تلك الدراسة أنّه طوال فترة النزاع السوري، تم تعطيل تعليم الأطفال بسبب النزوح وانعدام الأمن. كما وُجد أن 5.8 مليون طفل ما بين سن الـ 5 و 17 سنة في سوريا يحتاجون إلى المساعدة في مجال التعليم، وحوالي 1.75 مليون طالب من الأطفال والمراهقين قد تركوا المدارس بالفعل، هذا بجانب الكثير من الأشخاص الذين يواجهون خطر الانقطاع عن الدراسة. وإن أكثر من 150000 العاملين في مجال التعليم قد تركوا المنظومة التعليمية بالفعل، وثلث المدارس مهدمة ومحطمة وغير قابلة للاستخدام. وخلال الاختبارات التي أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية، وُجد أن 59 ٪ من طلاب الصف السادس، و 52 ٪ من طلاب الصف السابع، و35٪ من طلاب الصف الثامن لم يتمكنوا من قراءة قصة بسيطة تتكون من  7-10 جُمل، أي ما يعادل مهارات القراءة للصف الثاني.

يبقى الطفل هو الضحية الأولى والحلقة الأضعف في مجتمعات تمر بصراعات محتدمة وظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة

تؤثر الحرب على انعدام تركيز الأطفال على دروسهم  في المدرسة، وتجعلهم عدائيين، وتخلق عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة لدى الكثير منهم، علاوة على الخوف وانعدام الشعور بالأمان والبكاء والاستيقاظ ليلاً من الكوابيس، وربما ترافق الطفل خاصة في المرحلة الابتدائية تهيؤات معينة. وإذا لم يكن هنالك وعي من الأهل ومتابعة من اختصاصيين قد تؤدي إلى تفاقم الحالات، وربما في بعض الحالات تصل إلى توقف النطق حتى دون سبب عضوي، إنما بعامل نفسي، فضلاً عن إصابة الأطفال بالاكتئاب. كذلك فإن هناك شريحة من الأطفال الإناث قد أخرجن من المدارس وتم تزويجهن وصرن أمهات، وتعرض البعض منهن للعنف الجسدي والجنسي.

ما التعديلات التي طرأت على مناهج التعليم؟

31 كانون الأول 2019
أقدمت مؤسسات وجهات تابعة للمعارضة السورية على إجراء تعديلات على منهاج التعليم السوري، بهدف الافتراق عن منهاج النظام. إلا أن التفحص النقدي يبيّن أنّ لا فروقات كبيرة بين المنهاجين، والمسألة...

 ولمواجهة هذه المشاكل والحالات النفسية لدى الأطفال لا بد من تفعيل التعاون، ووجود آلية عمل متكاملة أثناء وبعد الخروج من الصدمة أو من أجواء الصراع والحرب بين الأسرة والمختص النفسي والاجتماعي وبين المؤسسات التربوية والمنظمات الأهلية والدولية ووضع سلسلة برامج مشتركة لمساعدة الأطفال في تخطي وتجنب المزيد من الآثار السلبية للحرب. كذلك لا بد من حماية الطفل وتقديم الدعم النفسي الإسعافي، والمقصود منه العمل الجاد والحثيث من قبل المؤسسات الحكومية والمجتمع الأهلي وممارسة كافة المسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال وتوفير بيئة حاضنة وتأمين الأمن ومتطلبات الحياة الأساسية، وتعليمه كيف يتعامل مع من حوله، وتعليم الاختصاصيين في المدارس كيف سيتعاملون مع الطفل الملتحق بالمدرسة والمشوّش فكرياً والمضطرب نفسياً، وأهم خطوه في كل ما تقدّم هو امتصاص الصدمة وتوفير برامج الرعاية الصحية للأم والطفل، وضمان الأمن الغذائي والصحي والتعليمي للأطفال.

وفي الختام: يبقى الطفل هو الضحية الأولى والحلقة الأضعف في مجتمعات تمر بصراعات محتدمة وظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة، الأمر الذي ينعكس على حياته، ويجعله يمر بظروف أسوأ من تلك التي يعيش في ظلها نظراؤه في باقي دول العالم، لذا لا بد من إيلاء أقصى الاهتمام بقضايا الطفولة في الدول التي تعاني من الحروب كونها قضية بالغة الحساسية تتعلق بجيل المستقبل.

مقالات متعلقة

العملية التعليمية في مناطق المعارضة

18 كانون الثاني 2020
تلاحظ هذه الدراسة من خلال إخضاع الجهات المساهمة في العملية التعليمية للتحليل، أن معظمها يخدم أهدافاً أبعد من العملية التعليمية ذاتها، وتتقاطع ممارسات هذه الأطراف في كثير من الأحيان مع...
النساء في المناهج التعليمية ما بين النمطية وخطوة نحو التغيير

05 آب 2019
ما هي صورة النساء في المناهج التعليمية السورية؟ هل انعكست "الثورة" في تلك المناهج، لجهة إنصاف المرأة ودورها أم جاءت مجرد تكريس للقديم والسائد بأنماط أخرى؟ وهل تختلف صورة المرأة...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد