النساء والفتيات السوريّات: الواقع والمأمول

بين القانون وأعراف المجتمع


بعد عشر سنوات من الثورة السورية تجد المرأة السورية نفسها في موضع حرج، إذ رغم الكثير من التقدم والحقوق التي حصلت عليها في بعض المناطق، ثمة تراجع في مناطق أخرى. وأحيانا هناك تقدّم على مستوى القوانين كما في مناطق شمال شرق سورية، لكن التقاليد المجتمعية تمنع وضعها موضع التطبيق، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟ وكيف يمكن للمرأة السورية المشاركة في صناعة المستقبل السوري؟

14 كانون الثاني 2021

آلان حسن

كاتب وصحفي سوري كردي، يعيش في مدينة القامشلي

 (تتشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين حكاية وانحكت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات ضمن برنامج "النساء والسلام والأمن")

حِيْنَ يكون الحديث عن النساء والفتيات في منطقة الشَّرق الأوسط، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذِّهْن هو العُنْفِ المُمَنْهَج المُمارس ضِدّهن، والسَّعْيِ الحَثيث لإعادة حُقوقِهن إليهن. ولكن، وعلى الرُّغْمِ مِن الجّهود المبذولة، إلا أنّ الواقع ما زالَ يُنْبِئ بالكثير مِنَ الظُّلْم الواقِع على النِّساء.

في سوريا، يُضاف إلى ويلات الحرب التي تعانيها منذ آذار/ مارس 2011، والتي تُلْقي بِظِلالها على المرأة خاصّة، سلسلةُ مآسٍ تُعاني منها النساء والفتيات في ظِلّ القوانين المُجْحِفة التي تُساهم في تعزيز ثقافة مُجتمعيّة تَمْييزيّة ضِدّها، فَبِحَسْب دراسة نَشَرَها المركز السوريّ للدّراسات والأبحاث القانونيّة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، فإنّ نسبة زواج القاصرات في سوريا تجاوزت الـ (30%) عام 2015، بينما كانت النسبة قبل الحرب تصل إلى حوالي (7%) ويمكن توصيف النصوص القانونيّة الشرعيّة الخاصّة بقانون الأحوال الشخصيّة السوريّ، بأنّه تسليعٌ للمرأة، وتعتبرها مادةً للإنجاب وأداة متعة للرجل، مقابل ما يدفعه من نفقة.

المرأة في شمال وشرقيّ سوريا

16 كانون الأول 2020
على خلاف المناطق الأخرى، راكمت المرأة في مناطق الإدارة الذاتية خلال السنوات العشر الماضية، تجربة كبيرة على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والعامة، إضافة إلى صدور القوانين التي تعطيها بعض...

ليسَ هذا وحَسْب، بل إنّ الحكومة السوريّة لَم توافق على جميع بنود اتفاقيّة "سيداو"، والتي اعتمدتها الجمعيّة العامّة للأُمَم المتّحدة عام 1979، وتُعتبَر بمثابة إعلان عالميّ لحقوق المرأة من جِهة شموليّة معالجة قضايا التمييز ضد النساء، حيث نَصّت على اتّخاذ كافّة التدابير التي تَهْدُف إلى تحقيق المساواة الفعليّة بين الرجال والنساء في مختلف الميادين.

وتتحفّظ الحكومة السوريّة على المادة الثانية منه، والتي تتضمّن تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنيّة والتشريعات والقوانين، وضمان الحماية القانونيّة لها من أيّ فِعْلٍ تمييزيّ يصدر عن منظّمة أو مؤسّسة أو شخص، والعمل على تبديل القوانين والأنظمة والأعراف بما يتناسب مع ذلك.

وينطبق الأمر كذلك على الفقرة الثانية من المادة التاسعة، والتي تَنُصّ على مَنْحِ الدُّول الأطراف، المرأة حَقّاً مُساوياً لِحَقّ الرّجل فيما يتعلّق بجنسيّة أطفالها.

وأيضاً على الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة، والتي تمنح المرأة حقاً مساوياً للرجل فيما يتعلّق بالقانون المتّصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محلّ سُكناهم وإقامتهم.

وعلى الفقرات (ج ، د ، و ، ز) من البَنْد الأوّل للمادّة السادسة عشرة، والتي تمنح المرأة حقوقاً مساوية للرّجل في الزواج والطلاق والوِلاية والقوامة والوصاية، كذلك الحقّ في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة، وتحديد سنّ أدنى للزواج، وتسجيله إلزاميّاً.

العديد من القيود المجتمعيّة السائدة في المجتمع لا زالتْ كما هي، ولَمْ تستطع الإدارة الذاتيّة إزالتها، كالموقف من قضية الجِّنس خارج إطار الزواج، أو زواج المختلفين/ات دينيّاً، وكذلك المثليّة الجنسيّة كجزء من التمييز البنيويّ المُمارَس ضد "مجتمع الميم".

في مناطق الإدارة الذاتيّة لشمال وشرقيّ سوريا، ومنذ إعلانها عام 2014 أقرَّت تشريعاتٍ خاصّة بالمرأة، عُرِفَتْ بقانون المرأة، مَنَعَتْ فيه تعدّد الزّوجات، وأقَرَّت بالمساواة بين الجنسين في حقّ العمل والأجر والميراث والشهادة في المحاكم، وإلغاء المَهْر، وعدم اشتراط موافقة وليّ الأمر لصحّة الزواج، ومَنْع الطّلاق الانفراديّ، واعتبار "جريمة الشرف" جريمة قَتْل، وكذلك نصّ على تنظيم صكوك الزواج مدنيّاً والمساواة بين الرّجل والمرأة في الإرث، ومنع تزويج الفتاة بدون رضاها، وكذلك منع تزويجها قبل إتمامها الثامنة عشر من عمرها، مانحاً الطرفين حقّ طلب التفريق، ومانِحَاً المرأة الحقّ في حضانة أطفالها حتى إتمامهم/نّ الـ (15) من العمر، ويكون بعدها حقّ الاختيار للأولاد.

المرأة الكُردية... حرية نسبية

09 حزيران 2020
رغم إقرار الزواج المدني والعديد من المكتسبات الكثيرة التي حصلت عليها المرأة الكردية، على صعيد القوانين والتشريع إلا أنها لا تطبق إلا في حيز ضيق، وبما لا يصادم الأعراف المجتمعية...

لكنّ العديد من القيود المجتمعيّة السائدة في المجتمع لا زالتْ كما هي، ولَمْ تستطع الإدارة الذاتيّة إزالتها، كالموقف من قضية الجِّنس خارج إطار الزواج، أو زواج المختلفين/ات دينيّاً، وكذلك المثليّة الجنسيّة كجزء من التمييز البنيويّ المُمارَس ضد "مجتمع الميم".

وكذلك فَمِن المُلاحَظ أنّ قانون المرأة، يُطَبَّق في المناطق التي يوجد فيها تَقَبُّل مُسْبَق لهذه القوانين، لا في كامل الإدارات الذاتيّة والمدنيّة، أي أنّه لا يمكن اعتباره إضافة نوعيّة كبيرة للحالة المجتمعيّة الراهنة، بالرغم من إيجابيّة سَنِّه كقانون في هذه المرحلة، فقانون تعدُّد الزّوجات مَثَلاً يُطبَّق في المُدُن التي كانَ من النادر حدوث حالات تعدُّد فيها، وبَقِيَتْ تُمارَس في حدودها الدُّنيا حاليّاً، أمّا في المناطق التي كان ينتشر فيها "التعدُّد" فلم يُطَبَّق فيها القانون.

وكذلك فإن قانون الزواج المدنيّ الذي أُقِر عام 2013 في مناطق الإدارة الذاتيّة، لا يُطَبَّق إلا في حيّز ضيّق، وبما لا يُصادِم الأعراف المجتمعيّة القائمة بين مكوّنات المجتمع العرقيّة، أو الدينيّة، وكذلك فليست له أي صفة قانونيّة يُعْتَدّ بها، فليس هناك وجود لسجلّات مدنيّة خاصة بالإدارة الذاتيّة، وبالتالي فالزوجان يضطران في نهاية المَطاف لتسجيل زواجهما "شرعيّاً" لدى الحكومة السوريّة، وخاصّة حين يتعلق الأمر بتسجيل أبنائهم/نّ في السجلّات الرسميّة.

كما إنّ الانفتاح على مشاركة المرأة في العمل إنّما جاء كنتيجة طبيعيّة للحالة الاقتصاديّة التي تعيشها سوريا منذ بداية الحرب، حيث أجبرَ الوضع الاقتصاديّ، المجتمعات بتكويناتها الفكريّة المختلفة إلى الانفتاح، بنسب متفاوتة، على قبول مشاركة المرأة في العمل، وطبعاً هذا لا يُلغي من أهميّة، وصوابيّة القوانين التي سَنَّتْها الإدارة الذاتيّة في طريق إزالة التمييز ضد النساء.

إن مراعاة الحساسيّة الجندريّة تكاد تكون غائبة في وسائل الإعلام العاملة في مناطق الإدارة الذاتيّة، ففي قانون الإعلام الناظم لعمل الصحفيين في مناطق "الإدارة" نَجِدْ أنه لا يراعي اللغة الجندريّة، ولا الحساسيات الجندريّة، وبالتالي فقضيّة القضاء على اللغة التمييزية لا تزال بعيدة عن الثقافة الجمعيّة في مناطق "الإدارة".

وكذلك في الإعلام، فإن مراعاة الحساسيّة الجندريّة تكاد تكون غائبة في وسائل الإعلام العاملة في مناطق الإدارة الذاتيّة، ففي قانون الإعلام الناظم لعمل الصحفيين في مناطق "الإدارة" نَجِدْ أنه لا يراعي اللغة الجندريّة، ولا الحساسيات الجندريّة، وبالتالي فقضيّة القضاء على اللغة التمييزية لا تزال بعيدة عن الثقافة الجمعيّة في مناطق "الإدارة".

مهما يَكُن، فإن سوريا مُقْبلة في مستقبلها القريب على حلٍّ سياسيّ برعاية أمميّة، وسيكون دَوْر النّساء فيه فعّالاً، حيث تُولي الأمم المتّحدة أهميّة خاصّة لمشاركة النّساء في إحلال السلام، وهو ما يُشَكّل جزءاً رئيسيّاً من قرار مجلس الأمن (1325) حول المرأة والسّلام والأمن عام 2000، وبالتّالي فالفرصة مُتاحة بشكلٍ قويّ للمرأة السوريّة لتثبيت حقوقها في دستور سوريا القادم.

(الأفكار الواردة في هذا النص تمثل صاحبها فقط)

مقالات متعلقة

صافيناز عفدكي: تجربتا نزوح .. فمخرجة

23 كانون الأول 2020
صافيناز عفدكي مخرجة وكاتبة سيناريو أفلام سينمائيّة، من عائلة ميسورة الحال، شقت طريقها السينمائي في ظروف وأوضاع بالغة الصعوبة ترويها لنا وكلها تصميم على متابعة الطريق الطويل لتحقيق أحلامها.
امرأة تُدير أخطر مخيم في سوريا وتطمح للسلام

04 كانون الأول 2020
تدير همرين الحسن (35 عاماً) أحد أكبر المخيمات وأخطرها في سوريا، وهو مخيم الهول في محافظة الحسكة، حيث المشكلة لا تتجسّد في العدد الكبير الموجود في المخيم، بل في "العقل...
وأدوا طفولتها عند تزويجها.. وبـ تحرّرها غسلت "عارهم"

14 كانون الأول 2020
"لم أنظر لنفسي كما ينظر المجتمع للمرأة المنفصلة، كأنها معيبة، ويجب أن تبقى حبيسة الدار وتدخل العدّة لشهور، أو تتزوج وكأنها أجرمت بحقّ نفسها وعليها أن تُغطّي على جريمتها بالزواج...
لينا بركات: أريد أن أكون شريكة في هذا التغيير

09 كانون الأول 2020
"إذا لم تدخل المرأة معترك السياسة بالشكل الصحيح، ولم تعرف موقعها ودورها ستبقى حقوقها منقوصة وقضيتها مستمرة". هذا ما تقوله لحكاية ما انحكت، لينا بركات، التي تشغل الآن منصب المنسقة...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد